الشرطة الأفغانية تفرض «ضريبة إسلامية» لإعادة دمج المتمردين في إقليم قندوز

رغم الشكاوى الغاضبة على البرامج الحوارية الإذاعية حيال تصرفات ميليشيا «أربكاي»

TT

ينبغي أن تظهر صور غلام حضرات في ملصقات في الحملات الداعمة لإعادة دمج المتمردين الراغبين في تحويل مسار ولائهم؛ فمنذ 6 شهور كان قائدا في حركة طالبان داخل ضاحية إمام صاحب المضطربة في إقليم قندوز الشمالية. الآن، يشارك هو و10 من أتباعه في عملية التحول إلى ضباط شرطة؛ بحيث تبدأ الحكومة في دفع رواتب لهم.

إلا أنه في تلك الأثناء، يعمل حضرات على جمع المال بذات الأسلوب الذي كان يفعله عندما كان قائدا في «طالبان»، من خلال فرض «ضريبة إسلامية» على قاطني الضاحية التي ينتمي إليها.

وخلال مقابلة معه، برر موقفه بقوله: «تطالبنا الحكومة بمقاتلة طالبان وحماية المنطقة. لذا يجب أن نطلب من الناس المساعدة كي أتمكن من مراعاة احتياجاتي واحتياجات زملائي»، ويصر هو والمسلحون الآخرون الذين أعلنوا انضمامهم لصف الحكومة ويأملون في الانضمام إلى الشرطة المحلية، وهي مجموعة تعرف باسم «أربكاي»، على أن الناس يقدمون لهم المال طواعية.

بيد أنه بالنظر إلى الاحتجاجات العامة، يبدو أن المتبرعين ينظرون إلى الأمر بصورة مختلفة، حيث غالبا ما يجبرون على دفع عشر عائداتهم، تماما مثلما كان الحال أثناء حقبة سيطرة «طالبان» على البلاد.

في قندوز؛ حيث بدأ تنظيم دورات تدريبية شرطية منذ نهاية العام الماضي، انهالت الشكاوى الغاضبة على البرامج الحوارية الإذاعية حيال تصرفات ميليشيا «أربكاي»، ونددت زعامات قبلية بارزة خلال اجتماعاتها بسلوك هذه الميليشيا، وحتى مسؤولو الحكومة الإقليمية أعربوا عن قلقهم في هذا الصدد.

من جهته، يرمي البرنامج الممول من الولايات المتحدة إلى تحويل المتمردين إلى قوات دفاع ذاتي قروية تعرف باسم «الشرطة المحلية الأفغانية»، وهي كيان منفصل عن قوة الشرطة الوطنية القائمة. ويمثل البرنامج المبادرة المفضلة لدى قائد قوات حلف الناتو داخل أفغانستان، جنرال ديفيد إتش بترايوس، الذي يعتبر البرنامج جزءا حيويا من استراتيجيته لمكافحة التمرد.

ويعتبره مسؤولو الشرطة الأفغانية سبيلا غير مكلفة لتعزيز صفوف قواتهم، خاصة بالمناطق النائية. يذكر أن الشرطة المحلية الأفغانية تتألف من وحدات منظمة ومدربة على يد القوات الأميركية الخاصة، بالتعاون مع السلطات الأفغانية، ويتقاضى أفراد الوحدات العاملة على مستوى القرى ما يعادل نصف رواتب ضباط الشرطة الوطنية.

حتى الآن، تولى البرنامج تدريب 6200 ضابط داخل 41 ضاحية، ويرمي لتجنيد 30000 داخل 100 ضاحية تقع في 14 إقليما بحلول نهاية العام.

إلا أن البرنامج أثار القلق بين العاملين بمجال الإغاثة والمساعدات ومسؤولي الأمم المتحدة، الذين يرون أنه يمكّن للوردات الحرب المحليين الذين لا يحترمون حقوق الإنسان أو يلتزمون حسن السلوك.

ويخشى الكثير من الأفغان عودة حقبة هيمنة لوردات الحرب أثناء سنوات الحرب الأهلية، منذ أواخر ثمانينات حتى أوائل تسعينات القرن الماضي، أكثر من خوفهم «طالبان»، التي كان من أكبر الأسباب وراء وصولها إلى السلطة سأم الناس من الميليشيات المحلية المتقاتلة. وخلصت دراسة، أجرتها منظمة «أوكسفام» وثلاث منظمات غير حكومية أخرى، إلى أن البرنامج «في جميع الحالات فشل في توفير جهود شرطية فاعلة»، وأفرز بدلا من ذلك قوات «يسود الخوف منها داخل المجتمعات التي يفترض أنها تحميها».

وأشار تقرير صادر عن الأمم المتحدة في مارس (آذار) إلى أنه، بينما لا يزال الوقت مبكرا للغاية لإصدار أحكام قاطعة على البرنامج، فإن «المخاوف تتصاعد إزاء ضعف الرقابة وآليات التجنيد والتفحص والقيادة والسيطرة».

وتصاعد الجدال داخل قندوز، في الوقت الذي بدأ المزارعون فيه حصد محاصيلهم، ليفاجأوا بالكثير من مجموعات «أربكاي» الجديدة المسلحة، التي تعمل بمثابة قوة شرطية فعلية حتى من قبل أن تنهي تدريبها، تطالب بعشر عائداتهم.

عن ذلك، قال ساروار حسيني، المتحدث الرسمي باسم رئيس شرطة قندوز: «قلنا مرارا عبر أجهزة التلفزيون المحلية إنه لا ينبغي أن يدفع أحد أي أموال لأي شخص، وأن (أربكاي) ليس لهم الحق في جمع الزكاة»، إلا أن رفض الدفع له عواقب.

