جذور الاضطرابات في منغوليا تتشابه مع التيبت وشينغيانغ.. ورد الدولة دائما القمع

أعلام إيغورية وتيبتية ومنغولية تم رفعها خلال مظاهرة نظمت في استوكهولم في 9 يوليو 2009 احتجاجا على سياسات الصين في شينغيانغ (رويترز)
TT

على مدى آلاف السنين، كانت للمغول الرحل، الذين اعتادوا الانتشار في أنحاء المراعي، علاقة شرسة بالهان المجاورين لهم في الجنوب. واجتاح الغزاة، بقيادة جانكيز خان، بكين عام 1215، وردت جيوش أسرة كينغ بعد 4 قرون. وعند إعلان الثوار الشيوعيين في عهد ماو الانتصار عام 1949، تم استرضاء المنغوليين، الذين احتلوا منطقة أصبحت تُعرف فيما بعدُ باسم منغوليا الداخلية وتتمتع بحكم ذاتي إلى حد كبير من خلال هجرة الهان والزواج المختلط والطرق التقليدية للقمع.

لكن احتجاجات المنغوليين، التي اجتاحت عددا من المدن خلال الأسابيع القليلة الماضية، تعيد إلى الأذهان أنه ليس بمقدور السخاء أو الاختلاط أو حتى القبضة الحديدية القضاء على المشاعر التي تموج في صدور الأقليات العرقية في الصين التي يبلغ عددها 55 وتمثل 8% من تعداد السكان. وعلى الرغم من أن استثناء الأقليات من سياسة الطفل الواحد، التي تفرضها الدولة، ساعد في زيادة عددهم، فلا يزال عدد الهان يفوق المنغوليين؛ حيث تمثل النسبة بينهما 5 إلى 1 في منطقة منغوليا الداخلية التي تبلغ مساحتها ضعف مساحة كاليفورنيا وتقع على حدود دولة منغوليا المستقلة.

وقال طالب في علوم الكومبيوتر، يبلغ من العمر 21 عاما ويتحدث عبر سور جامعة هوهوت، حيث تم احتجازه مع آلاف من الطلبة المنغوليين وراء أسوار الجامعة لمدة 5 أيام خلال الأسبوع الماضي لمنعهم من الخروج إلى الشوارع: «نشعر كأننا محتلون من الهان. دائما ما تتحدث الحكومة عن التجانس العرقي، لماذا إذن نشعر بالقهر والظلم؟».

على الرغم من أن حادثة دهس سائق شاحنة نقل فحم لراعي ماشية منغولي في بداية شهر مايو (أيار) الماضي كانت السبب المباشر في اندلاع المظاهرات، فإن مشاعر العداء المرتبطة بالشعور بالظلم تعود إلى زمن مضى، وقد برز ذلك من خلال مقابلات مع عدد كبير من المنغوليين الأسبوع الماضي نتيجة الدمار البيئي الذي يحدث نتيجة الازدهار غير المسبوق للتعدين، والشعور بعدم عدالة توزيع النمو الاقتصادي الذي يستفيد منه الهان، والاختفاء السريع للرعي الذي يعتبر من الأنشطة التقليدية في منغوليا الداخلية.

وشهدت مدينة زايلين هوت، التي تعتبر مركز التعدين الذي لا يبعد كثيرا عن المنطقة التي دهس فيها الراعي بالشاحنة بينما كان يحاول مع آخرين منع مرور قافلة من شاحنات الفحم، احتجاجات شارك فيها ما يزيد على ألفي شخص أكثرهم من الطلبة في السادس والعشرين من مايو الماضي. وبعد ذلك بـ5 أيام، خرج نحو 150 محتجا في مسيرات نحو وسط هوهوت، عاصمة منغوليا الداخلية، على الرغم من وجود الآلاف من الجنود وقوات الشرطة شبه العسكرية الذين احتجزوا طلبة الجامعة داخل الحرم الجامعي. وكان رد فعل الحكومة مشابها لرد فعلها على الاضطرابات التي شهدها إقليم التيبت عام 2008 ومنطقة شينغيانغ ذات الأغلبية المسلمة بعد ذلك بعام؛ حيث استخدمت القمع. وتم فرض قيود على الاتصال بشبكة الإنترنت؛ حيث تم إغلاق أكثر المواقع الإلكترونية المنغولية وإلقاء القبض على عدد كبير من الطلبة والأساتذة ورعاة الماشية. وشبه إنهيباتو توغوتشوغ، أحد النشطاء في مجال حقوق الإنسان، من منفاه، الملاحقة الأمنية بـ«مطاردة الساحرات». لكن المسؤولين يسعون إلى معالجة بعض أسباب السخط؛ حيث تعهدوا بإجراء إصلاحات في مجال تعدين الفحم والتصدي لبعض الممارسات الخاطئة التي تحدث بها مثل عمليات التعدين العشوائية وغير المنظمة ومرور الشاحنات على حقول الرعي. وقد شكلت الحكومة لجنة لتوسيع نطاق التغييرات مع الوعد بتخصيص مئات الملايين من الدولارات للتعليم وحماية البيئة ونشر الثقافة المنغولية.

