أوباما يخاطب القادة السودانيين: الحل ليس عسكريا.. وحان وقت اختيار السلام

الخرطوم ترفض «ترهيب وترغيب الرئيس الأميركي».. وتؤكد استمرارها في ملاحقة المتمردين

TT

شدد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على الأهمية التي توليها بلاده للأوضاع في السودان، وبخاصة المواجهات المسلحة في جنوب كردفان. وفي بيان مسجل وموجه للقيادة السودانية، قال أوباما، مساء أول من أمس، إن «الولايات المتحدة قلقة جدا من الأزمة المتطورة في السودان، بما في ذلك القتال في جنوب كردفان والاعتداءات على المدنيين الأبرياء»، مؤكدا عمل الولايات المتحدة مع «حلفائنا وشركائنا حول العالم لإنهاء العنف وحماية المدنيين الأبرياء». وكانت رسالة أوباما الرئيسية، التي نقلت عبر قنوات إذاعية، في السودان، أمس، تقول إنه «لا يوجد هناك حل عسكري»، بينما قال لـ«قادة السودان شمالا وجنوبا إن الوقت حان لاختيار السلام».

وشدد أوباما على أنه يجب على «قادة السودان وجنوب السودان تحمل مسؤولايتهم. على حكومة السودان منع تصعيد إضافي للأزمة من خلال وقف فوري لتحركاتها العسكرية، بما في ذلك القصف الجوي والتهجير القسري وحملات التخويف». وأضاف: «المفاوضات مستمرة وتقدم طريقا إلى السلام»، موضحا أنه يجب «على الطرفين الاتفاق على إنهاء العنف والسماح بحرية الحركة لعاملي الإغاثة والمساعدات الإنسانية لمساعدة المحتاجين، بالإضافة إلى الالتزام بالتعهدات بموجب اتفاق السلام الشامل وحل الخلافات بشكل سلمي».

وفي خطاب مباشر للقيادة السودانية، قال أوباما: «اليوم أريد التحدث مباشرة إلى القادة السودانيين: عليكم أن تعرفوا أنكم في حال التزمتم بتعهداتكم واخترتم السلام، فإن الولايات المتحدة ستتخذ الخطوات التي تعهدنا بها لتطبيع علاقاتنا». وبينما هذه الجزرة التي تستخدمها واشنطن لتشجيع القيادة السودانية على حل الأزمات السياسية، هناك أيضا جزرة الإجراءات ضد النظام السوداني في حال رفض ذلك. وحذر أوباما قائلا إن «الذين ينتهكون التعهدات الدولية سيواجهون المزيد من الضغوط والعزلة وسيحاسبون على تصرفاتهم».

وجاء الخطاب بعد يومين من إجراء وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، لقاءات مع قادة سودانيين في أديس أبابا، وحثها الطرفين على الالتزام باتفاق السلام الشامل وعدم استخدام القوة لحل الخلافات المترتبة على انفصال جنوب السودان في يوليو (تموز) المقبل. وحملت كلينتون أيضا رسالة واضحة حول التزام واشنطن بتطبيع العلاقات مع الخرطوم على المدى البعيد في حال تم الالتزام باتفاق السلام الشامل وحل المشكلات المتعلقة بأبيي وغيرها من مناطق متنازع عليها.

وحرص أوباما على دفع السودانيين إلى التفكير في المستقبل بدلا من الماضي، قائلا: «خلال الأسابيع الـ3 الماضية، وبعد عقود من الحروب الأهلية التي قتلت الملايين وشردت الملايين الآخرين، سيحصل جنوب السودان على استقلاله ويصبح الدولة الأحدث في العالم، وسيكون أمام شعبي شمال وجنوب السودان فرصة المضي قدما لتحقيق وعد السلام والازدهار»، وأضاف: «السودانيون تقدموا كثيرا وضحوا بالكثير ليروا تحقيق أحلامهم بمستقبل أفضل»، قائلا إنه يجب أن لا تفلت تلك الأحلام منهم الآن. وتابع: «حان الوقت للقيادة السودانية أن تظهر الشجاعة والرؤية التي تتطلبها القيادة الحقيقية. حان الوقت لقادة السودان، شمالا وجنوبا، أن يختاروا السلام».

