أوغلي لـ «الشرق الأوسط»: نتمنى أن تسارع سوريا بتطبيق الإصلاحات

الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي: تونس أعطت أول نموذج للتحول الديمقراطي السلمي

أكمل الدين إحسان أوغلي
TT

في حوار خاص بـ«الشرق الأوسط» تطرق الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلي إلى «الربيع العربي» والثورات الشعبية في تونس ومصر، وأكد على أن الأوضاع في سوريا تستدعي الدقة في التعامل معها، وأن ما حدث منذ شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي في المنطقة العربية قد غير وجه المنطقة ويفرض على الجميع التعامل مع الأحداث، ولا يمكن لأحد أن يدفن رأسه في الرمال.

وجاء هذا الحوار على هامش زيارة أوغلي للمملكة المتحدة في تلبية لأول دعوة رسمية من الحكومة البريطانية لأمين عام المؤتمر الإسلامي في تاريخ المنظمة. واستمرت الزيارة من 13 إلى 15 يونيو (حزيران)، وتم التباحث خلالها عن سبل تدعيم التعاون بين المنظمة وبريطانيا، والتطرق إلى عدد من القضايا الهامة مثل ظاهرة الإرهاب والإسلاموفوبيا.

* زيارتكم لبريطانيا في أي إطار تندرج؟ ولماذا الآن؟

- تندرج هذه الزيارة في إطار توسيع علاقتنا مع العالم، وخصوصا مع الدول دائمة العضوية في الأمم المتحدة، وقد تلقيت دعوة من الحكومة الجديدة التي بدأت قبل سنوات في بريطانيا ولديهم رغبة في تطوير علاقاتهم التي بدأت قبل سنوات في ظل الحكومة السابقة، وهذا جزء من انفتاح منظمة المؤتمر الإسلامي في السنوات الأخيرة على العالم الخارجي خدمة لقضايا الإسلام والمسلمين وعلى رأسها قضية فلسطين التي كانت من أهم محاور النقاش الرئيسية.

* ما علاقة هذه الزيارة باجتماع مجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، الذي سينعقد نهاية الشهر الحالي في كازاخستان؟

- ستحضر بريطانيا ممثلة بالبارونة وارسي في هذا الاجتماع، وهذا فيه تعبير عن رغبة المملكة المتحدة في توطيد علاقتها بالمنظمة.

* لقاؤكم مع ديفيد كاميرون ووزير الخارجية البريطاني، ما الأمور التي تم بحثها؟ وهل هناك اتفاقيات رسمية تخص الدول الأعضاء في المؤتمر الإسلامي؟

- أصدرنا بيانا رسميا مشتركا يغطي المجالات التي تحدثنا فيها، وكانت الأجندة واسعة وعريضة شملت التحولات في كثير من البلاد والوضع في الشرق الأوسط، وخصوصا فلسطين التي كانت على رأس المسائل. ونلاحظ وقفة إيجابية لدى بريطانيا في هذا الموضوع سواء من خلال بريطانيا أو الاتحاد الأوروبي، ونحن نعتقد أنه حان الوقت لقيام الدولة الفلسطينية والاعتراف بحل الدولتين، ولذلك تطرق حديثنا بصورة معمقة إلى هذا الموضوع؟

* البارونة سعيدة حسين وارسي، هل موقعها السياسي كرئيسة مساعدة في حزب المحافظين فيه إفادة للمسلمين في بريطانيا حسب رأيكم؟ وفي أي إطار تندرج مقابلتكم معها؟

- هذا لقائي الثالث معها، وسبق أن زارتنا في جدة في مقر المنظمة. نحن نقدر وصولها إلى هذا المنصب الهام، بالإضافة إلى أن موقعها كوزيرة يؤكد ما تقوم به بريطانيا من فسح مجال التسامح، وهذا يعطي للأجيال من أبناء أو أحفاد الوافدين مساحة في المجتمع البريطاني في العمل الرسمي والسياسي، وقد تحقق في النظام التمثيلي في البرلمان بمجلسيه العموم واللوردات.

