اكتشاف أمر «المدونة السورية أمينة عبد الله» يصبح لعبة في يد النظام

اختلقها طالب أميركي.. ونشطاء حقوق الإنسان طالبوا بإطلاق سراح الشخصية الخيالية

TT

لعب أصحاب المدونات (بلوغر) دورا مهما في الأحداث السياسية الساخنة التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا إيران والعالم العربي. ومن هنا جاءت أهمية قصة المدونة السورية أمينة عبد الله، التي تناولتها وسائل الإعلام وتبنتها بعض الحكومات الغربية ونشطاء حقوق الإنسان، والتي تبين مؤخرا أنها قصة مختلقة من أولها إلى آخرها.

أصبح المدونون يمثلون حلقة وصل بين ما يجري من أحداث في بلادهم وبين العالم الخارجي عندما تصعب المهمة على الإعلام، خصوصا الغربي منه، في الوصول إلى مسرح الأحداث لأسباب أحيانا لوجيستية وأحيانا أمنية يفرضها النظام القائم في البلد المقصود. ومن هنا يصبح عمل أصحاب المدونات كشهود عيان في الميدان على ما يجري من أحداث تشرح الصراع كما يجري على الأرض، وتصبح مادتهم نقطة تواصل مهمة تتلقفها وسائل الإعلام الغربية لتسلط الضوء على مجريات التغييرات السياسية.

ومن أبرز أصحاب المدونات كان العراقي سلام باكس، الذي رصد الحياة في بغداد يوما بيوم خلال القصف الجوي للعاصمة العراقية واحتلالها من قبل قوات التحالف. سلام باكس ومن خلال تسليطه الضوء على ما يجري من أحداث لم يصبح فقط أحد النجوم الإعلاميين في تلك الفترة وأحد الشهود المهمين على ما يجري في بغداد وإنما أصبح مصدرا مهما بمصداقية حافظ عليها خلال تلك الفترة. وبسبب هذه المصداقية أصبحت مدونته مصدرا مهما وشبه يومي لنشرة «نيوز نايت»، أهم نشرة إخبارية تحليلية لهيئة البث البريطاني «بي بي سي».

سلام باكس ظل مجهول الهوية لفترة طويلة، لكنه كان معروفا لدى «بي بي سي». وبعد استقرار الأحداث نوعا ما تعرف الجمهور على هوية المدون العراقي في برنامج تسجيلي أخرجته الـ«بي بي سي». حتى إظهار هويته إلى العلانية كان خبرا في حد ذاته تناولته وسائل الإعلام البريطانية.

وقبل أسبوع طلعت علينا مدونة سورية تناولت وسائل الإعلام البريطاني والأميركي ما تسرده من وصف يومي لما يجري من أحداث داخل سوريا. وكانت قد قدمت نفسها لجمهورها من خلال مدونتها على أنها «فتاة سحاقية» تكتب تحت اسم أمينة عبد الله العمري (35 عاما)، منذ فبراير (شباط) الماضي، وأصبح عندها الكثير من المتابعين لما تكتبه. موقعها تضمن صورة لها. لكن قبل أسبوع كتبت «ابنة عمها» على الإنترنت تقول إن أمينة اختفت بعد أن تعرف على هويتها الحقيقية مجموعة من رجال المخابرات السورية الذين قاموا باختطافها. اختفاؤها أثار ضجة عالمية وحملة لإطلاق سراحها.

كما قام بعض نشطاء منظمات حقوق الإنسان بداخل سوريا، على الرغم من الخطورة الشخصية بتبني حالة أمينة وبدأوا باتصالاتهم، كما صرح بعضهم لوسائل الإعلام البريطانية، لمعرفة ما جرى لها.

وقال الناشط سامي حموي إنه بدأ مع أصدقاء آخرين باتصالاتهم لمعرفة مصير أمينة عبد الله بعد أن قرأوا أنها اختطفت من قبل رجال المخابرات «لقد عرضت نفسي لمخاطر بسبب اتصالاتي لمعرفة مصير هذه الشخصية الخيالية. عار عليك». قال مخاطبا الطالب الأميركي توم ماكماستر (40 عاما)، الذي يدرس للحصول على درجة الدكتوراة في جامعة أدنبرة في اسكوتلندا، والذي بدأ المدونة متقمصا شخصية خيالية لفتاة سورية.

