وضع فريق «8 آذار» نفسه أمام الامتحان الأصعب، وربما الأدق في تاريخه، من خلال حكومة اللون الواحد التي ولدت أول من أمس، والتي وصفها معارضوها بـ«حكومة المواجهة» بالنظر إلى الملفات الصعبة الداخلية والاستحقاقات الخارجية التي تواجهها في ظل المتغيرات التي تعصف بالمنطقة، لا سيما في سوريا، الجارة الأقرب للبنان وذات النفوذ الواسع والتأثير المطلق في قرارات هذه الحكومة.
من المتوقع أن تكون هذه الحكومة منسجمة ومتضامنة في ما بينها تجاه الاستحقاقات الخارجية، سواء لجهة موقفها الرافض مسبقا للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان وكل القرارات والمذكرات والطلبات التي ستصدر عنها، انسجاما مع موقف سوريا وحزب الله المعادي لهذه المحكمة، التي كانت السبب المباشر، وربما الوحيد، لإسقاط حكومة سعد الحريري، أو لجهة القرارات الدولية الأخرى ومنها القرار 1701، الذي يقول عنه بعض أطراف هذه الحكومة إنه فرض على لبنان بالقوة خلال حرب يوليو (تموز) 2006.
أما القضايا الداخلية فيبدو أن كل ملف مرشح ليكون أزمة في حد ذاته، ولا شك أن الحكومة ستخضع لاختبار مدى قدرتها على انتشال اللبنانيين من الوضع الاقتصادي الذي تدهور منذ استقالة الحكومة السابقة. ومعالجة العجز المالي وسداد الدين العام وخدمته وإعادة المشاريع الاستثمارية ورؤوس الأموال التي غادرت الأسواق اللبنانية منذ بدء الأزمة الأخيرة، والوفاء بتعهداتها للناس بزيادة النمو وفرص العمل وزيادة الرواتب والأجور وغيرها من المواضيع الشائكة. ولكن قبل أن تلتفت الحكومة إلى معالجة هذه القضايا هي مرشحة لتدخل في مواجهة مفتوحة بين مكوناتها، بحيث يسعى كل حزب أو طرف ممثل في الحكومة إلى تثبيت موقعه ونفوذه سواء داخل الوزارات والإدارات العامة أو داخل المؤسسات المالية والاقتصادية أو في المؤسسات الأمنية والعسكرية. وليس سرا أن كل طرف لديه أجندته الخاصة، ويرى أن هذا التوقيت مناسب جدا لتنفيذها. فالجميع يدرك أن فريق النائب ميشال عون هو الأكبر داخل الحكومة، وقد دخلها بخلفية شعاره الأزلي «محاربة الفساد»، وفي رأي هذا الفريق الوزاري لا يتحقق الإصلاح ولا يحارب الفساد إلا بإزالة «كل موظف محسوب على فريق (14 آذار)، وتحديدا على تيار المستقبل، مهما علا شأنه»، وهذا ما سبق وجاهر به عون أكثر من مرة بحجة «تطهير الدولة من هذه الفئة». وليس أدل على ذلك من المعركة التي فتحها وفريقه منذ أكثر من سنة على المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، وفرع المعلومات ورئيسه العقيد وسام الحسن والنائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، وتحديدا منذ توقيف القيادي في تياره العميد المتقاعد فايز كرم بتهمة التعامل مع إسرائيل، التي اشتدت منذ أسابيع قليلة وتوسعت لتطال المدير العام للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات، المهندس عبد المنعم يوسف، على خلفية منع وزير الاتصالات السابق، شربل نحاس، من تفكيك شبكة للهاتف الجوال والتصرف فيها خلافا لقرار مجلس الوزراء.
وبالتالي سيكون تغيير ريفي والحسن وميرزا ويوسف وحل فرع المعلومات في رأس أولويات التيار «الوطني الحر» ووزرائه وفاتحة خطته للمرحلة الجديدة. ومن الواضح أيضا أن أجندة الجنرال وفريقه الوزاري مفتوحة على طموحات كبيرة، فهذا الفريق المؤلف من 11 وزيرا في حكومة ثلاثينية يرى أنه صاحب الحق في نيل حصة الأسد من التعيينات الإدارية والقضائية والأمنية، وطموحه يتمدد نحو المؤسسات المالية وتحديدا حاكمية مصرف لبنان، بعدما أعلن عون مؤخرا أنه يتحفظ على التجديد لحاكم المصرف المركزي الحالي، رياض سلامة، ويرى ضرورة البحث في اختيار شخصية أخرى مكانه. ولا يخفي رغبته في تعيين شخصية محسوبة عليه، كما يسعى إلى استعادة منصب المدير العام للأمن العام إلى الطائفة المارونية (الشاغر حاليا) بعد أن كسر الرئيس السابق، إميل لحود، هذا العرف في عام 2008 وعين اللواء جميل السيد، الشيعي المقرب جدا منه، في هذا المنصب، ولا يزال حتى تاريخه من نصيب الطائفة الشيعية، وإذا ما أقنع حلفاءه، وتحديدا حزب الله، بهذا التعديل، فسيجد أنه صاحب الحق المطلق في اختيار من يراه مناسبا لهذه المواقع التي ربما تكون مدنية.