* ما الذي يميز علاقتكم ببريطانيا عن بقية الدول الغربية؟ أم هي نفس العلاقات التي تربطكم بأميركا وبقية دول أوروبا؟

- بريطانيا لها تاريخ مع الدول العربية والإسلامية، وأحيانا هذا التاريخ شابته مشكلات وتوترات وحروب في الفترة الاستعمارية كان لها ظلالها، لكننا الآن في العقد الثاني من القرن الـ21 نتطلع لتطويرها بروح إيجابية تنظر إلى المستقبل وتهدف إلى أمرين، الأول مساعدة الشعوب الإسلامية في تحقيق النمو الاقتصادي وقضايا الفقر، خصوصا في دول أفريقيا، والأمر الثاني هو المساهمة في حل المسائل السياسية العالقة خدمة للسلام على المستوى العالمي.

* اعتبرتم أن الثورات في تونس أمثلة على الانتقال السلمي للسلطة بعد عقود من الحكم الاستبدادي، هل تعتبرونها ثورات ناجحة؟ ولماذا يتباين موقفكم عند الحديث عن اليمن وليبيا والبحرين؟

- لم يختلف الرأي لكن الثورة الشعبية في مصر وتونس كللت بالنجاح وإقصاء الحكم الديكتاتوري، والآن هناك عمليتان كبيرتان للتحول في تونس ومصر مع تشابه في بعض السمات واختلاف في أخرى. وأعتقد أن التجربة التونسية ذات صبغة مدنية، بمعنى أنها تمت وتعمل داخل النظام الدستوري وبقوة مدنية، وهذا يعطيها طابعا خاصا. وقبل شهر كنت في تونس والتقيت بالرئيس المبزع والوزير الأول التونسي الباجي قايد السبسي والكثير من الشخصيات. أعتقد أن تونس التي أعطت أول نموذج للتحول الديمقراطي ستعطي أول نموذج لتحقيق الحل الانتقالي السلمي للسلطة للمجلس التشريعي الانتقالي الجديد وانتخابات جديدة، ونتمنى كذلك أن تتم هذه العملية الانتقالية في مصر بشكل موازٍ مع اختلاف طبيعة الأمور وطبيعة التكوينات السياسية في البلدين.

* هل ترون أن في تونس أو مصر هناك إمكانية لوصول الأحزاب الإسلامية إلى الحكم؟ وهل سيتم تقبل هذا؟

- يجب أن نعطي كل الحركات السياسية حق المشاركة ولا نمنعها من هذا حتى لا نقع في أخطاء في أولى خطوات إلى الأمام نحو الديمقراطية. وكما أقول دائما إن إعطاء هذه الأحزاب الفرصة ليس معناه أن يتغير نظام الدولة وصبغته الآيديولوجية، لأن المشاركة في الحكومة من أي طرف حزبي سيكون مؤشرا على طريقة تعاملها، وإذا نجحت هذه الأحزاب في تحقيق أهداف الجماهير فستكون أحزابا ناجحة. أما إذا توقفت عند تكرار الشعارات الآيديولوجية فلن تحل وستتفاقم المشكلات المتعلقة مثلا بالبطالة أو الخدمات الصحية أو المواصلات والتعليم، وهذا لا يمكن أن يتم إلا ببرامج مدروسة وعملية، ومن يتقبل هذا فسينجح وإن لم يقبله فسيختفي. فلا بد من عملية التحول المباركة، ولن يستقر الأمر إلا بعد انتخاب مجلس أو مجلسين وتستقر الأحزاب. وتتطلع الشعوب إلى من يحقق رغباتها في تحقيق أهدافها.

* حسب حديثكم الآن بضرورة تحديد برنامج للتنمية والعمل على إعداد البنية الأساسية، ألا تعتقدون أن الأحزاب السياسية في بلدان ليس لديها برامج سياسية واضحة، خصوصا وأنها هي نفسها فوجئت بالثورات التي قامت بها الشعوب ولم تساهم في تنظيمها، بل انضمت إليها. ألا يعتبر من المخاطرة أن يعتمد الشعب عليها؟

- هذا صحيح، لكن يجب إعطاؤهم الفرصة الآن، لا نريد أن ندخل في حلقة مفرغة، لا بد أن نسمح بعملية التحول الديمقراطي ولا بد أن تعطى فرصة لهذه الأحزاب أن تتشكل وتعد برامجها ويمكنها أن تبدأ بخوض الانتخابات.

