الاضطرابات في سوريا تثير المخاوف من تفاقم الانقسامات الطائفية

أحد سكان جسر الشغور: لا نريد أي صراع بيننا لكن النظام يدفعنا نحو كره العلويين

مظاهرة في حماه في صورة مأخوذة من شريط نشر على موقع «أوغاريت» أمس
TT

يرى بعض المواطنين والمسؤولين أن استعادة النظام السوري نهاية الأسبوع الحالي، للمدينة التي استطاعت أن تفلت من قبضته، تزيد من حدة التوتر الطائفي بين المسلمين السنة الذين يمثلون الأغلبية والعلويين الذين يمثلون الأقلية وينتمي إليهم عائلة الرئيس السوري بشار الأسد.

يشكو كل طرف من الآخر، بحسب ما اتضح من خلال المقابلات التي أجريت مع لاجئين ومواطنين سوريين ونشطاء، حيث أشاروا إلى أن هذا من شأنه زيادة العداء في دولة واجهت شبح الحرب الأهلية من قبل والذي يستخدم كذريعة لقمع المعارضين. ويتألف المجتمع السوري من خليط من المسلمين السنة والعلويين والمسيحيين والأكراد وطوائف أخرى يعيشون سويا على نفس الأرض، لكن في ظل احتكار النخبة من العلويين الذين يمثلون أقلية للسلطة السياسية.

ويعد موقع بلدة جسر الشغور، التي استخدم فيها النظام الدبابات والمروحيات لقمع من وصفوهم بـ«العصابات الإرهابية المسلحة»، من أكثر الأماكن تعقيدا في سوريا. فأغلب سكان بلدة جسر الشغور من السنة وتقع بلدة أغلب سكانها من العلويين على بعد أقل من ميل باتجاه الجنوب وبين البلدتين توجد مساكن لمسيحيين ومسلمين من السنة.

وقال أحد سكان بلدة جسر الشغور، وهو مسلم سني، إنه تلقى رسالة نصية من صديق ينتمي لطائفة العلويين يطمئن من خلالها على سلامة أسرته. وقال: «أخبرته بمقتل شقيقتي الاثنتين وطفل». ويتهم البعض جيران علويين بالاشتراك في عمليات القمع والملاحقة الأمنية التي يمارسها النظام. ويرى البعض الآخر أن هؤلاء الجيران من العلويين يقيمون نقاط تفتيش على الطرق القريبة من البلدة للقبض على معارضي النظام.

على الجانب الآخر، يكره العلويون المتمردين السنة الذين ساعدوا، بحسب اعتقادهم، على انتزاع بلدة جسر الشغور من أيدي النظام حتى وإن كان ذلك لأيام معدودة. يقول أكثم نعيسي، وهو محامٍ ينتمي إلى الطائفة العلوية وناشط في مجال حقوق الإنسان في دمشق: «أشعر بقلق بالغ من اندلاع مواجهات طائفية في البلد. ليست بلدة جسر الشغور سوى مثال واحد وآمل أن تعبر الأزمة».

ويبدو أن هذا الاحتمال يثير قلق من هم خارج سوريا أيضا، فهو من أسباب تردد الولايات المتحدة والدول العربية في إجبار الأسد على التنحي. وقال أحد مسؤولي إدارة أوباما رفض ذكر اسمه: «إن البعد الطائفي في الموقف يزداد وكذلك حدة الانقسامات ومشاعر العداء». وأضاف قائلا: «لا أعتقد أن هذا سينتهي. ما حدث في شمال غربي البلاد دعم موقف العلويين وزاد عداءهم للسنة والعكس بالعكس. وهذا الانقسام مرشح للازدياد».

ولا يزال الجدل دائرا حول مدى عمق الانقسامات الطائفية في سوريا، التي لا يقل عدد الطوائف بها عن جاريها العراق ولبنان اللذين خاضا حربا أهليا، رغم الاحتجاجات والتنكيل التي شهدتها بلدات مثل بانياس، التي تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وتلكلخ، التي تقع بالقرب من الحدود اللبنانية، منذ اندلاع الثورة في مارس (آذار) الماضي.

وأشار مسؤولون سوريون إلى استغلال إسلاميين مسلحين للظلم الذي يشعر به الناس محذرين من خطورة انهيار النظام على الشعور النسبي بالأمان الذي يتمتع به المسيحيون والأقليات في البلد. وقلل النشطاء المعارضون للنظام من شأن الانقسامات الطائفية التي يعتبرونها حيلة من النظام للبقاء في حكم دخل عقده الرابع. ويرى هؤلاء النشطاء أن النظام يعمل على إذكاء نار الفتنة الطائفية في إطار سياسة فرق تسد.

