فجأة تحول خضير الخزاعي النائب الثالث لرئيس الجمهورية في العراق من شاغل منصب زائد ومختلف عليه وغير مرغوب فيه من قبل جميع القوى والكتل السياسية في العراق، إلى الشخص الأول من حيث امتلاكه أخطر صلاحية وهي المصادقة على أحكام الإعدام، هذه القضية التي أثارت منذ عام 2003 بعد احتلال العراق وحتى اليوم جدلا واسعا بين العراق كدولة تسعى لتثبيت أركان نظام ديمقراطي وتطبق عقوبة الإعدام من جهة، وبين منظمات حقوق الإنسان وجهات دولية عديدة أخرى ترفض تطبيق هذه العقوبة وتدعو إلى إلغائها من جهة أخرى.
ومع أن القانون العراقي المعمول به حتى قبل نظام صدام حسين كان يقر تطبيق هذه العقوبة، إلا أن الاستخدام المفرط لها من قبل صدام حسين سواء لمعارضيه السياسيين أو حتى لقضايا تبدو في غاية البساطة مثل رواية «نكتة سياسية» عنه أو عن نظامه، ولد رد فعل قويا لدى النظام الجديد الذي سعت الولايات المتحدة الأميركية إلى نشره في العراق بعد عام 2003 ويتمثل أول عناصره في إلغاء عقوبة الإعدام. ومما ساعد على ذلك، أن الرئيس العراقي جلال طالباني، الذي تولى منصبه كرئيس انتقالي للعراق عام 2005 ورئيس منتخب عقب انتخابات عام 2005 لدورة رئاسية كاملة من أربع سنوات كما أعيد انتخابه عام 2010 بعد الانتخابات النيابية التي جرت العام الماضي، ضد تطبيق عقوبة الإعدام بوصفه محاميا دوليا كان قد وقع على وثيقة بهذا الخصوص، فهذه القضية كانت ولا تزال مثار نقاش محتدم بين كل الفرقاء السياسيين. بل حتى إن طالباني، الذي كان قد حكم عليه بالإعدام في عهد صدام حسين حين أصدر الرئيس السابق قرار عفو عن كل معارضيه الأكراد باستثناء جلال طالباني الذي كان يحلو لصدام تسميته بـ«الخائن والعميل»، رفض (طالباني) التوقيع على إعدام صدام حسين وتولى أمر التنفيذ رئيس الوزراء نوري المالكي وهو أمر لا يزال مثار جدل بين أوساط سياسية عديدة.
وفي الدورة الرئاسية الماضية التي كانت تضم الرئيس جلال طالباني ونائبيه عادل عبد المهدي وطارق الهاشمي لم يكن الرئيس طالباني بحاجة إلى تخويل أحد من نوابه للمصادقة على أحكام الإعدام لأن نائبي الرئيس كانا يملكان سلطة واحدة وهي حق النقض (الفيتو) لأي قانون أو قرار. وكثيرا ما كان يتولى طارق الهاشمي اتخاذ قرار «الفيتو» ضد العديد من القوانين والقرارات التي تحتاج مصادقة الرئاسة حتى لو حظي القانون بموافقة طالباني وعبد المهدي. وكان الحق الذي يستخدمه الهاشمي قد حال دون تنفيذ أحكام إعدام كثيرة بحق عدد من رموز النظام السابق. وبما أن الدستور العراقي ينص على أن يكون مجلس الرئاسة لدورة رئاسية واحدة، فإن، وبعد الانتخابات الأخيرة، هناك منصب رئيس جمهورية فقط ولا يتمتع بأية صلاحيات ما عدا المصادقة على أحكام الإعدام التي تكتسب الدرجة القطعية. وهذا يعني أن الرئيس لا يملك حق النقض لأي من القوانين والقرارات. وحين بدأت حكاية نواب الرئيس، فإن الأمر اقتضى حصول توافق وإصدار قانون لأن الدستور لا ينص على نواب للرئيس. وبسبب الإشكاليات السياسية وتوازن القوى داخل البرلمان، فقد بدأت حكاية نواب الرئيس بين أن يكونوا اثنين أو ثلاثة. وفي حال كانوا ثلاثة هل يكون النائب الثالث تركمانيا حسب الاستحقاق القومي، أو شيعيا حسب الاستحقاق المذهبي؟ أخيرا رست السفينة، وعبر ما عرف بالسلة الواحدة، على أن يكون النائب الثالث شيعيا وتحديدا خضير الخزاعي وزير التربية السابق الملاحق في قضايا يقال إنها «شبهات فساد» عندما كان وزيرا للتربية. في هذه الأثناء أصدر طالباني مرسوما جعل بموجبه عادل عبد المهدي النائب الأول للرئيس. غير أن عبد المهدي سرعان ما استقال بشكل مفاجئ من منصبه احتجاجا على قضايا كثيرة في العملية السياسية من أبرزها المناصب الزائدة ومنها منصب النائب الثالث للرئيس الذي شغله الخزاعي. الآن تغيرت قواعد اللعبة. فطالباني لا يوقع على أحكام الإعدام. والهاشمي حتى لو قبل التوقيع، فإن التحالف الوطني لا يثق به لأن أحكامه قد تكون انتقائية من وجهة نظرهم. لم يبق سوى خضير الخزاعي الذي تقدم الصفوف ليتحول من نائب زائد لرئيس الجمهورية يلاحقه إرثه في وزارة التربية غير السليم، مثلما يرى خصومه، إلى الرجل الأول في العراق الذي يملك أخطر صلاحية وهي صلاحية التوقيع على أحكام الإعدام في البلاد وهي كثيرة جدا. فطبقا لآخر الإحصاءات، فإن هناك نحو 1000 حكم بالإعدام تنتظر المصادقة. واستنادا إلى مصدر في رئاسة الجمهورية، فإنه تمت إحالة نحو 20 مرسوما بالإعدام إلى مكتب نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي للتوقيع عليها. مما يعني أن «عقدة» أحكام الإعدام قد حلت بعد جدل طوال السنوات التسع الماضية.