* ألا تعتقدون أن بدءها الآن يعتبر مبكرا ولا بد من مزيد من الوقت لاستعداد هذه الأحزاب لضبط برامجها؟

- الآن في تونس أجّلوها، وهذا جيد طبعا ما دام هناك اتفاق بين الأطراف.

* ما رأيكم في الثورة السورية؟ وموقفكم من الحكومة السورية وطريقة تعاملها وردها على المحتجين؟

- الأحداث التي في سوريا تستدعي الدقة في التعامل معها، وسبق للمنظمة أن أصدرت ثلاثة بيانات تتعلق بهذه الأحداث. نحن نأسف بشدة لإراقة الدماء ونتابع بقلق شديد تطور هذه الأحداث. هناك أرواح تزهق من أبناء الشعب، وهناك مجموعات من رجال الأمن تقتل، والآن من جهة نشاهد 8 آلاف لاجئ سوري في تركيا، ومن جهة نشاهد الحديث عن اكتشاف مقابر جماعية لأبناء القوات الأمنية، أو نجد العشرات من رجال الأمن يقتلون، هذا الوضع غير طبيعي ولا بد من العمل على وقف شلال الدم هذا، ونحن نتمنى أن تسارع الحكومة السورية في تطبيق الإصلاحات الدستورية والسياسية وإعطاء الحريات وفي نفس الوقت إرساء مبادئ حقوق الإنسان، وبدء حوار وطني وسياسي مع القوى السياسية الوطنية.

* دور منظمة المؤتمر الإسلامي في التغيرات، هل تنوون تقديم دعم للاجئين السوريين على الحدود التركية؟

- الحكومة التركية تقوم بالواجب ونحن نوجه إمكاناتنا للجهات التي تحتاج إليها، ونحن عملنا في الحدود الليبية التونسية والمصرية وأيضا في اليمن وما زلنا نعمل. وهنا نقول هذا من باب فرض الكفاية.

* ذكرتم في مناسبات عدة أن منظمة المؤتمر الإسلامي تسترشد بمبادئ الاعتدال والحداثة وتوفر خريطة طريق تتميز بالرؤية المستقبلية، هل يمكن توضيح دوركم؟ وهل تغيرت معالم الخريطة التي رسمتموها في الماضي إثر الثورات العربية؟

- ما حدث من شهر ديسمبر الماضي إلى اليوم يغير وجه المنطقة كلها، ويفرض على الجميع أن يتعامل مع هذه الأحداث، ولا يمكن لأحد أن يدفن رأسه في الرمال ويقول هذا لا يخصني، لا بد من النظر إلى الخريطة من جديد، وليس بنفس الطريقة قبل ديسمبر الماضي. المنطقة تتغير وتعيش تغيرات، وهي ستكون تغيرات كبيرة جدا، لكن المهم هو كيف نتعامل مع هذه التغيرات، وكيف تحقق أهداف الشعوب وكيف تلبى مطالبها المشروعة.

* ما تصوركم للمنطقة العربية في المستقبل؟ وهل ستنعم شعوب مناطق الثورات بالاستقرار في القريب أم قد تحدث الانتكاسة؟

- عندما ننظر إلى الثورات في تاريخ الشعوب الأخرى مثل ما حدث في الثورة الفرنسية، وفي الثورة الروسية، وفي تركيا بعد الحرب العالمية الأولى، ما تسمى بالحرب الكمالية، وما حدث في الصين، حيث اعتبرت هذه ثورات شعوب وليست انقلابات عسكرية، نرى أن هذه المسائل تأخذ وقتا طويلا. ولا يمكن أن تنتكس لأن هذه الثورات أدخلت الشعوب العربية في سياق التاريخ ولا يمكن العودة أو إرجاع سياق التاريخ.

* تاريخيا وبما أنكم متخصصون في هذا المجال، الوضع الذي تمر به الأمة العربية، هل يتشابه مع أي وضع سابق تاريخيا أم هو وضع خاص جدا؟ كيف تقيمونه؟

- هو وضع خاص، فهذه أول مرة في تاريخ هذه البلاد تحدث فيها هذه الحركات الشعبية على مستوى الأمة كلها، ما حدث في تونس مثلا الأمة كلها خرجت، وفي مصر كذلك، وهذا لم يحدث قط من قريب أو من بعيد. هذه ثورات تاريخية بمعنى الكلمة، وهذه ظاهرة لا بد أن تدرس ولا شك أنها منعرج في التاريخ.