غير أن الطموح العوني دونه الكثير من العقبات، فعلى صعيد السعي إلى تغيير ريفي وميرزا يبدو هذا الأمر أقرب إلى المستحيلات بالنسبة إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، باعتبار أنه هو من عينهما في منصبيهما في حكومته الأولى في عام 2005، وهذا المستحيل يسري أيضا على العقيد وسام الحسن وعبد المنعم يوسف انطلاقا من حساسيتين هامتين عند رئيس الحكومة: الأولى أن الشخصيات الـ4 الموضوعة تحت المجهر العوني ينتمون إلى الطائفة السنية؛ أي من طائفته، والثانية أن ريفي أشرف ريفي ووسام الحسن وعبد المنعم يوسف من منطقته (شمال لبنان)، والمس بأي منهم يشكل إحراجا كبيرا له، ولو تضامنت كل الحكومة مع عون في هذا المجال فلن تغير شيئا ما لم يوافق ميقاتي على الأمر، لأن هذا القرار يحتاج إلى توقيعه.
أما على صعيد حاكم مصرف لبنان، فإن القوى الأخرى في الحكومة، ومنهم رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة، يضعون أي طرح لاستبدال رياض سلامة في دائرة المحرمات، نظرا للإنجازات التي حققها سلامة على مدى أكثر من عقد ونصف العقد من تثبيت لسعر صرف العملة اللبنانية، وزيادة الودائع في المصارف وتجنيب السوق المالية في لبنان تداعيات الأزمة المالية العالمية وبقائها بمنأى عنها. وبشأن التفكير في استبدال طائفة المدير العام للأمن العام فإن الطريق لن يكون معبدا أمام عون، ومن المؤكد أن طرحه هذا سيواجه بموقف حاسم ورافض من الفريق الشيعي داخل الحكومة، الذي قد يلجأ عندها إلى طرح خيارات بديلة كان لمح إليها في السابق وهو المداورة في قيادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، بدءا من مركز قائد الجيش الذي هو من نصيب الموارنة منذ أن نال لبنان استقلاله في عام 1946 وحتى تاريخه.
أمام هذه الوقائع فإن حكومة ميقاتي الجديدة لن تكون أمام نزهة وإن كانت مؤلفة من فريق واحد، وهذا معناه أنها ستكون أمام امتحان الخيارات المرة التي قد تصل إلى تفجيرها من الداخل.
في هذا الوقت أشار مندوب لبنان السابق لدى الأمم المتحدة، السفير خليل مكاوي، إلى أن الحكومة الجديدة معنية على الصعيد الخارجي بموضوعين أساسيين هما القرار 1701 والمحكمة الدولية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعتقد أن هناك مشكلة في موضوع القرار 1701، باعتبار أنه عند صدور هذا القرار كان يحظى بموافقة جميع الأطراف في لبنان، أما المحكمة الدولية فلا شك أن ثمة إشكالات داخلية حولها، واللافت أن رئيس الحكومة (نجيب ميقاتي) تعهد في تصريح له بعد تشكيلها بتنفيذ كل القرارات الدولية بما فيها المحكمة الدولية، شرط أن لا يؤثر ذلك على الاستقرار في لبنان»، داعيا إلى «إعطاء هذه الحكومة فرصة لنرى كيف ستواجه القضايا الداخلية والخارجية»، وردا على سؤال حول كيف يمكن لحزب الله أن يقبل بالمحكمة الدولية التي كانت سببا لإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، لفت مكاوي إلى أن «هناك متغيرات تحصل في المنطقة وفي سوريا، وكل الحراك الدائر من حولنا سيؤثر على الوضع الداخلي، لا سيما أنه بعد إسقاط حكومة الرئيس الحريري لم تعد المحكمة الدولية بأهمية المتغيرات التي يشهدها العالم العربي، لا سيما سوريا، وانطلاقا من هذه المتغيرات علينا أن ننتظر ونراقب كيف ستتعاطى الحكومة مع المحكمة ومع نتائج القرار الاتهامي المرتقب». وعن ماهية القرار الذي ستتخذه الحكومة الجديدة من خلال مندوب لبنان في مجلس الأمن من مشروع القرار الذي تعده 4 دول ضد سوريا، قال مكاوي: «كل ما يستطيع لبنان فعله في هذا الموضوع هو الامتناع عن التصويت، وهو المخرج الوحيد الذي لا يحرجه مع سوريا ولا مع المجتمع الدولي، أما إذا استعملت الصين أو روسيا حق النقض (الفيتو) فلا يعود لموقف لبنان أي تأثير لا سلبي ولا إيجابي».