القضية الكردية وتعديل الدستور يتصدران قضايا الناخبين الأتراك

«الشرق الأوسط» ترصد آراء عينات من الشارع يوم الاقتراع

زوجان يحملان طفليهما ويدليان بصوتيهما في مركز اقتراع أمس (رويترز)
TT

لم يكن المزاج التركي، متحفزا للانتخابات البرلمانية يوما كما هي الحال في الانتخابات الحالية، فالجميع يخوض هذه المعركة كمعركة وجود، خصوصا أحزاب المعارضة التي ترى «الزحف» الكبير لحزب العدالة والتنمية الذي يتميز عما عداه من الأحزاب بوحدته وثبات مناصريه والتزامهم.

منذ ساعات الصباح الأولى، كانت المدرسة الرسمية في وسط إسطنبول تشهد إقبالا كبيرا. وقال رئيس أحد الأقسام لـ«الشرق الأوسط» إنه منذ فتح أبواب الاقتراع في الثامنة صباحا، وحتى الثانية عشرة ظهرا كان نحو 200 من أصل 300 ناخب في هذا القسم قد أدلوا بأصواتهم. الناخبون يأتون أفواجا، وبتنظيم واضح وهدوء بالغ، فيما تحول الأساتذة إلى رؤساء أقلام.

في الصف الثاني ابتدائي، يجلس الأستاذ الذي رفض نشر اسمه، مترئسا فريق عمل من الأساتذة ومندوبي المرشحين ينظمون عمليات الاقتراع، أما مدير المدرسة فهو المشرف العام، وعلى الألواح المنتشرة في الصف تظهر ألواح تعليمية باللغة الإنجليزية، الوافد الجديد إلى مدارس إسطنبول التي بدأت مدارسها الرسمية منذ أربع سنوات تعليم اللغة الإنجليزية مبشرة ببدء تحول لافت في البلد الذي يستقبل 4 ملايين سائح سنويا، دون أن يتقن غالبية سكانه أية لغات أخرى ما عدا التركية. في هذه المدرسة، بدأ تعليم الإنجليزية - حسب قدرة الأساتذة - فهذا الأستاذ الذي يتقن بضع كلمات من الإنجليزية تعلمها في الصيف، بدأ يعلم تلامذته، أما الذين لم يحسنوا اللغة، فتبقى صفوفهم مقتصرة على اللغة التركية.

حركة الناخبين كانت هادئة جدا، لكن فعالة. ويبدو أن الجميع أصبح - بعد التجييش السياسي والدعاية الانتخابية - صاحب هدف في هذه الانتخابات. وتتمنى فاطمة (54 سنة) أن تكون نتائج الانتخابات لصالح الوحدة الوطنية للشعب التركي وتنتج عنها حكومة «تساعد في إنهاء حزب العمال الكردستاني الإرهابي»، على حد قولها. وتمنت فاطمة التي ترتدي الحجاب لكنها لا تؤيد حزب «العدالة والتنمية»، بل حزب الحركة القومية، أن لا يفوز هذا الحزب، مشددة على أنهم «لن يستطيعوا أن يغيروا الدستور مهما كانت النتائج».

أما حليمة، فقد أجابت عن سؤالنا لمن صوتت بإظهار فقرة من كتاب تحمله عنوانها «حكاية الثعبان»، مشيرة إلى أن القضية هي مثل حكاية الثعبان، وهو مثل تركي يقول «إن حكاية الثعبان يمكن إطالتها إلى الأبد دون أن تنتهي»، معتبرة أن كل ما يجري «ضجيج لن يؤدي إلى نتائج». وقالت: «الإنسان السعيد في الوطن السعيد، والوطن السعيد يحتضن الإنسان السعيد.. ووطننا ليس سعيدا لأننا لسنا سعداء». فاتح (57 عاما)، توقع فوز حزب العدالة والتنمية، مشيرا إلى أنه «صوت لهذا الحزب انطلاقا من رغبته بتغيير الدستور الذي وضعه العسكريون، وإنشاء أول دستور مدني يحكم البلاد»، قائلا إن تركيا ينتظرها استقرار كامل بعد الانتخابات والحركة القومية سوف تدخل البرلمان وتساهم مع حزب العدالة في حل القضية الكردية، مبررا ذلك بأن مشروع «الانفتاح الديمقراطي» الذي قام به الحزب الحاكم فشل في الوصول إلى نتيجة في ما يخص الأزمة الكردية «لأن حزب الحركة القومية كان خارجها».

