«العم صلاح» يزيل أتربة الأحذية.. ويريد أن تزيل «الثورة» همومه

جلوسه بصندوقه الخشبي أمام مقر حزب الوفد منذ 20 عاما أكسبه تجربة سياسية

TT

رحلة عمرها 20 عاما قضاها هذا الرجل على باب الرزق، فكل صباح يحمل صندوقه الخشبي الصغير، ويجلس في مكانه المعتاد بجوار قصر فؤاد باشا سراج الدين، الذي أصبح مقرا لحزب الليبرالية المصرية المعارض (حزب الوفد). لا يغير الرجل مكانه، وبابتسامة رضا يرد على تحايا العابرين عليه من أعضاء الحزب وصحافيي جريدته، متحينا الفرصة في أن يلمع لأحدهم حذاءه ليدردش معه قليلا في أحوال السياسة والبلد، ويستحيي أن يطلب شيئا خاصا له، سوى بضعة جنيهات قليلة يكسبها من عرق جبينه.

اختار «العم صلاح» موقعه هذا الكائن بضاحية الدقي بمحافظة الجيزة لأنه مكان هادئ ارتاح إليه، ولا يزاحمه فيه أحد من ماسحي الأحذية الذين تسلل إليهم الكثير من أصحاب السوابق والمشبوهين. لجأ إلى العاصمة بعد أن قهرته الظروف الحياتية الصعبة في قريته بصعيد مصر، ورغم بساطته فإن وقوفك لديه لبعض دقائق لمسح حذائك سيجعلك تعجب بثقافته السياسية، وستجد نفسك مجبرا على أن تتجاوب معه في الحديث عن أحوال مصر وثورة «25 يناير»، وبالطبع الأحزاب المصرية، ويبرر ذلك بقوله بلكنته الصعيدية «صحيح عملي هو مسح الأحذية، لكني متابع للأحداث.. أنا هنا جنب الوفد بقالي سنين.. واللي يجاور السعيد يسعد».

ورغم ذلك، يتحفظ الرجل الذي جاوز عتبة الستين في الحديث عن قيادات حزب الوفد التي عاصر 4 منها، ويرى أن الأحزاب في مصر بشكل عام لم تقدم الكثير للمصريين، لكنه يقدر دور «الوفد» في ثورة «25 يناير».

يقول «العم صلاح» وهو منهمك في مسح زوج من الأحذية: «الثورة دي كانت لازم تقوم من زمان، لأنها حاجة كنا عايزنها.. البلد كان كلها فساد»، ويتابع ساخرا: «بيقولوا أميركا وإسرائيل كانوا وراء الثورة، تقريبا اللي بيقول كده مش عايش في البلد».

من وجهة نظر ماسح الأحذية، فإن الفساد يتمثل في عدم استطاعته الحصول على رغيف خبز إلا بالوقوف في صفوف طويلة أمام الأفران، أو في الحصول على أسطوانة غاز بيسر، وهي مطالب الملايين من الفقراء في مصر الذين رأوا الأمل في قيام الثورة، ولكنهم إلى الآن لم يلمسوا نتائجها.

يحرك الرجل أصبعيه السبابة والوسطى المتسختين باللون الأسود بفعل الأصباغ، ويقول: «هذه الثورة لها مميزات وعيوب، فهي كشفت لنا مدى السرقة اللي كنا فيها، كمان غيرت في المصريين، لأنه أصبح هناك ترابط بين الشعب».

ثم يطرق رأسه موضحا أن عيوب الثورة تتمثل في انتشار البلطجية في الشوارع، إلى جانب استمرار حالة الغلاء في كل السلع. ويتابع بكلمات غاضبة يتخللها لازمته الكلامية «وحّد الله»: «جابوا لنا حكومة تسيير أعمال شوفنا منها إيه؟، الحكومة مش عارفة حاجة الناس.. ما فيش حد بيسمع للمواطن الغلبان اللي مش لاقي ياكل، والأسعار زادت». يصمت «العم صلاح» قليلا، وهو يمسك فرشاته ويدق بها على صندوقه في إشارة منه للفت الأنظار إليه، ثم يكمل: «كما أقوم بعملي في مسح الأتربة عن الأحذية، أتمنى أن تكون الثورة هكذا، وتزيل عنا كل الهموم».

وبلغة السياسيين يقول «العم صلاح»، إنه لكي تصلح الأوضاع في مصر، هناك 4 مطالب يجب أن تتحقق ويشعر بها المواطن البسيط. أول هذه المطالب هو القضاء على الفساد المستشري على جميع المستويات، ويتابع: «الفساد عشنا فيه 30 سنة، وكفاية الملايين المسروقة اللي بنسمع عنها كل يوم».

أما ثاني المطالب برأيه، فهو تحقيق العدل وأخذ كل مواطن حقه، ويشرح ذلك بالقول: «يجب أن أتساوى أنا كمواطن ماسح للأحذية في الحقوق مع الضابط، ومع المهندس، ومع كل واحد عايش في مصر». بينما جاء الشعور بالأمن كشرط ثالث وضعه الرجل لكي تصلح الأوضاع في مصر، ويقول عن ذلك: «لو عادت الشرطة إلى الشارع ولم يعد هناك بلطجية وسارقون.. سوف يشعر كل واحد بالأمن». ويأتي المطلب الرابع بحسب العم صلاح بوجود حكومة قوية تستطيع إدارة مصر، تلبي رغبات المواطنين البسطاء. بخلاف ذلك، يرى الرجل أن «مصر تحتاج لرئيس عنده ضمير» وليس أي شيء آخر، وفي اعتقاده فإن جميع الأسماء المطروحة على الساحة التي كشفت عن نيتها في الترشح للرئاسة لا تصلح لهذا المنصب.