على سبيل المثال، رفض ناظر ومساعد ناظر مدرسة حاج مير علام للفتيات في مدينة قندوز، وهي عاصمة الإقليم، دفع أموال لـ«أربكاي». وعليه، اقتحم اثنان من قادة «أربكاي» برفقتهما 30 مسلحا المدرسة، الأربعاء، وضربوا الرجلين أمام الطلاب حتى فقدا الوعي، طبقا لما قاله محمد زاهر نزام، رئيس إدارة التعليم الإقليمية.

وأضاف: «إدارة التعليم تندد بشدة بهذا الهجوم، الذي يعد بمثابة هجوم واضح على التعليم»، ونقل الرجلان إلى المستشفى، ولا يزالان في غيبوبة، وأغلقت المدرسة.

في أعقاب ذلك، اجتمع 100 من الزعامات القبلية ونددوا بالهجوم، وقال متحدث رسمي باسمهم يدعى حاج نصار أحمد إنه «ينبغي على الحكومة إلقاء القبض على مثل هؤلاء الأشخاص وتقديمهم للعدالة. أما حسيني، المتحدث الرسمي باسم الشرطة، فأشار إلى عدم تلقي الشرطة شكاوى رسمية بخصوص تجاوزات من قبل (أربكاي)».

لكن نزام، المسؤول التعليمي، أكد أنه أبلغ مسؤولين أمنيين عدة مرات بشأن الهجوم، وأنه «لم تتخذ أي خطوات ولم يلق القبض على أحد».

ونقلت متحدثة رسمية باسم قوات الائتلاف التي يتزعمها «الناتو» تساؤلات حول مثل هذه الحوادث إلى الحكومة الأفغانية، وقالت المتحدثة الرسمية، لفتنانت كوماندر، كاثلين دي سويتسر، إن الشرطة الأفغانية المحلية «تمثل برنامجا يترأسه الأفغان بينما نقوم نحن بدور داعم»، وأضافت أن البرنامج ساعد في توفير الأمن داخل «مناطق مضطربة تحمل أهمية لحملة مكافحة التمرد، لكنها خارج متناول قوات الائتلاف والقوات الأفغانية المتاحة».

يوجد في قندوز، التي تضم 1500 من أفراد ميليشيا «أربكاي» و1200 منطقة مصرح لضباط الشرطة المحلية بالعمل فيها، واحدا من أكبر برامج الشرطة المحلية. ومع ذلك، تخرج في البرنامج حتى الآن 105 من «أربكاي» فقط وأصبحوا ضباطا، حسبما أفاد به حسيني. وقال مسؤولون في «الناتو» إن 220 ضابط شرطة محليين تلقوا تدريبهم في قندوز.

والملاحظ أن ميليشيا «أربكاي» أثارت الكثير من الشكاوى خلال المراحل الأولى من العملية. ولم يقبل الكثير حتى الآن داخل البرنامج التدريبي.

من ناحيته، قال حظرات: «لو أعطتنا الحكومة طعاما ودفعت لنا رواتب، لم يكن هناك ما سيدفعنا لجمع أموال من الناس».

في المقابل، يعترف مسؤولون أفغان ودوليون بأن البرنامج به عيوب، وقال مسؤول دولي على معرفة بالبرنامج، رفض الكشف عن هويته، إن البرنامج التدريبي لم يتحرك بالسرعة الكافية لاستيعاب أعداد «أربكاي».

وأوضح أن «الطلب يفوق القدرات المتاحة. لكن أيا ما كان ما نفعله، يجب أن نفعله بصورة صائبة». وقال محمد أيوب حقيار، حاكم ضاحية إمام صاحب، حيث تعمل قوات حظرات: «السبيل المثلى لمنعهم من جمع ضرائب من الناس توظيفهم كأفراد شرطة محلية والبدء في دفع رواتب لهم».

إلا أن القواعد الأميركية لا تسمح بدفع أموال للمجندين حتى ينتهوا من التدريب وتتفحصهم القوات الخاصة، بجانب قيادات محلية ومسؤولين أفغان.

وفي الوقت الذي يعترض الأميركيون فيه أيضا على منحهم أسلحة وبطاقات هوية شرطية قبل ذلك الحين، قدمت لهم الحكومات المحلية ذلك. كان يار محمد، 40 عاما، مزارعا في ضاحية إمام صاحب، قد حصد لتوه 4600 رطل من القمح من أرضه، وطلب منه «أربكاي» المحليون 460 رطلا عن محصوله، وقال: «رفضت، وهددوني، واضطررت في النهاية أن أعطيهم ما طلبوا»، داخل ضاحية خان آباد، أيضا في إقليم قندوز، لم يحصد مزارع يدعى فايز الله محصوله بعد من أرض يملكها مزروعة قمح، لكنه ينوي تقديم عشر المحصول؛ بعدما أعلن قائد «أربكاي» المحلي داخل المسجد أن على الجميع القيام بذلك.

وبرر موقفه بقوله: «يجب علينا جميعا أن نقدم لهم ذلك وإلا سنخلق لأنفسنا مشكلات».

وعلق كولونيل عبد الرحمن أقتاش، نائب رئيس شرطة قندوز، بقوله: «يشكو الناس من أن (أربكاي) يسلبونهم أموالهم وهواتفهم الخلوية، وأحيانا يعتدون عليهم بالضرب. لقد طهرنا قندوز من المعارضة المسلحة، لكن إذا استمر هذا الوضع، فسيبتعد الناس عن الحكومة وسيمهد هذا الطريق لعودة المعارضة المسلحة».

* خدمة «نيويورك تايمز»