لكن فاتح، قال إن أول شيء ينتظره من التعديل الدستوري هو إزالة الكلمات الفاشية من الدستور مثل كلمة «الأمة التركية» واستبدالها بعبارة «أمة تركيا» لأن ليس الجميع في هذه الأمة هم من الأتراك (العِرق)، بالإضافة إلى جعل اللغات المحلية محمية من قبل الحكومة ومنح الحق للجميع بتعلم لغتهم الأم.

أما عبد القادر، وهو من أكراد إسطنبول، فقد قال إنه ينتظر من هذه الانتخابات أن تركز الإخوة والمحبة ودعم ركائزها بين جميع مكونات شعب تركيا، وأن تعمل على إنهاء الحقد بين الأتراك والأكراد، معتبرا أنه سيكون من الصعب على الحزب الحاكم تغيير الدستور وحده، ولذلك سوف يحتاج إلى دعم حزب السلام والديمقراطية الكردي.

وقال عبد القادر إن أهم عامل جعله يأتي إلى مركز الانتخاب هو التعديلات الدستورية «التي يجب أن تحصل، وأهمها منح كل إنسان الحق في تكلم وتعلم لغته الأم والتعبير عن انتمائه القومي بكل حرية»، مشيرا إلى أنه يجب على تركيا أن تنقل زعيم حزب العمال الكردستاني المحظور عبد الله أوجلان من السجن إلى الإقامة الجبرية كمرحلة أولى «لأنه المخاطب الأول باسم الأكراد، والممثل الأول للشعب الكردي»، معتبرا أنه «رمز لا يمكن تنحيته عن مسرح الصراع الكردي - التركي».

ويتدخل سليمان، وهو شاب كردي في مطلع العشرينات من العمر ليقول إنه يتمنى أن يكون المجلس النيابي المقبل «مجلس سلام، ويطبق السلام على جميع أنحاء تركيا»، معتبرا أن عبد الله أوجلان «هو الاستقرار والاستقرار هو عبد الله أوجلان». وقال إن «العدالة والتنمية» طبق «الخيار الديمقراطي» على الأرمن والغجر والأكراد، لكن على طريقة البائع الذي يفتح زجاجة المشروب الغازي ثم يضعها في البراد، فتحافظ على برودتها لكنها تكون بلا طعم، واصفا مشروع الانفتاح بأنه «ضحك على الذقون، ويهدف إلى كسب أصوات الإسلاميين الأكراد لا أكثر». ورأى أن الحزب الحاكم «هو أكثر من استغل الدين للحصول على أصوات الناخبين». وقال: «في البرلمان السابق كان هناك 70 نائبا كرديا، لكننا لم نرهم إلا في جلسة قسم اليمين، ثم لم يقوموا بعد ذلك بأي شيء للقضية الكردية، حتى إنهم يخجلون بأن يقولوا إنهم أكراد». ورغم نسبة التأييد الكبيرة لحزب العدالة والتنمية، فقد تضاربت مشاعر الكثير من الناخبين إزاء هذا الحزب، بين من أبدى امتنانا لما حققه حزب أردوغان من استقرار اقتصادي، ومن يتخوف من تحوله إلى حكم استبدادي. وقال شخص يدعى أيدن، تاجر يبلغ الأربعين من العمر، في إسطنبول، إن صوته «سيذهب لحزب العدالة والتنمية لما قاموا به من خدمات على صعيد الطرق والمستشفيات، فقد أصبح بإمكاني التوجه إلى أي مستشفى من دون طول انتظار». أما أمه محسنة التي ترتدي البرقع الأسود، فقالت «أصوت لطيب الطيب». وقالت ميران حسين أوغلو، مديرة محل تجاري في الحادية والثلاثين من عمرها «أصوت دائما للعدالة والتنمية، فقد قدموا لنا الكثير من الخدمات الممتازة».