العاهل الأردني: «الربيع العربي» أعطاني الفرصة التي كنت أبحث عنها منذ 11 عاما

الملك عبد الله الثاني في مقابلة تنشرها «الشرق الأوسط»: أنا في أشد حالات التشاؤم بشأن السلام

TT

أعرب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عن تشاؤمه بشأن عملية السلام، قائلا: «أعتقد أن 2011 سيكون عاما سيئا للغاية بالنسبة إلى عملية السلام»، مشيرا إلى أن فشل محاولات الولايات المتحدة والمجتمع الدولي استئناف محادثات السلام الشهر الماضي يحكم بالإخفاق تقريبا على احتمالات حدوث اختراق في المستقبل القريب.

وقال العاهل الأردني في مقابلة استغرقت 45 دقيقة في قصره في عمان مع «واشنطن بوست»، وتنشرها «الشرق الأوسط»، إن المناخ السياسي المحافظ بصورة متزايدة داخل الدولة اليهودية جعل حكومتها غير قادرة على تقديم تنازلات تذكر من أجل الوصول إلى سلام». وعبر عن خشيته من أن تكون الولايات المتحدة قد انشغلت بمشكلاتها الاقتصادية وأنها تخشى تبديد رصيدها السياسي. وأضاف قائلا: «مع أننا سنستمر في سعينا لدفع كلا الطرفين للجلوس معا، فإنني في أشد حالات التشاؤم على مدار 11 عاما».

وقال العاهل الأردني إن اللغط المحيط بـ«الربيع العربي» وفر فرصة نادرة للوصول إلى اتفاق سلام ممكن، وهذه فرصة لم ينتهزها أي من الطرفين. وحذّر من ضياع الفرصة سريعا.

وأشار إلى أنه مع استمرار الوضع ستجد إسرائيل نفسها حتما محاطة بحكومات عربية معادية أكثر، حيث سيسعى سياسيون داخل دول عربية تشهد حراكا ديمقراطيا جديدا إلى استغلال شعور المواطنين بالاستياء. وفي هذه الأثناء ستواجه الدولة داخليا احتمالية متنامية لنشوب ثورة، حيث سيتخلى الفلسطينيون عن النهج السلمي للحصول على دولة.

وأضاف: «عندما يكون ثمة وضع راهن، يخشى الجميع حدوث مواجهة عسكرية، وهي المرحلة التي سنهرول فيها جميعا ونصرخ من أجل لملمة الأمور».

ويأتي هذا التقييم المتشائم من جانب الملك عبد الله الثاني (49 عاما) بعد أقل من شهر على زيارة دبلوماسية إلى واشنطن، ضغط خلالها سرا على الرئيس باراك أوباما ليتخذ خطوات جريئة لبدء محادثات سلام.

وقد دشن الملك عبد الله الثاني حملة لاستئناف محادثات السلام، واجتمع مع عشرات من الزعماء بمختلف أنحاء المنطقة، ووضع تصورا للسلام داخل منطقة الشرق الأوسط في كتاب «فرصتنا الأخيرة» (نشرت «الشرق الأوسط» حلقات من فصوله في بداية العام)، وهو كتاب ألّفه العام الماضي عندما بدأ تعثر الجولة الأخيرة من محادثات سلام رعتها الولايات المتحدة.

ويقول الملك عبد الله الثاني إنه منذ ذلك الحين أصبح المستقبل كئيبا بدرجة أكبر، وبدت أعمال العنف والفوضى أمرا حتميا. ويضيف: «إذا لم يكن هناك حل دولتين فهناك حل دولة واحدة، وحينها هل سيكون هناك تمييز عنصري أم ستكون هناك دولة ديمقراطية؟».

إذا اختار الإسرائيليون إعطاء الحقوق كاملة إلى الفلسطينيين، سيكون عددهم أقل من عدد السكان العرب خلال عشرة أعوام. ويضيف أنهم إذا لم يقوموا بذلك، فسرعان ما سيواجه الإسرائيليون المزيد من الصدامات مثل تلك التي نشبت خلال احتجاجات نظمها فلسطينيون الشهر الماضي. كانوا يحيون ذكرى النكبة، حرب 1948. وأصيب 12 فلسطينيا بإصابات قاتلة على أيدي جنود إسرائيليين عندما كانوا يتحركون تجاه مواقع حدودية إسرائيلية.

وقال الملك عبد الله عن الاضطرابات الفلسطينية: «أعتقد أنها ستحدث مرة أخرى. يقول الكثير من العرب: حسنا، إذا كنتم تتحدثون عن ديمقراطية لنا، فماذا عن الديمقراطية بالنسبة إلى إسرائيل؟».