وفي محاولة غير عادية، بدت مؤشرا على مخاوف القادة الصينيين من حدوث مزيد من الاضطرابات، أصدرت محكمة في زايلين هوت حكما بالإعدام على سائق الشاحنة الذي ينتمي إلى الهان والمتهم بدهس ميرغين، الراعي المنغولي. استمرت المحاكمة 6 ساعات، بحسب وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا). كما أصدرت المحكمة أحكاما مشددة على 3 آخرين تورطوا في الحادثة. وصرحت السلطات بأنها تعتزم إجراء محاكمة عاجلة لسائق شاحنة آخر بتهمة قتل ناشط بجرافة خلال المصادمات بين الفريقين في منجم فحم بعد ذلك بعدة أيام.

لكن لم يتضح بعدُ ما إذا كانت هذه الإجراءات السريعة سوف تهدئ مشاعر الاستياء التي تموج في النفوس على الرغم من النمو الاقتصادي السريع في منغوليا الداخلية؛ حيث فاق معدل النمو فيها الأقاليم الأخرى كلها منذ عام 2002، وعلى الرغم من السياسات التمييزية الإيجابية التي وفرت عشرات الآلاف من الوظائف الحكومية للمنغوليين.

وقال مينكسين بي، الخبير الصيني في معهد «كارنيغي» للسلام، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة كليرمونت ماكينا في كاليفورنيا: «الموقف في منغوليا مثير للقلق بالنسبة للقيادة الصينية؛ لأنك لا ترغب في إهدار الأموال في قضية تتعلق بالهوية».

وأسهمت محاولات استعادة المراعي في مقاطعة داماو منذ 10 سنوات في نقل الآلاف من رعاة الماشية إلى البلدات والمدن في إثارة مشاعر العداء ضد الحكومة. وهناك جدل واختلاف حول أسباب تناقص رقعة المراعي، على الرغم من قول الكثير من علماء البيئة إن بناء السدود والمجاري المائية والتعدين في مناجم الفحم من الأسباب التي أدت إلى ذلك. لكن الحل الطموح الذي تقدمه الحكومة، والذي يعرف بالهجرة البيئية، يركز فقط على المشتغلين بالرعي من خلال تقديم إعانات مالية لهم فقط بعد بيع ما لديهم من قطعان. ويتم تشجيع الذين يمتلكون المال في داماو نحو الانتقال إلى مساكن جديدة على أطراف البلدة. لكن تلك المساكن تبدو خاوية على عروشها حتى الآن، على الرغم من إشارة اللافتة التي تقع بالقرب من المدخل إلى انتقال نحو 20 ألف شخص للسكن في 31 بناية.

على الجانب الآخر، استأجر من ليس لديهم المال الكافي لشراء منازل جديدة غرفا مكدسة بالأجساد في الحي المنغولي بالبلدة، الذي يتسم بالكآبة ويعج ببنايات من الطوب الأحمر.

في مساء أحد الأيام الأخيرة، أوضح الزوجان سويالتو وأويانغ، اللذان يمتلكان مقصفا صغيرا يسمى «أصدقاء المراعي»، كيف تم إجبارهما على بيع مرعاهما وقطيع من 300 بقرة وشاه وحصان عام 2004. وقد أكدا اعتراضهما على البرنامج؛ حيث قالا إن الدعم الحكومي للمصروفات المدرسية لابنتهما التي بلغت سن الالتحاق بالجامعة يبلغ 2775 دولارا سنويا وإنهم منحوا ميزة السكن بالقرب من العيادات الطبية والمتاجر والمدارس.

ومع ذلك قالت أويانغ، البالغة من العمر 50 عاما: إن هذه الإعانة التي ستنتهي قريبا، إضافة إلى الدخل الذي نحصل عليه من المطعم الصغير، لا تكفي لإعالة أسرة. كذلك توجد سلبيات أخرى لهذا البرنامج وإن كانت أقل وضوحا. وتقول أويانغ بينما ينظر زوجها إلى الأرض ويخرج سيجارة: «نشعر بالضياع من دون قطعان الماشية والمراعي. لقد اكتشفنا أننا لا نصلح للإقامة في المدينة، لكننا الآن عالقون بها».

* شارك شي دا وآدم سينشري في إعداد هذا التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»