«هاتاي» التركية و«جسر الشغور» السورية تفرقهما السياسة وتجمعهما الروابط الأسرية

المحافظة التركية أصبحت ملاذا للسوريين بعد أن كانت عصا للقمع التركي ضدهم

امرأة سورية تحتضن طفلها في مخيم يايلاداجي التركي أمس، حيث لجأ الآلاف إلى هناك هربا من القمع (أ.ب)
TT

أدت العملية العسكرية الموسعة التي يقوم بها الجيش السوري في منطقة جسر الشغور إلى هروب ما يقدر بـ5 آلاف سوري إلى الحدود التركية، خاصة محافظة هاتاي التركية التي أقامت على تخومها الجنوبية خياما لاستضافة اللاجئين الفارين من قمع السلطات.

المفارقة أن محافظة هاتاي التركية (أو لواء الإسكندرون) التي أصبحت ملاذ للمواطنين السوريين الآن كانت جزءا من سوريا الكبيرة سابقا، وأرضا يعيش فيها آلاف السوريين كأغلبية مع أقليات أخرى بينها الأتراك، إلا أنه في عام 1938 إبان الانتداب الفرنسي على سوريا أبرم المحتل الفرنسي اتفاقا مع الجانب التركي يتنازل بموجبه عن لواء الإسكندرون بالكامل لدولة تركيا الوليدة آنذاك، ولواء الإسكندرون لم يكن أرضا سورية مهجورة؛ بل ثاني أكبر الموانئ السورية في ذلك الوقت بعد اللاذقية، لموقعه الجغرافي المتميز على البحر المتوسط، وهو ما ساعد على توفير فرص عمل ودخل كبير للأهالي والسلطات في سوريا.

اللافت أن مئات من اللاجئين السوريين لهم أقرباء وعلاقات نسب مع الأهالي في الضفة الأخرى التركية للحدود، كما أن المئات من أبناء هاتاي هم في الأساس من أصول سورية ولهم أقرباء في سوريا، بل إن هناك تشاركا ثقافيا واجتماعيا كبيرا ومتساويا على طرفي الحدود من عادات وتقاليد مشتركة تنبع من التاريخ والأصل المشترك للعائلات هناك، فيندر أن تجد عائلة تركية صرفة خاصة في القرى الملاصقة للحدود السورية؛ حيث إن معظمهم ينحدرون من أسر سورية عربية وكانوا جزءا من سوريا وداخل حدودها، فضلا عن وجود تواصل اجتماعي مستمر في مناسبات خاصة كالأعياد بين سكان هاتاي وبين أقربائهم في الأراضي السورية المجاورة الذين ينظرون إلى هاتاي بوصفها أرضا سورية سليبة لا تختلف كثيرا عن الجولان.

سلبيات اقتطاع اللواء لم تقتصر على الجوانب السياسية أو الجيوسياسية فقط؛ بل تعدتها للجوانب الاجتماعية والأسرية، فآلاف الأسر تم تقطيع أواصرها وتفتيتها بين ضفتي الحدود، مما خلق أزمة إنسانية كبيرة خفت كثيرا مع الوقت، خاصة مع سلاسة العلاقات السورية - التركية في كثير من الأحيان. والإقليم الذي كان العرب السوريون يشكلون 45% من عدد سكانه البالغ 225 ألف عام 1939 قدم على طبق من ذهب لتركيا للتقليل من خسائرها في معاهدة «سيفر» التي أنهت الحرب العالمية الأولى لتصبح محافظة هاتاي إحدى محافظات تركيا وعاصمتها مدينة أنطاكية.. فيما يشكو نحو 105 ألف سوري مما يقولون إنه «حملة تتريك شرسة ضدهم».

ويسكن الإقليم حاليا نحو مليون نسمة، ولا يوجد أي تعداد للنسبة العربية بين سكانه بسبب السياسة التركية التي يقول معارضوها إنها متعمدة، ويشكو سكان الإقليم العرب من القمع الثقافي واللغوي والعرقي الذي تمارسه تركيا ضدهم والتمييز ضد الأقلية العربية لصالح العرق التركي في كل المجالات، وهو ما يمكن نعته بسياسة «التتريك»، بحسب نشطاء عرب.

ومع فصل الإقليم حسب قرار عصبة الأمم، كان عدد سكان اللواء 220 ألف نسمة، 105 آلاف منهم من العرب، وتوزع الباقون حينها على العرق التركي (85 ألف) والكردي (25 ألف) والأرمني (5 آلاف) حينها. ذلك التنوع في المحافظة التركية ذات الجذور السورية خلق عائلات وأسرا كاملة ذات قواسم مشتركة بين الطرفين.

وفرضت السلطات في تركيا اللغة التركية على أبناء اللواء ومنعت استخدام اللغة العربية في الأماكن العامة وفي المدارس والشوارع مما أوجد أجيالا عربية لا تتحدث العربية. ويقول سوريون إنه بعد سنوات قمع العرب على يد السلطات التركية بات لواء الإسكندرون اليوم ملاذهم ضد ما يصفونه ببطش النظام السوري.

* وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»