الطالب الأميركي توم ماكماستر اعترف أول من أمس بأنه لا توجد هناك فتاة سورية بهذا الاسم، واعتذر من دون تردد أو تحفظ في مقابلة مع «بي بي سي» على ما قام به، وعلى ما سببه من خطورة للنشطاء السوريين الذين تعرضت حياتهم للخطر بسبب ما قام به. وقال إن ما كتبه يعكس حقيقة حياة الناس داخل سوريا.

وقال على المدونة التي سماها «خدمة»: «لقد خيبت ظن الكثير من الناس، ولعبت بمشاعر وعواطف الكثيرين. كما أنني صرفت نظر الناس عن قضية مهمة جدا وهو ما يواجهونه حقيقة» في بلد مثل سوريا. وقال دانيال نصار الذي يعيش في دمشق في مقابلة على الإنترنت مع صحيفة «الإندبندنت» البريطانية اليومية، إن حياته وحياة أصدقائه ممن يحملون نفس الآراء أصبحت في خطر منذ محاولاتهم لمعرفة مصير أمينة عبد الله. وأضاف «لكننا صعقنا عندما عرفنا أن شخصية المدونة كانت مختلقة. لقد لطخت سمعتنا وخلقت أجواء سلبية للنشطاء العاملين في هذا المضمار».

وأضاف نصار أن التلفزيون السوري وجد ضالته عندما فضحت القصة وتبين أنها مختلقة. وتقوم القناة بنشر حيثيات القصة طيلة تغطيتها اليومية.

وفي هذه القصة قد تجد ريم حداد، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الإعلام السورية، ضالتها أيضا، كونها قادرة على تفنيد أي قصة تسأل عنها من قبل الصحافة الغربية التي شبهتها بمحمد سعيد الصحاف، وزير الإعلام العراقي في حكومة صدام حسين، والذي كان يفند القصص بمنطق أصبح من الصعب على وسائل الإعلام أن تأخذه على محمل الجد. وأصبح بذلك مادة ترفيهية خلال الحرب في العراق.

وحاليا تقوم ريم حداد بدور شبيه بدور الصحاف، الذي في نهاية المطاف بدأ بنفسه يرى الجانب الهزلي لما يقوم به وكنت تراه يدلي بآرائه ويضحك أمام وسائل الإعلام لأنه أدرك أن الأمر أصبح مفضوحا وأن أكاذيبه لا يصدقها أحد.

أما ريم حداد فتجدها تدلي بتصريحات بكامل الجدية. ونفت مثلا في مقابلة مع إذاعة «بي بي سي» الرابعة أن يكون هناك أي مظاهرات في سوريا، وأن كل هذه مجرد أخبار تتداولها الصحافة الغربية المعادية. وقالت لجون هامفريز في «نشرة اليوم» عندما سألها عن تحركات الجيش السوري ضد المتظاهرين «هل رأيت المظاهرات بنفسك؟» كما أنها شرحت قضية اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا قائلة إنهم يقومون بزيارات لأهاليهم على الطرف الثاني من الحدود.

لكن الجانب الجدي في قضية أمينة عبد الله هو أنها تمد ريم حداد بذخيرة لتقول إن هذه القصة هي من اختلاق الصحافة الغربية مثلها مثل القصص الأخرى التي «تضخم ما يجري في سوريا من أحداث».

الجانب الآخر من هذه القضية هو أن الطالب الأميركي توم ماكماستر اقترف خطأ فادحا آخر لا يغفر عليه وهو أنه استخدم صورة لفتاة من أوروبا الشرقية لا تمت أبدا لما كانت الشخصية الخيالية المختلقة تقوم به. وفي مقابلة مع صحيفة «الغارديان» اعتذر عن استخدامه صورة لجلينا ليتشيك التي تعيش في لندن.

وقالت ليتشيك في مقابلة مع نشرة «نيوز نايت» لهيئة «بي بي سي»: «لا أعرف أسباب استعماله صورتي مع المدونة مدعيا أنني أمينة عبد الله. من أعطاه هذا الحق؟ لقد تألمت كثيرا لذلك وتعرف الكثير من الأصدقاء على صورتي وهكذا عرفت بالموضوع. إنه أمر مقلق جدا. لقد أساء بعمله هذا إلى قضية جوهرية».