الجيش السوري يطارد «جماعات مسلحة».. ودباباته تتجه شرقا

ارتفاع عدد الفارين إلى تركيا إلى 7 آلاف.. والناشطون السوريون يكذبون روايات النظام عن العصابات المسلحة

لاجئة سورية في أحد المعسكرات على الحدود التركية
TT

بدأ الجيش السوري الذي ينفذ عملية واسعة النطاق لقمع الاحتجاجات في شمال غربي البلاد في مطاردة ما يسميه بـ«جماعات إرهابية مسلحة» متهمة بالمسؤولية عن العنف بحسب دمشق التي نشرت دباباتها أمس شرقا.

وقال ناشط حقوقي أمس «انتشرت نحو 10 دبابات و15 إلى 20 آلية لنقل القوات حول مدينة بو كمال» (شرق) الواقعة على الحدود العراقية. لكن اللاجئين السوريين في تركيا أدلوا بشهادات تفيد بانشقاقات في صفوف القوى الأمنية واتهموا النظام باختلاق قصة «الجماعات المسلحة التي تزرع الفوضى في البلاد» لتبرير قمعهم للمحتجين. وأفاد ناشط حقوقي أن «وحدات الجيش موجودة في جسر الشغور وتسمع طلقات نارية متقطعة في القرى المجاورة».

وأعلنت السلطات التي تسعى إلى قمع الاحتجاجات أنها «سيطرت» على المدينة في محافظة إدلب (شمال غرب) مساء الأحد بعد عملية عسكرية واسعة النطاق انطلقت الجمعة. وأكدت أنها «تلاحق الجماعات الإرهابية المسلحة» في المخابئ والجبال المحيطة بالمحافظة. وتابع الناشط أن الجيش شن في بلدة ورام الجوز شرق جسر الشغور «حملة تمشيط مع إطلاق قنابل مضيئة». وجنوبا في جبل الزاوية انتشرت وحدات الجيش بحسب المصدر نفسه.

وفر عدد كبير من سكان جسر الشغور البالغ عددهم 50 ألف نسمة إلى تركيا منذ اندلاع أعمال العنف قبل أسبوع. وبلغ عددهم المتزايد الاثنين 6817 لاجئا بحسب وكالة أنباء الأناضول. ويتم إيواء اللاجئين السوريين في أربعة مخيمات في إقليم هاتاي نصبها الهلال الأحمر التركي. وتقوم قوات الدرك التركية بتقديم المساعدة للاجئين وتنقلهم إلى المخيمات فيما تنقل المصابين إلى المستشفيات. وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن أن بلاده لن تغلق حدودها أمام السوريين الفارين إليها. ورحب الناشطون على صفحة «الثورة السورية ضد بشار الأسد 2011» التي حركت الاحتجاجات بفوز أردوغان في الانتخابات التشريعية في بلده وكتبوا «ارتياح واسع في الشارع السوري بين شباب الثورة ورجالاتها لفوز حزب أردوغان في الانتخابات التركية».

وروى لاجئ سوري من مدينة جسر الشغور في تركيا أنه شاهد دبابات سورية تتواجه فيما بينها أول من أمس، أثناء سيطرة القوات السورية على هذه المدينة الشمالية، في شهادة جديدة على حصول نزاعات داخل القوات السورية.

وقال عبد الله، 35 عاما، الذي كان موجودا في جسر الشغور وقد عبر خلسة إلى تركيا بحثا عن طعام، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «الجنود السوريين منقسمون. انشقت أربع دبابات وبدأت الدبابات تطلق النار على بعضها البعض». وقال عبد الله الذي شهد دخول الجيش السوري جسر الشغور الواقعة على مسافة أربعين كلم من الحدود التركية «حين بدأوا يطلقون النار على بعضهم البعض هربت. لست أدري إن كانوا دمروا جسورا أم لا. لم يكن أحد قبل ذلك أطلق النار على الجسور لقد عبرت الدبابات منها». وروى الشاهد الذي عرف عن نفسه باسمه الأول فقط أن القوات السورية «طوقت المدينة بالدبابات في بادئ الأمر» وقال «بدأوا بإطلاق النار من الخارج، أطلقوا النار بغزارة بالرشاشات واستخدموا أسلحة ثقيلة. ثم دخلوا. قالوا إن هناك مسلحين في الداخل، لكن لم يكن هناك أحد في الحقيقة. المدينة كانت خالية». وكان لاجئ سوري آخر في تركيا يدعى علي (27 عاما) أفاد عن حصول مواجهات داخل الجيش السوري. وقال الشاب متحدثا لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «ثمة الآن انشقاقا في صفوف الجيش وهناك مجموعة تحاول حماية الناس: لقد دمروا جسرين في جسر الشغور» موضحا أنه حصل على هذه المعلومات من أشخاص فروا من المدينة في اليوم نفسه. وقال عبد الله إن قوات الأمن السورية وصلت «إلى مسافة ستة كيلومترات من الحدود التركية». وتابع أن «الجنود لم يخرجوا بعد من جسر الشغور لكن قوات الأمن وصلت إلى زياني على مسافة ستة كلم من الحدود».

وأوضح أن «شرطيين باللباس المدني وعناصر من الشبيحة هم الموجودون في زياني. الجنود والدبابات لم يصلوا إلى هناك بعد.. من الممكن أن يتمركزوا على المرتفعات ويطلقوا النار بالأسلحة البعيدة المدى».