وعبر الملك عبد الله عن خشيته من أن تفقد الولايات المتحدة مصداقيتها بين العرب كحكم في النزاع، وذلك بسبب إخفاقات واشنطن المتتالية في الوصول إلى اتفاق، إلى جانب تاريخ الدعم الأميركي المستمر لإسرائيل بغض النظر عن سياساتها تجاه العرب.

ويقول العاهل الأردني: «عندما تحصل على مليارات في شكل مساعدات وتحصل على إمدادات لأسلحتك ويتم توفير الإمدادات لمخزون المؤن لديك، فأنت لم تتعلم الدرس الذي يقول إن الحرب شيء سيئ، وإنه لا يكون هناك طرف فائز فيها».

ومع غياب الضغط الأميركي القوي، تبنى إسرائيليون سياسات محافظة بدرجة أكبر. وقال: «أعتقد أنه لدينا اليمين واليمين المتشدد اخل إسرائيل. وقد تحرك الجميع بمقدار درجات كثيرة». وفي ما يلي مقتطفات من إجابات الملك عبد الله الثاني على الأسئلة.

عن «الربيع العربي» «سنعيد النظر إلى الأمور، وسنقول إنها جيدة. أعتقد أن هذه لحظة فارقة بالنسبة إلى العالم العربي. المشكلة أنه ستكون هناك دماء وعرق ودموع. وربما يقتصر الأمر على العرق داخل دول معينة، وسيكون هناك عرق ودموع في بعض الدول، وسيكون هناك الكثير من الدماء، مثلما نرى، في بعض الدول. وأعتقد أن غياب الاستقرار في البداية شيء نشعر جميعا بالقلق الشديد تجاهه».

«سيكون تحليل التكلفة لكل دولة مختلفا، وعليه فإن ما سنجده داخل سوريا، على سبيل المثال، سيكون مختلفا عما يحدث داخل الأردن. يجري في الوقت الحالي إعادة صياغة الخرائط».

حول الإصلاح السياسي داخل الأردن «في الواقع، لقد أعطاني (الربيع العربي)، بصورة ما، الفرصة التي كنت أبحث عنها على مدار 11 عاما مضت، وعليه فإنه من الغريب داخل الأردن، على وجه الخصوص، أن الحرس القديم هو الذي قفز على موجة الإصلاح السائدة لأنها تحظى بشعبية، كما أننا الآن نجد أنفسنا في وضع تحرك فيه الزخم إلى الأمام ولا يمكننا إعادته. بمجرد أن تفتح بوابة السد ينتهي الأمر. والآن يتمثل التحدي - وسأكون أمينا معك - في أن يتحقق الإصلاح السياسي على النحو الصحيح...».

«أعتقد أن دوري يتمثل في إدارة النقاش. لا أستطيع أن أقول لهم إن عليكم تشكيل حزب، ولا أستطيع أن أخبرهم كيف يكون ذلك، ولكن ربما يمكنني أن أجعلهم أكثر مراعاة للتحديات والحقائق. ويتيح هذا النقاش للأمور التحرك في الاتجاه الصحيح...».

«على الأردن أن يظهر للعالم العربي أن هناك أسلوبا آخر لتنفيذ الأشياء. لدينا نظام ملكي، نعم، ولكن إذا عرضنا ديمقراطية تؤدي إلى نظام يتكون من حزبين أو ثلاثة أو أربعة - يسار ويمين ووسط - خلال عامين، حينها لن يكون الإخوان المسلمون كيانا بحسب حسابه».

حول مستقبل تنظيم القاعدة والشرق الأوسط «سيوجد إرهاب على الدوام. المشكلة مع تنظيم القاعدة وحركة حماس وكل هذه الحركات أنهم يستخدمون القضية الإسرائيلية الفلسطينية في تجنيد الأفراد. وفي اللحظة التي يحل فيها الإسرائيليون والفلسطينيون مشكلتهم، لن يكون تنظيم القاعدة تنظيما دوليا، وسيكون مثل حركة تنادي بسمو البيض التي قد تجدها في الولايات المتحدة، وسيصبح عنصر تطرف داخليا يرغب في السيطرة على الدولة وليس على العالم... سيختفي تنظيم القاعدة كتنظيم دولي عندما تُرفع القضية الفلسطينية الإسرائيلية من فوق الطاولة».

حول إيران «عندما يستمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قائلا لنا: إيران، إيران، إيران. سأرد عليه قائلا: السلام، السلام، السلام. لأن أول مَن سيقف ويقول لإيران توقفي عن توجيه الصواريخ ناحيتنا هم الفلسطينيون».

