تزايد الجدل في المغرب حول مشروع الدستور الجديد

مواقف متباينة حول «إسلامية الدولة» واللغة الأمازيغية بعد تسريب وثيقة مزورة

TT

انتقد مسؤول في الحكومة المغربية تسريب مسودة زعم أنها مشروع الدستور الجديد، وهو الأمر الذي أثار جدلا واسعا في المغرب، وقال إن من فعلوا ذلك «أشخاص غير مسؤولين»، في حين رفض قيادي في حزب الاستقلال متزعم الائتلاف الحكومي الحالي بشدة مسألة دسترة الأمازيغية (البربرية).

وكانت مسودة، قيل إنها مشروع الدستور الجديد للمغرب، قد سربت كاملة إلى بعض الصحف المحلية، ونشرت في عدة مواقع إلكترونية. قد أثارت ردود فعل متباينة ونقاشات حادة طالت بصفة خاصة الفصول المتعلقة بهوية الدولة، ووضع اللهجات الأمازيغية في الدستور الجديد، كما أثار الفصل المتعلق بتركيبة المجلس الأعلى للقضاء (هيئة قضائية تقريرية عليا) اعتراضا شديدا من طرف القضاة.

ولم يتوصل أي طرف حزبي، بشكل رسمي، بمسودة الدستور التي سلمت لجنة صياغته برئاسة عبد اللطيف المنوني، نسخة منها إلى الملك محمد السادس يوم الجمعة الماضي، على أن تعرض على استفتاء في بداية يوليو (تموز) المقبل.

وقال خالد الناصري، وزير الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن تسريب المسودة المفترضة للدستور يثير إشكالا أخلاقيا واعتبر أن الأمر «ضحك على ذقون المغاربة» عبر ترويج ما وصفها بـ«بضاعة ملوثة ودستور مزور»، واستغرب إثارة أشخاص لجدل حول وثيقة لا تتوفر لهم. وأضاف الناصري ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» خلال لقاء صحافي عقده بالرباط عقب اجتماع للحكومة، حول الجدل الواسع الذي أثارته مسودة الدستور المسربة، وما إذا كان تسليم مسودة الدستور للملك محمد السادس يعني أنها لم تعد قابلة للنقاش والتعديل، أن هذا التسريب «يثير الاستهجان»، بيد أن المواطن المغربي «لا تنطلي عليه حيلة متخلفة من هذا النوع»، على حد تعبيره.

وأوضح الناصري أن «لجنة صياغة الدستور قامت بعملها بمستوى عال من الجدية، حيث استمعت إلى عشرات الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، وتمكنت من إبداء رأيها حول مشروع الدستور بوضوح وعمق كل حسب منطلقاته ومرجعياته»، مشيرا إلى أن مشروع الدستور وصل إلى مرحلته النهائية حيث تم تقديم مسودة منه إلى الملك، الذي طلب من لجنة التشاور، وتتبع مراجعة الدستور، التي يرأسها المستشار محمد المعتصم، إشراك الأحزاب السياسية والنقابات في النقاش، مما يدل على أن هناك حرصا على الأخذ بعين الاعتبار للآراء المتداولة داخل اللجنة. بيد أن الناصري قال إنه لا يمكنه الجزم حول ما إذا كانت لجنة المشاورة ستكتفي بالنقاش الذي تم بينها وبين الأحزاب والنقابات خلال اجتماعها الأخير، الذي استمعت خلاله إلى الخطوط العريضة لمسودة الدستور، أم أنها ستفتح نقاشا جديدا حول مضامينه مع الأحزاب والنقابات.

وكان حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض قد عبر عن موقف متشدد حول مسألة هوية الدولة المغربية في الدستور الجديد، وحذر من تداعيات المس بإسلامية الدولة، بعدما أشارت التسريبات إلى أنه تم حذف صيغة «المملكة المغربية دولة إسلامية» واستبدالها بصيغة «المغرب بلد مسلم»، كما أشيع أيضا أنه تم حذف الهوية العربية للدولة، والاكتفاء بالتنصيص على الهويتين الأمازيغية والإسلامية. وفي هذا السياق، قال أحمد الريسوني، عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية: «إذا صح ما نقل عن مشروع الدستور بخصوص حذف صيغة المملكة المغربية دولة إسلامية، واستبدالها بصيغة المغرب بلد مسلم»، فإنه سيعتبر إعلانا من قبل لجنة صياغة الدستور عن إلغاء الدولة القائمة على الإسلام منذ 14 قرنا وإيذانا بنشوء دولة جديدة من دون هوية، بل ذهب أبعد من ذلك بالقول إن «الدولة إن أقدمت على التنكر لإسلاميتها تكون اختارت التجرد من شرعيتها وبناء شرعية جديدة» حذف إسلامية الدولة، من وجهة نظره، يعتبر «بمثابة هجوم على الدولة نفسها وتجريدها من طابعها الذي بمقتضاه قامت واستمرت».

