مراقبون سياسيون: استقالة عبد المهدي لترتيب اصطفافات سياسية جديدة تستهدف حكومة المالكي

عبد المهدي لـ «الشرق الأوسط»: لا أستطيع البقاء في موقع لا أقدم فيه خدمة للناس وللبلد

عادل عبد المهدي («الشرق الأوسط»)
TT

يبدو أن استقالة الدكتور عادل عبد المهدي، القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم، من منصبه كنائب أول لرئيس الجمهورية أصبحت أكيدة ولا تراجع عنها على الرغم من أن رئيس الجمهورية جلال طالباني لم يصدر رأيه علانية أو لم يضع توقيعه سواء بالموافقة أو الرفض على طلب الاستقالة الذي قدم له منذ ما يقرب من شهر.

وخلال لقاء مع عبد المهدي قبل أكثر من أسبوع في منتجع دوكان قرب مدينة السليمانية، قال نائب رئيس الجمهورية المستقيل لـ«الشرق الأوسط» إن «الاستقالة على مكتب فخامة الرئيس طالباني وأنا بحاجة للقاء به رسميا»، مع أن لهجته في الحديث أكدت أنه لا تراجع عن هذه الاستقالة. وأشار عبد المهدي إلى مجموعة الحوارات التي سبق أن أجرتها معه «الشرق الأوسط» لمعرفة أسباب هذه الاستقالة، قائلا إنه يضع استقالته في جيبه مقدما كلما بدأ في مهمة جديدة «فعندما نجد أننا لا نتمكن وبسبب الظروف من خدمة الناس أو تقديم الخدمة لبلدنا فعلينا أن نتركه للآخرين»، في تلميح واضح إلى أنه لا يهتم بالمنصب بقدر اهتمامه بما سيقدمه من خلال هذا الموقع أو ذاك.

وانطلاقا من ذلك فإن عبد المهدي شعر بالفعل بأنه لا يستطيع أن يقدم خدمة للشعب العراقي ولا للعراق من خلال منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، حسب تأكيداته، وفي آخر حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» قبل أقل من عام، أنهى حديثه بالاستنجاد بالدعاء «ربي أرني الحق حقا فأتبعه، وأرني الباطل باطلا فأجتنبه»، منبها إلى أن «منهجنا أن ندافع عن الحق العام ولا نغبن أحدا، وليس لنا مصلحة أو حق شخصي ندعيه؛ فالمهم أن نصل إلى النهايات، لا أن نبقى ندور نماحك بعضنا بعضا ونعطل البلاد ومصالح العباد. وهذا يتطلب الكثير من الشجاعة والمرونة والمسؤولية، وسنصارح شعبنا بكل ما سنواجهه، وسنطلب النصح والإرشاد من الآخرين، فأجمعهم أو أغلبيتهم المطمئنة قرار ملزم لنا، لنسير معا وليس منفردين، أو متعسفين، باتجاه حل الأزمة وليس تعقيدها».

عبد المهدي كان ولمرتين قاب قوسين أو أدنى من رئاسة الحكومة، مرة عام 2005 عندما انسحب بمحض إرادته لصالح نوري المالكي، رئيس الحكومة العراقية في ولايته الأولى «حفاظا على وحدة الائتلاف العراقي الموحد» الذي كان المجلس الأعلى الإسلامي أحد أهم أقطابه، وثانية قبيل تشكيل الحكومة الحالية عندما عمل الدكتور إياد علاوي، الرئيس الأسبق للحكومة العراقية وزعيم كتلة العراقية على ترشيحه (عبد المهدي) لرئاسة الوزراء، وهذا ما كشفه علاوي نفسه لـ«الشرق الأوسط» الأسبوع الماضي، لكن إصرار المالكي وبدعم من التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر حال دون تحقيق ذلك.

ويجد عبد المهدي، وباعتباره شخصية أكاديمية ومتخصصا في السياسة والاقتصاد، وساعيا «لبناء دولة تقوم على المؤسسات هدفها خدمة الشعب، من خلال حكومة خدمات» العمل مع رئيس حكومة ينتقده (عبد المهدي) في حديث سابق بأنه بعيد عن المؤسساتية بقوله «قد يكون ما ننتقد عليه الأستاذ المالكي.. أنه سار بالبلاد بسياسة تجاوز فيها المؤسساتية والبرلمان واستطاع إلى حد كبير شخصنة الدولة، وطرح مفهوم الرجل القوي» مرة ومرة أخرى، وفي رده على اتهامات للمالكي للآخرين وقبيل تشكيل الحكومة، قال «عتبي أن السيد المالكي هاجم الجميع واعتبر كلا منهم في موقعه متآمرا وخادعا للشعب، ولم يبرئ أحدا سوى نفسه. الكلام عن الشعب لا يصح بهذه الطريقة».

ومما يؤكد أن استقالة عبد المهدي باتت أكيدة هي الأخبار التي يبثها مكتبه الإعلامي مؤخرا والتي تذكر اسمه مع صفة (السيد) وليست فخامة نائب رئيس الجمهورية، مثلما كان يجري، والمراقبون السياسيون العراقيون يرون في هذه الاستقالة محاولة من المجلس الأعلى لترتيب صفوفه والعودة إلى واجهة الأحداث من خلال اصطفافات سياسية جديدة، خاصة أن عبد المهدي كان قد استقبل أمس وفدا من التيار الصدري ضم كرار الخفاجي رئيس الهيئة السياسية وبهاء الأعرجي رئيس هيئة النزاهة في مجلس النواب، لـ«بحث آخر المستجدات في الأوضاع السياسية والأمنية، والمشاورات الجارية لحل الاختناقات التي تواجه العملية السياسية»، حسبما جاء في توضيح المكتب الإعلامي لعبد المهدي، الذي أكد أيضا «أن عادل عبد المهدي بحث في اتصال هاتفي أمس (أول من أمس) مع رئيس القائمة العراقية الدكتور إياد علاوي آخر التطورات والمستجدات في الأوضاع السياسية والأمنية»، مؤكدا أن «عبد المهدي وعلاوي بحثا أهمية العمل لإيجاد مخرج للأزمة السياسية التي تمر بها البلاد وضرورة تجاوز الخلافات وذلك من خلال الحوار الوطني البناء، واستمرار انعقاد المشاورات بين الكتل السياسية بهدف التوصل إلى حلول مرضية لكافة الأطراف بما يعزز مبدأ الشراكة الوطنية الحقيقية».

عبد المهدي والمقربون منه لم يؤكدوا أو ينفوا طبيعة تحركاته ما بعد الاستقالة، لكن الأحداث تقود إلى أن ثمة اتفاقات قديمة يتم إحياؤها، أو جديدة يراد فرضها على الواقع السياسي، سوف تجمع بين التحالف الكردستاني والقائمة العراقية والمجلس الأعلى الإسلامي والتيار الصدري، خاصة أن عبد المهدي كان قد اجتمع مع مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني ومع رئيس حكومة الإقليم الدكتور برهم صالح قبل يوم واحد من اجتماع علاوي مع بارزاني وصالح في أربيل الأسبوع الماضي، كما أن عاصمة الإقليم ومدينة السليمانية في انتظار زيارة لمقتدى الصدر مع وفد من تياره للقاء الرئيس طالباني ورئيس الإقليم بارزاني، والملاحظ أن قائمة الزيارات خلت من أي وفد تابع للمالكي وكتلته دولة القانون. ويؤكد المراقبون أن هذه الاصطفافات تستهدف حكومة المالكي، سواء بتغييرها أو الإطاحة بها برلمانيا أو من خلال انتخابات مبكرة.