وزير الخارجية التركي: توقعنا الاضطرابات في العالم العربي منذ 10 سنوات

أوغلو قال في حوار تنشره «الشرق الأوسط»: أردوغان دعا الأسد صراحة للإصلاح لكن الآن المساحة ضيقة لحدوث ذلك

وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو (رويترز)
TT

أجرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية حوارا مع وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، 52 عاما، عن حملته الانتخابية خلال الانتخابات التشريعية التي جرت في تركيا الأحد الماضي وانتهت بفوز الحزب الحاكم في البلاد (العدالة والتنمية) بزعامة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وتحدث الوزير عن مساعي بلاده للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وكذلك تأثير أنقرة على العالم العربي وما يشهده حاليا في ثورات وانتفاضات. ودعا أوغلو إلى إجراء تغيير سياسي شرط أن يكون سلميا في سوريا، كاشفا عن أن أردوغان كان قد تحدث صراحة في يناير (كانون الثاني) الماضي مع الرئيس السوري بشار الأسد لإجراء إصلاحات، إلا أنه استدرك قائلا بأن «المساحة طفيفة» لحصول ذلك الآن.

* سيادة الوزير، معروف أن تركيا سعت منذ أكثر من 20 عاما للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، ولكن دون جدوى، لماذا تريد تركيا أن تصبح جزءا من أوروبا بعد كل هذا؟

- أستطيع أن أقدم لك 3 أسباب لسعينا للانضمام للاتحاد الأوروبي؛ أولها أن تركيا كانت جزءا من الدبلوماسية الأوروبية لقرون كثيرة، فنحن لسنا الصين. وثانيها أن أوروبا تحتاج إلى تركيا لأسباب استراتيجية، تتمثل في تحول الاتحاد الأوروبي الذي سيصبح قوة لا يستهان بها إذا ما انضمت إليه تركيا. أما ثالث هذه الأسباب أننا نتقاسم قيما سياسية مركزية ترتكز على المعايير التي تم تبنيها في كوبنهاغن. فتركيا عضو مهم في عائلة الديمقراطية.

* لقد ألقينا نظرة على قسم السياسة الخارجية في حملتك الانتخابية، ولم تظهر كلمة أوروبا إلا متأخرة للغاية.

- حسنا، في بعض الأحيان تأتي الأقسام الأكثر أهمية في نهاية الكتاب. لكن هذا لا علاقة له بعملية التفضيل، ولكن تبقى أوروبا دائما هدفنا الأسمى.

* على الرغم من هذا فإن أقل من 50 في المائة من الأتراك يؤيدون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الآن في حين أن نسبة المؤيدين عام 2004 كانت 75 في المائة.

- علينا أن نفرق بين ما إذا كان الناس تريد انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي وبين ما إذا كانوا يؤمنون أن هذا سيحدث. وقد أجاب 30 في المائة فقط بالإيجاب على السؤال الثاني. وهو ما ينم عن فقد الأتراك الثقة في إمكانية حدوث ذلك. ونحن نشبه في هذا الشأن كل شعوب جنوب أوروبا في عاطفيتهم الشديدة. فيكون هذا هو رد فعلنا عندما نشعر أن أحدهم لا يرغب بنا.

* رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أيضا رجل عاطفي جدا حيث أخبر «دير شبيغل» أن أوروبا تحتاج إلى وجود تركيا أكثر مما تحتاج تركيا إلى أوروبا.

- ليس هذا تصريحا عاطفيا ولكنه عقلاني جدا. فكر فقط في أمن الطاقة. هل نحن بحاجة إلى أوروبا لتلبية احتياجاتنا من الطاقة؟ بالطبع لا، فنحن نحتاج إلى العراق وإيران وروسيا. بيد أنه في المقابل يعتمد الأوروبيون على الممر التركي للحصول على النفط والغاز. في الواقع إننا نحتاج إلى بعضنا البعض. وهذا هو السبيل الوحيد للتفوق على قوى مثل الصين والهند. علينا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال: أين يقع مستقبل أوروبا؟

* حاليا، يسأل الكثير نفسه أين يقع مستقبل الشرق الأوسط. هل كنت تتوقع الاضطراب في العالم العربي؟

- نعم، بلا شك. كنت قد كتبت في كتبي منذ عشر سنوات أن هناك حالتي قصور تاريخي في العالم العربي، أولها استعمار القرن العشرين الذي أدى إلى تقسيم المجتمعات العربية، وثانيها الحرب الباردة التي ساهمت في تأسيس نظم استبدادية في المنطقة. فلم يحدث تحول في العالم العربي كما حدث في الاتحاد السوفياتي في التسعينات من القرن الماضي. ولكن حدث التغيير الآن.

* وما هو موقف تركيا من هذا التغيير؟

- وضعنا قاعدتين: الأولى؛ أن الحرب الباردة انتهت وإلى الأبد، وأن هذا هو وقت التغيير. والثانية؛ أن التحول يجب أن يحدث بصورة سلمية. وهذا ما ينطبق على جميع الدول في الشرق الأوسط.

