قانون الانتخابات التركي يمنع «التمثيل العادل» لصالح «الاستقرار الحكومي»

TT

مع كل صوت إضافي ينزل في صناديق الاقتراع، كان قادة حزب الشعب الجمهوري المعارض يهللون فرحا، لأنهم يعتبرون أن ازدياد نسبة التصويت وحدها ستقف في وجه طموحات حزب العدالة والتنمية الحاكم.

ومن المتفق عليه بين الخبراء الأتراك أن أصوات اليمين المحافظ «مضمونة» عادة، لأن أنصار حزب العدالة يلتزمون التصويت في الانتخابات، بينما يكون المترددون من أنصار خصومه. غير أن العامل الأبرز في هذا التفاؤل مرده إلى أن ارتفاع نسبة التصويت من شأنه أن يقلل من مقاعد حزب العدالة والتنمية مهما كانت نسبة التأييد مرتفعة، والتي تتراوح بين 40 و50 في المائة، ويعود ذلك إلى النظام الانتخابي الخاص المعتمد في تركيا، والذي يمنع الأحزاب الصغيرة من التمثل في البرلمان إلا إذا حصلت على أكثر من 10 في المائة من أصوات الناخبين، وإلا ذهبت المقاعد التي تستحقها هذه الأحزاب إلى الأحزاب الكبيرة التي نالت أكبر كمية من الأصوات.

وقد دفع حزب الديمقراطية والسلام الكردي الثمن في عام 2002، فهو على الرغم من حصوله على معظم الأصوات في الدوائر التي ترشح فيها فإنه حرم من دخول البرلمان في تلك الدورة لأن نسبة أصوات مؤيديه بلغت 6.22 في المائة من مجمل الناخبين الأتراك، فانتقل في الدورة الثانية إلى استراتيجية تقضي بترشيح محازبيه كمستقلين، ليلتئم جمعهم بعد انعقاد المجلس النيابي ويشكلوا مجموعة باسم حزبهم وفقا للقانون التركي الذي يسمح لكل 20 نائبا أو أكثر بتشكيل كتلة نيابية.

ويقول الخبراء إن من سيئات هذا النظام أنه يمنع الأحزاب الصغيرة من التمثل، وأحيانا يمنع فئة كبيرة من الناخبين من التمثيل الصحيح في البرلمان، كما في عام 2002. ففي تلك الدورة نال حزب العدالة والتنمية 31.5 من الأصوات، لكنه حصل على أكثر من 60 في المائة من المقاعد، إذ نال 363 مقعدا من أصل 550، في حين أنه عندما ارتفعت شعبيته في الدورة التالية عام 2007 إلى 46.6 في المائة انخفض عدد مقاعده إلى 341.

ففي عام 2002 لم يتخطَّ سوى حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري الذي نال 4.19 في المائة من أصوات الناخبين، حاجز الـ10 في المائة، فتقاسما مقاعد المجلس مع 9 مستقلين، في حين بقيت الأحزاب الأخرى جميعها خارج البرلمان، وهي حزب الطريق القويم (9.5 في المائة) وحزب الحركة القومية (8.3 في المائة) وحزب الشباب (7.25 في المائة) وحزب الديمقراطية والسلام الكردي (6.22) في المائة، وحزب الوطن الأم الذي حكم البلاد 5 سنوات بقيادة تورغوت أوزال (5 في المائة)، وحزب السعادة بقيادة نجم الدين أربكان (2.5 في المائة) وحزب اليسار الديمقراطي الذي يرأسه رئيس الوزراء آنذاك بولاند أجاويد (1.2 في المائة)، ما يعني أن حزبين يشكلان ما مجموعه 41 في المائة من الناخبين احتكرا تقريبا كل مقاعد البرلمان.

وفي عام 2007 تغيرت الصورة بشكل كبير مع دخول حزب الحركة القومية ذي التوجهات الفاشية إلى البرلمان، مخترقا حاجز الـ10 في المائة، بنيله 2.14 في المائة من الأصوات، بالإضافة إلى دخول الأكراد البرلمان كمستقلين بنحو 20 نائبا، فتقلصت حصة العدالة والتنمية والشعب الجمهوري رغم ارتفاع حصتهما من أصوات الناخبين، فبلغت نسبة التصويت للأول 46.4 في المائة، وهو رقم قياسي، وحصة الثاني إلى 20.85 في المائة. فنال الحزب الحاكم 341 مقعدا والشعب الجمهوري 112، بينما نال حزب الحركة القومية 71 مقعدا.

ويتهم أعضاء الحزب القومي الحزب الحاكم بمحاولة إقصائه في هذه الانتخابات، للحصول على الأغلبية التي يريدها لتعديل الدستور وهي 367 نائبا، وهو رقم يسهل على العدالة والتنمية الحصول عليه إذا ما خرج الحزب القومي من المعادلة، ويستدلون إلى ذلك بسلسة من الفضائح الجنسية التي طالت أعضاء بارزين فيه وأجبرتهم على الاستقالة من الحزب وعدم الترشح للانتخابات.

أما حسنات هذا النظام فهي كما يقول مؤيدوه من أنه يسمح بالاستقرار السياسي، بعد أن أثبتت الحكومات الائتلافية ضعفها وعدم قدرتها على مواجهة الملفات الكبرى. ويقول أنصار الحزب الحاكم إن سنوات الاستقرار التي عاشتها تركيا في ظل حكم الحزب الواحد سمحت لها بأن تنهض اقتصاديا وسياسيا بما يشبه المعجزة وصولا إلى «الهدف» الذي وضعته تركيا لنفسها بأن تصبح قبل احتفالات مئويتها في عام 2023 بين الدول العشر الأولى من مجموعة العشرين.