تبدو الأحداث التي شهدتها بلدة جسر الشغور غامضة، فمن الصعب تصنيفها بأنها ثورة مسلحة أو ثورة تزعمها منشقون عن الجيش أو مزيج من الاثنين. لكن بات من الواضح أن مشاعر الغضب تشعل الثورة أو كما قال أحد السكان: «إنهم يحولون الأمر إلى صراع طائفي». ويؤكد احتمال اندلاع صراع طائفي في الاحتجاجات السورية التي اندلعت بعد القبض على 15 شابا في مدينة درعا الجنوبية وتعذيبهم. وسرعان ما انتشر المتظاهرون في جميع أنحاء البلاد يهتفون ضد البؤس الذي يرزحون تحت وطأته من جرّاء الحرمان المدمر في البلدات الريفية وغياب محاسبة القوات الأمنية عما تمارسه من تنكيل في تلك البلدات التي أهملها نظام الأسد منذ زمن طويل.

وفي الوقت الذي يصف فيه النشطاء المعارضون للنظام ومسؤولون أميركيون الاحتجاجات بأنها سلمية، أقروا بتنفيذ بعض العناصر المسلحة هجمات على قوات الأمن. وصرح النظام بمقتل مئات من أفراد قوات الأمن رغم أن هذا العدد يبدو قليلا مقارنة بعدد القتلى من المتظاهرين الذي بلغ 1300 بحسب رواية المعارضة. وقال مسؤول أميركي: «نرى عناصر مسلحة من المعارضة في أنحاء سوريا. ونرى نفوذهم يزداد في شمال غربي البلاد، حيث يوجد الكثير منهم. ولا نعرف بالضبط هوية تلك الجماعات المسلحة»، لكنه أشار إلى أنها «دينية».

وامتدت تداعيات الأحداث التي شهدتها بلدة جسر الشغور إلى الحدود السورية، حيث صرحت تركيا يوم الاثنين الماضي بأن نحو 7 آلاف لاجئ سوري تسللوا عبر الحدود، ورغم أنها وعدت برعايتهم، يشعر المسؤولون الأتراك بالقلق من زيادة أعداد النازحين السوريين إلى تركيا. ويزداد انتقاد رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، الذي يعد من أصدقاء الرئيس الأسد، فالأسبوع الماضي وصف أردوغان النهج الذي يتبعه ماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار الأسد، الذي يقال إنه أصدر أوامر للقوات باستعادة بلدة جسر الشغور، بالـ«وحشي وغير الإنساني» وهو ما أثار حفيظة المسؤولين السوريين. ويمكن لهذه الانتقادات أن تثير المزيد من التداعيات.

ويعتمد النظام حتى هذه اللحظة في بقائه على دعم الجيش وأجهزة الاستخبارات وطبقة كبار رجال الأعمال والأقلية الدينية وبالتحديد المسيحيون والعلويون. ويقول مسؤولون أتراك وأميركيون إنه بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد بدأ بعض رجال الأعمال ينقلبون ضد الدولة.

على الجانب الآخر، يقال إن خوف الأقليات بدأ يزداد من النظام الذي وعدهم بالاستقرار، لكنه في الواقع يواجه أزمة ممتدة. ويواجه العلويون انتقادات لا تقل في حدتها عن الانتقادات الموجهة لنظام الأسد في بلدة جسر الشغور ذات الأغلبية السنية والتي كانت معقل «الإخوان المسلمين» يوما ما والتي تعرف بمعارضتها لعائلة الأسد.

وقال حمزة، وهو عامل أجير يبلغ من العمر 28 عاما، رفض الكشف عن اسمه بالكامل مثل كثيرين إن بعض الجيران من قرية اشتبرق انضموا إلى القوات شبه العسكرية هناك. واتهم آخر النظام بتسليح سكان البلدة العلويين وهي تهمة ليست بجديدة. يقول ساكن آخر: «أهل جسر الشغور يعرفون بعضهم البعض ويعرفون سكان القرى التي حولهم ونعرف أن هؤلاء علويون من اشتبرق». وحذر نشطاء في مجال حقوق الإنسان من مشاعر الغضب. وقال وسيم طريف، رئيس منظمة «إنسان» لحقوق الإنسان: «إذا لم تكن هناك إرادة سياسية من جانب المعارضة لتحويل الصراع إلى حرب أهلية، كيف يمكن للطين أن يزداد بلة؟ لا أعتقد أن الصراع سيتحول إلى حرب أهلية».

لكن كان الرجل، الذي تلقى الرسالة النصية يوم الاثنين من صديق ينتمي إلى طائفة العلويين ويبلغ من العمر 25 عاما، أكثر تشاؤما، حيث قال بنبرة توحي بالاستسلام إلى حتمية الأمر: «لا نريد أي صراع بيننا. لكن النظام يدفعنا نحو كره العلويين».

* خدمة «نيويورك تايمز»