* لماذا إذن كان أردوغان رئيس الوزراء من أوائل الذين دعوا إلى تنحي الرئيس حسني مبارك، بينما أخذ وقتا أطول مع (القائد الليبي) معمر القذافي؟

- لأنه رأى أن الجيش المصري يتصرف بحيادية. ولكن الوضع مختلف في ليبيا. علينا أن نبحث عن حل فالدولة منقسمة على نفسها ورأينا أنه لا يوجد جيش لحماية الشعب. أدركنا أنه سيكون هناك حمام دم لذا حاولنا أن نبقي قنوات الاتصال مفتوحة لكلا الجانبين.

* أليس هذا في الأغلب من أجل المال؟ فرغم كل شيء هناك عقود إنشاء للشركات التركية في ليبيا تقدر بالمليارات..

- لا، أنت مخطئ تماما. لدينا مخاوف إنسانية لما يحدث في ليبيا. قمنا بترحيل ما يزيد على 10.000 شخص من 63 دولة في الأيام الأولى للأزمة الليبية. فإذا كنت تتحدث عن مصالح اقتصادية – فلن أذكر أية أسماء ولكن عليك أن تسأل نفسك ما هي العواصم التي زارها القذافي. ومن الذي قام بتقبيل يديه؟

* رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني.

- لا تعليق.

* وأين هو انتقادكم للرئيس السوري بشار الأسد؟ لماذا لم تطالبوا بتنحيه؟

- نعتقد أن سوريا هي أهم دولة في عملية السلام في الشرق الأوسط. لها حدود مع العراق وإسرائيل ولبنان والأردن وتركيا. كما أن سوريا على عكس ليبيا أو تونس تجتمع بها ديانات متعددة. وعلى الرغم من ذلك فإن معاييرنا تنطبق هناك: فلا بد من حدوث تغيير سياسي هناك، ويجب أن يحدث بصورة سلمية.

* ولكن كيف سيحدث هذا بصورة سلمية بينما تم قتل الآلاف حتى الآن؟

- كان من الممكن أن تصبح عملية الإصلاح أكثر سهولة إذا ما بدأت في يناير (كانون الثاني) الماضي عندما ذهب رئيس الوزراء أردوغان إلى دمشق وتحدث صراحة إلى الأسد. في الوقت الحالي، فإن هناك مساحة طفيفة لحدوث ذلك. وعلى الرغم من هذا سنستمر في التحدث مع أصدقائنا السوريين. فلن يكون هناك سياسة استبدادية معنا.

* تحاول حكومتكم منذ فترة العمل على استقرار النزاع في الشرق الأوسط. ماذا حققتم بالضبط قبل بداية «الربيع العربي»؟

- استطعنا تحقيق الكثير، ففي أوج النزاع الطائفي في العراق، أقنعنا الأحزاب السنية أن تشارك في العملية الديمقراطية. وفي عام 2008، انتهجنا نهجا معتدلا بين الفصائل اللبنانية ثم بين فتح وحماس وكذلك عام 2009 أثناء النزاع بين سوريا والعراق.

* ولماذا فشلت هذه المحادثات؟

- بنهاية عام 2008 زار رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت نظيره أردوغان في مقره بأنقرة. ومكث هناك 6 ساعات بعد ذلك أجرى محادثة هاتفية مع أولمرت والأسد. وبعد فترة قصيرة، كنا مستعدين لبدء المحادثات المباشرة. اتصلت حينئذ بالسوريين وقدمت لهم عرضا. وأجابوا: أنهم سيوافقون عليه إذا ما وافق الإسرائيليون عليه. وحاولنا التحدث إلى أولمرت في صباح اليوم التالي. ولكن اتضح حينئذ أن إسرائيل هاجمت قطاع غزة. ثم تغير كل شيء بعد ذلك.

* هل تعتقد أن الكثير من الأتراك يرون في فوز رئيس الوزراء (أردوغان) مجددا تهديدا؟

- رئيس الوزراء لديه دائما وضع قوي في الديمقراطيات البرلمانية. ولكني عملت في حكومة أردوغان لفترة طويلة كمستشار لوزير الخارجية ثم كوزير خارجية بعد ذلك، ويمكنني أن أؤكد لك أن رئيس الوزراء يستمع إلى النصائح الموجهة له.

* ولكن هناك مخاوف من تقوض تقاسم السلطة في بلادكم في ظل حكم حزب العدالة والتنمية – كما أن هناك مخاوف من أن يصبح أردوغان بوتين تركيا..

- لا. كل دولة لها تقاليدها الخاصة. فالديمقراطية تضرب بجذورها في تركيا. ولن تكون هناك سياسة استبدادية بها على الإطلاق.

* خدمة «نيويورك تايمز»