إلى ذلك، رفضت الخرطوم تهديدات أوباما ودعوته للشمال والجنوب وقف التصعيد العسكري، وشددت الخرطوم على أن عملياتها الحربية في جنوب كردفان جاءت لوقف تمرد عسكري للحركة الشعبية في وقت عبرت فيه الأمم المتحدة عن قلقها من تزايد العنف ومنع وصول العون الإنساني العاجل لعشرات الآلاف من سكان الإقليم المضطرب. كما أكد الزعيم المتمرد عبد العزيز الحلو أنه سيواصل قتاله ضد الحكومة دون توقف حتى يتم التوصل إلى اتفاق سياسي حول علمنة الدولة والتحول الديمقراطي وحل قضايا كردفان والنيل الأزرق ودارفور.

ودخل الصراع في جنوب كردفان بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية في شمال البلاد منعطفا جديدا بعد أن أعلن الطرفان مواصلة القتال حتى آخر لحظة، وبينما رفض نائب رئيس الحركة الشعبية في شمال السودان، عبد العزيز آدم الحلو، وقف العداء والمواجهات مع الحكومة، قال لـ«الشرق الأوسط» لن نتوقف حتى يتم التوصل إلى اتفاق سياسي حول القضايا المصيرية، المتمثلة في علمنة الدولة، والتحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة في السودان، بالإضافة إلى قضايا جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور. ورأى الحلو أن «كل هذه القضايا مرهونة بتغيير نظام الرئيس عمر البشير»، وأضاف «أن الجيش الشعبي لتحرير السودان سيستمر في الدفاع عن نفسه وعن المدنيين ضد الغدر والعدوان السافر والاعتداء الغاشم حتى يتم تفكيك النظام الحاكم في الخرطوم والقضاء على الشمولية في البلاد»، وحمل الزعيم المتمرد الحكومة مسؤولية تدهور الأوضاع في الإقليم وفي السودان وفصل الجنوب بسبب ما سماه سياسات «الهيمنة الثقافية وممارسة الاستبداد والإقصاء».

وفي سياق ذي صلة، أكد أمين الإعلام في المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، إبراهيم غندور، أن الجيش سيواصل قتاله دفاعا عن النفس وحماية للمدنيين، وقال: «إن ما قامت به الحركة الشعبية بقيادة الحلو، من جرم في حق الوطن والمواطنين في الولاية بقتل وتشريد الأسر والأبرياء في استهداف مباشر، يحتم أن يتم التعامل مع هذه المجموعة بما يليق من ردع قانوني، وبالتالي فهذا لا يسمى تصعيدا». واستبعد غندور «الدخول في تفاوض مع من يحمل السلاح في جنوب كردفان ممن بقي من الجيش الشعبي، باعتبار أن الأمر حسمه اتفاق السلام الشامل»، وقال: «إن وجود أي قوات غير القوات المسلحة بعد التاسع من يوليو (تموز) المقبل غير قانوني وغير شرعي». ونفى غندور بشدة وقوع أي جرائم حرب أو ضد الإنسانية. ومن جهته، رفض الناطق الرسمي باسم الخارجية السودانية، العبيد أحمد مروح، تهديدات الرئيس الأميركي، باراك أوباما. وكان أوباما قد دعا الأطراف المتنازعة في السودان إلى إنهاء العنف الدموي الذي يهدد اتفاق السلام، في الوقت الذي يستعد جنوب السودان إلى إعلان استقلاله خلال 3 أسابيع. وقال أوباما في رسالة صوتية بثتها «إذاعة صوت أميركا العامة» إنه «لا يوجد حل عسكري» للوضع في السودان. وحث قادة السودان وجنوب السودان على أن «يتحملوا مسؤولياتهم»، كما شدد على ضرورة قيام حكومة الخرطوم بـ«منع حدوث مزيد من التصعيد لهذه الأزمة عن طريق وقف الأعمال العسكرية فورا، بما في ذلك القصف الجوي والتهجير القسري وحملات المضايقة في جنوب كردفان». ودعا أوباما الجانبين إلى «إنهاء العنف والسماح لعاملي الإغاثة بحرية نقل المواد الإنسانية، والوفاء بالتزاماتهما بموجب اتفاق السلام الشامل، الذي أبرم عام 2005 والذي أنهى 21 عاما من الحرب الأهلية، وحل خلافاتهما سلميا».