وقال عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إن «الاعتراف بديانات أخرى غير الإسلام في الدستور المقبل من شأنه إيقاظ الفتة في المغرب» وحذر من «تحول المغرب إلى لبنان جديد تتنازعه الطوائف والملل والنحل في حال تبني مفهوم للهوية في الدستور مناقض للمرجعية الإسلامية». كما رفض أن يضمن الدستور المقبل للمغاربة حرية اعتناق أديان أخرى، وقال إن من شأن ذلك أن «يفتح مصير البلاد على المجهول».

وفي سياق ذي صلة، أعلن حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي (معارضة غير ممثلة في البرلمان) أنه لن يتسلم مسودة الدستور، إذا تبين أنها غير قابلة للنقاش والتعديل.

وقال التهامي الخياري، الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية المعارض، لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يتوصل بعد بنسخة من مسودة الدستور، كما لم يتم إخباره بموعد اللقاء المقبل مع المستشار المعتصم، رئيس «لجنة التشاور وتتبع مراجعة الدستور».

وردا على سؤال حول موقف حزبه مما يروج بأن لجنة صياغة الدستور اكتفت بالمقترحات التي تقدمت بها الأحزاب أثناء اجتماعها الأخير مع المنوني الذي قدم عرضا عن الخطوط العريضة للدستور، وضمنتها في النسخة النهائية التي سلمت للملك، قال الخياري إن «الدستور المقبل يشكل نقلة نوعية وذهب إلى أبعد حد ممكن». وأضاف «لا يمكن لكل واحد أن يطالب بدستور خاص به»، والأهم هو أن يضمن الدستور المقبل التوازن ما بين المؤسسات، وأن الشعب هو من سيختار بالتصويت لصالح هذا الدستور أو ضده، مشيرا إلى أن صراع الأفكار والمرجعيات أمر طبيعي في المجتمع. وانتقد الخياري ضمنيا موقف حزب العدالة والتنمية من الهوية الإسلامية للدولة، وقال إن الإسلام ليس مهددا في البلاد، والدستور الجديد ينص على أن «الملك أمير المؤمنين» فكيف نتصور أن هوية الدولة في خطر.

من جهته، استبعد محمد الخليفة، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال (الهيئة القيادية في الحزب)، الذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي، أن يمس مشروع الدستور المقبل «الركائز الثابتة للدولة المغربية وفي مقدمتها الدين الإسلامي والنظام الملكي». وقال الخليفة، في تصريحات للتلفزيون المغربي، الليلة قبل الماضية، إن «أي محاولة للمس بموقع المرجعية الدينية للدولة ستعد دعوة إلى الغليان، واعتبر الأمر ليس مجالا مفتوحا للاجتهاد». وطالب الخليفة بالتريث إلى حين تسلم مسودة الدستور لإبداء مواقف نهائية تجاه مضامينه، نافيا أن تكون الأحزاب السياسية هي من قامت بتسريب مسودة الدستور. وجدد الخليفة وبحزم رفض حزبه جعل الأمازيغية لغة رسمية في الدستور، وطالب بالتنصيص على أنها لغة وطنية، وذلك بسبب غياب لغة أمازيغية معيارية موحدة في المغرب مكتوبة بحروف «تيفيناغ».

وحظي موضوع النص على الأمازيغية في الدستور المقبل بنصيب وافر من الاهتمام بين مؤيدين لجعلها لغة رسمية إلى جانب العربية، وبين من يعارضون ذلك بشدة، ويقترحون التنصيص على أنها لغة وطنية فقط، لما يترتب عن ذلك من تداعيات داخل المجتمع.

وكانت جمعيات أمازيغية، قالت في وقت سابق إن الذين يعارضون التنصيص على الأمازيغية في الدستور ينطلقون من «موقف عنصري». وفي سياق الجدل السياسي حول مشروع الدستور اعترضت «الودادية الحسنية للقضاة»، وهي رابطة مستقلة تضم القضاة، على أن يتم منح العضوية داخل المجلس الأعلى للقضاء إلى مؤسسات أو أفراد من خارج سلك القضاء، وكانت مسودة مشروع الدستور الجديد غير الرسمية قد أشارت إلى أن المجلس سيضم في عضويته كلا من رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ورئيس مؤسسة الوسيط.

وقال بيان أصدره القضاة إن التشكيلة المقترحة للمجلس «غير مقبولة حقوقيا بمقتضى المواثيق الدولية، والتي من شأن اعتمادها خلق عدم التوازن بين السلطات من خلال تقوية السلطة التنفيذية بما أضيف لها من اختصاصات في مشروع الدستور، وإضعاف السلطة القضائية، وفرض وصاية عليها وذلك بالزج بها بين أيدي من لا دراية لهم بتدبير الشأن الخاص لقضاتها».