وأكد «أنهم أحرقوا المحاصيل بذخائر حارقة وقتلوا الماعز والبقر. وفي المدينة نهبت محلات البقالة والسوبر ماركت ولم يبق شيء. الأبواب مخلوعة». وقال «لقد قصفوا السجن ودمروه. وأطلقوا النار على المساجد وعلى بعض المنازل. المباني العامة أيضا دمرت: الأحوال الشخصية والبريد».

وتابع «كان الفرار صعبا! هربت سيرا على الأقدام في الجبال عبر الأحراش حتى الحدود التركية». وأوضح أن «سكان جسر الشغور ومحيطها لا يحق لهم الخروج من المنطقة إلى مدينة أخرى. هناك مراكز تفتيش على طرق اللاذقية وحلب. يحظر الخروج والدخول ويوقفون كل من يريد العبور ولا نعرف ما يحل بهم. كل ذلك لأننا نريد الحرية». وقال إن «الجنود لم يقتربوا من القرى العلوية (الطائفة التي يتنمي إليها الرئيس بشار الأسد)». وأكد «أنهم هاجموا البلدات السنية. البلدات السنية دمرت.. الناس والأطفال تحت المطر.. الكثيرون منهم مرضوا».

بشكل دوري يظهر على شاشات الفضائيات المحللون السياسيون الذين يدورون في فلك النظام السوري، ليقولوا إن «عصابات مسلّحة اندست بين المتظاهرين مما استدعى تدخل قوى الأمن للسيطرة على الأمور». ويضيفون أن مطالب المتظاهرين «محقة لكن الدولة لا يمكن أن تسمح بالفوضى».

وقد بدأ النظام السوري بالتحدث عن العصابات المسلحة مباشرة بعد أحداث درعا وامتدادها إلى اللاذقية حيث يؤكد أحد الناشطين لـ«الشرق الأوسط» أن «النظام اضطر في مدينة اللاذقية نتيجة الأحداث الطائفية التي جرت هناك إلى الإيحاء أن هناك من يضرب الطائفتين ليزرع الفتنة». وقد عمد النظام إلى هذا السيناريو كما يقول الناشط «لتحقيق هدفين: الأول تخفيف حالة الاحتقان الطائفي الذي صنعها النظام نفسه لكنه لا يريدها أن تنفجر كي لا تنقلب ضده، والثاني ترهيب الناس والإيحاء أن أي بديل عنه سيكون الفوضى. فقام بتسيير سيارات يركبها رجال من الأمن والمخابرات، يرتدون لباسا مدنيا، يجوبون الشوارع المحسوبة على كلا الطائفتين ويطلقون الرصاص عشوائيا، فسقط من جراء ذلك العديد من القتلى والجرحى» ويضيف: «الناس سرعان ما اكتشفوا اللعبة حين لاحظوا أن السيارات التي تدخل إلى بعض الأحياء من الأمن هي ذاتها تدخل أحياء أخرى وتطلق النار لتوحي أنها عصابات».

ويسخر الناشط وهو يسرد بعض القصص التي حدثت مع الناس الذين يعيشون في المدينة ويقول «شاهد سكان أحد الأحياء شخصين مسلحين يدخلان إلى احد الأبنية، فاتصلوا بأجهزة الأمن ليعلموها عن وجود عصابة مسلحة وحين حضرت سيارة الأمن كان فيها أربعة عناصر دخلوا إلى البناء ليخرجوا بعد قليل وقد صار عددهم ستة ليخبروا السكان أنه لا يوجد أحد ربما تكون العصابة قد هربت». ويؤكد الناشط وجود الكثير من القصص المضحكة السيئة الإخراج التي شاهدها السوريون بأعينهم بما يخص العصابات المسلحة واكتشفوا زيفها. وكان التلفزيون السوري عرض اعترافات العديد من الأشخاص مؤكدا أنهم أعضاء في عصابات مسلّحة تعمل لحساب أطراف لبنانية وخارجية. إلا أن سكان المدن التي ينتمي إليها هؤلاء الأشخاص الذين يتهمهم الإعلام الرسمي بالقيام بأعمال قتل وحرق وسلب وتخريب. يؤكدون أن بعض هؤلاء المتهمين كانوا في السجن يقضون أحكاما جنائية نتيجة ارتكابهم لجنح وجرائم، قام النظام باستخدامهم لهذه المهمة. حيث أصبح أبو نظير الذي ظهر على التلفزيون الرسمي ليدلي باعترافات تشير إلى قيامه بأعمال تخريبية، محط تندّر السوريين خاصة أهالي حي الصليبة في اللاذقية، الذين يعرفون جيدا أنه يتعاطى المخدرات وهو مخبر للأمن يقدم خدمات لهم مقابل الإفراج عنه كلّما قبضوا عليه. ويؤكد شهود من مدينة درعا أن الأشخاص الذي عرضهم التلفزيون السوري وقال إنهم عصابات مسلحة هم في الحقيقة سائقو شاحنات يعملون على طريق الأردن، تم القبض عليهم وإجبارهم على الظهور على التلفزيون الرسمي والإدلاء باعترافات محددة. ويرى هؤلاء أن النظام يستخدم هذه الذريعة إضافة إلى ذرائع أخرى لتبرير قمعه المحتجين المطالبين بالحرية والديمقراطية، مشيرين إلى «أن إحدى الدراسات التي أجريت عن المجتمع السوري وقام بإعدادها الدكتور رضوان زيادة تبين أن لكل مائة وخمسين مواطن هناك عنصر أمن يراقبهم ويقدم التقارير عنهم. كيف لبلد كهذا ممسوك أمنيا إلى هذه الدرجة أن تظهر فيه فجأة عصابات مسلحة تجوب البلاد من درعا إلى اللاذقية وحمص وحماه وجسر الشغور دون أن يعترضها أحد».