حول الحاجة الملحّة لعملية السلام «عليكم بحل المشكلة اليوم وأنتم أقوياء، وليس بعد 10 أعوام من الآن، حيث ستكون كل الاتجاهات قد تغيرت حسبما أعتقد».

«يمكن أن نجد دائما فرصة أخيرة أفضل، ولكن احتمالات أن نكون قادرين على النجاح تتحول ضدنا. فعندما نصل إلى مرحلة لا يكون حل الدولتين فيها ذا جدوى، ماذا سيكون بعد ذلك؟».

«بالنسبة إلى إسرائيل فإنه مع إرجائهم للأمر سيكون الوضع أكثر تعقيدا بالنسبة إليهم، وهذا ليس جيدا. بقاء إسرائيل منعزلة ولا تنعم بالأمن لا يعد أمرا صحيا لأي منا. ولذا أقول: هيا نحل الأمر الآن ونحن قادرون على البقاء، حيث يمكن أن نجد أنفسنا في مأزق خلال أربعة أو خمسة أعوام من الآن».

حول مأزق الشرق الأوسط وتبعاته «لست مقتنعا بأنهم (في إسرائيل) مهتمون بحل الدولتين، وعليه فإنهم غير مهتمين بالسلام مع العرب، لأنه لا يمكن أن يحدث هذا من دون حل الدولتين. ولا أعتقد أن السياسة داخل إسرائيل، وأعني السياسة الداخلية، ستسمح لذلك بأن يحدث، وعليه فإنه على الرغم من أننا سنستمر في مساعينا لدفع كلا الجانبين للجلوس على الطاولة، فأنا - للمرة الأولى - في أشد حالات التشاؤم على مدار 11 عاما. وأعتقد أن 2011 سيكون عاما سيئا بالنسبة إلى عملية السلام. عندما يكون هناك وضع راهن فإن ما يخشاه الجميع هو أن تحدث مواجهة عسكرية، وفي هذه المرحلة نهرول جميعا ونصرخ من أجل لملمة الأمور، فلا يوجد طرف فائز في الحرب».

حول الدعم الأميركي لإسرائيل «عندما تحصل على مليارات في شكل مساعدات وتحصل على إمدادات لأسلحتك ويتم توفير الإمدادات لمخزون المؤن لديك، فأنت لم تتعلم الدرس الذي يقول إن الحرب شيء سيئ، وإنه لا يكون هناك طرف فائز فيها. وعليه، يوجد شعور زائف بالتفاهم».

حول مبادرة أوباما للسلام ورد نتنياهو «ما عرفته بعد الرحلة أن زيارة نتنياهو لم تكن ناجحة بدرجة كبيرة... لقد جاء بالأساس ليقول: (إما نهجي وإما الرحيل). وأعتقد أن المشكلة الآن هي أننا عدنا إلى الوضع الراهن، ويشعر الجميع بحالة من الذعر بشأن تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول)...».

«الآن تحدث الرئيس عن احتمالية تدشين مبادرة من نوع ما قبل سبتمبر، ولكن ليست لدي مؤشرات تجعلني أرى ذلك يحدث في الواقع. ولذا هناك من يقولون للفلسطينيين: (لا تفعلوا ذلك في سبتمبر)، ولكن لا توجد مبادرات لتجربتها ولا يحدث شيء آخر».

«أدعم أي أحد سواء كانوا الروس أو الفرنسيين أو الأميركيين، كل مَن يقدم مبادرة، لأنه عندما نعود ونجلس جميعا معا، وكما تعرف، نجلس من دون تغيير الوضع، فهذا ليس خبرا جيدا».

«هناك الكثير من الرؤساء الأميركيين الذين حاولوا رفع سقف التوقعات. رفع كلينتون من سقف التوقعات، ورفعها جورج دبليو بوش أكثر، ورفعها أوباما أكثر وأكثر. ولكن العجز عن القيام بشيء على الأرض يثير شعورا بالإحباط. وأعتقد أن الأميركيين ينظرون إلى قضاياهم الداخلية، وربما إلى قضايا دولية أخرى، ولذا لا تحظى القضية الإسرائيلية الفلسطينية بأولوية».

حول السياسة الإسرائيلية وعملية السلام «الاستطلاعات مثيرة للإزعاج، وليست كما كانت قبل عامين، حيث يقول 86% من الإسرائيليين إنهم غير مهتمين بحدود 1967، ولذا يظهر ذلك لي أن المجتمع الإسرائيلي قد تغير الآن، حيث بدأوا يصدقون كلام زعمائهم. أعتقد أنه لدينا يمين ويمين متشدد داخل إسرائيل، وقد تحرك الجميع بمقدار عدة درجات».

* خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»