قائد الجيش الباكستاني يقاتل للاحتفاظ بمنصبه

كياني لجنرالات يطالبونه بالتشدد مع أميركا: بلادنا صارت رهنا للولايات المتحدة

قائد الجيش الباكستاني
TT

يقاتل قائد الجيش الباكستاني، أقوى رجل في البلاد، للاحتفاظ بمنصبه، أمام غضب متصاعد من كبار الجنرالات وصغار الضباط منذ الغارة الأميركية التي قتلت أسامة بن لادن، طبقا لما ذكره مسؤولون التقوا رئيس الجيش في الأسابيع الأخيرة. ويواجه الجنرال أشفق برويز كياني، الذي يتولى قيادة الجيش منذ عام 2007، سخطا شديدا حول ما يبدو أنه علاقة ودية مع الولايات المتحدة، مما أثار احتمالات حدوث انقلاب من جانب ضباط الجيش على رتبة عقيد، وإن ظل هذا الأمر مستبعدا، حسبما أفاد به مصدر باكستاني مطلع كان على اتصال بالجنرال في الأسابيع الأخيرة، وكذلك مسؤول عسكري أميركي يتعامل مع الشأن الباكستاني منذ سنوات كثيرة.

يُذكر أن الجيش الباكستاني يدار بصورة أساسية بالإجماع بين 11 من كبار القادة، الذين يعرفون باسم «قادة الفيالق»، وكانوا جميعا تقريبا يطالبون الجنرال كياني باتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الأميركيين، بل وربما الاقتراب من قطع الصلة بهم، حسبما أفاد به باكستانيون متابعون عن كثب لشؤون الجيش.

كانت واشنطن بسياساتها الصارمة تجاه باكستان قد دفعت الجنرال كياني وجنوده لاتخاذ موقف الدفاع، وحال الإطاحة به ستواجه الولايات المتحدة قائدا جديدا للجيش أكثر تشددا ومعاداة للأميركيين، حسبما ذكرت مصادر باكستانية.

وسعيا لإصلاح سمعة الجيش، ولضمان بقائه، قام الجنرال كياني بجولة استثنائية بين أكثر من 20 موقعا عسكريا ومناطق عسكرية أخرى منذ الغارة التي نفذتها الولايات المتحدة في 2 مايو (أيار) وأسفرت عن قتل بن لادن. وكان هدف كياني من وراء ذلك حشد التأييد له بين صفوف الجنود العاديين، الذين يعادون جميعهم تقريبا الولايات المتحدة، طبقا لمصادر مطلعة.

وخلال جلسة عقدت في أواخر مايو (أيار) في جامعة الدفاع الوطنية، وهي الأكاديمية العسكرية الأولى في إسلام آباد، علق ضابط على الخطاب الذي ألقاه الجنرال كياني، وانتقد سياسة التعاون التي ينتهجها مع الولايات المتحدة. وسأل الضابط: «إذا كانوا لا يثقون بنا، كيف يمكن أن نثق بهم؟»، طبقا لما ذكره شوكوت قادري، بريغادير متقاعد اطلع على ما جرى باللقاء.

وأشار قادري إلى أن الجنرال كياني أجاب بأنه «ليس بمقدورنا الثقة بهم».

وأشار مسؤولون باكستانيون وأميركيون إلى أنه، في استجابة للضغوط التي يمارسها جنوده، تحول الجنرال كياني بالفعل إلى شريك أكثر عنادا بالنسبة لواشنطن، وبدأ يقف بصرامة أكبر في وجه الوفود الأميركية رفيعة المستوى التي زارت باكستان منذ الغارة، في محاولة لإنقاذ العلاقات الأميركية - الباكستانية.

وفي مثال بارز على العناد الباكستاني الجديد، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز»، الثلاثاء، إلى أنه، طبقا لمسؤولين أميركيين، فإن وكالة الاستخبارات الباكستانية ألقت القبض على خمسة مرشدين باكستانيين ساعدوا وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) قبل الغارة ضد بن لادن. وذكر أحد المسؤولين أن أحد هؤلاء المرشدين طبيب عمل بالجيش الباكستاني على رتبة ميجور. في بيان صدر الأربعاء، وصف متحدث رسمي باسم المؤسسة العسكرية الباكستانية الخبر بأنه «كاذب»، موضحا أنه لم يتم احتجاز أي ضابط بالجيش. وذكر مسؤولون باكستانيون وأميركيون أنه، بصورة عامة، أصبحت العلاقة بين البلدين حاليا تتسم بالتنافس أكثر من التعاون.

وأخبر الجنرال كياني مدير «سي آي إيه»، ليون بانيتا، خلال زيارة للأخير هنا عطلة نهاية الأسبوع الماضي، أن باكستان لن توافق على طلبه بالسماح للوكالة الأميركية بإجراء عمليات مستقلة داخل باكستان، حسبما أفادت به مصادر باكستانية وأميركية.

وسلط بيان طويل صدر في أعقاب الاجتماع الشهري المطول الذي اعتاد الجنرال كياني عقده مع قادة الفيالق الـ11، الأسبوع الماضي، على العداء المتنامي تجاه واشنطن، على الرغم من استمرار دورها كأكبر راع لإسلام آباد، حيث تمدها بملياري دولار سنويا على الأقل.

وذكر البيان، الذي رمى لإعادة حشد التأييد داخل الجيش وبين العامة، أن التدريب الأميركي داخل باكستان كان دائما عند أدنى حد ممكن، وقد انتهى الآن. وأشار البيان إلى أنه «يجب توضيح أن الجيش لم يقبل قط بأي مساعدات تدريبية من جانب الولايات المتحدة، فيما عدا التدريب على الأسلحة التي تم ضمها حديثا للمؤسسة العسكرية، وبعض المساعدات التدريبية لفيالق الحدود فقط»، في إشارة إلى قوات شبه عسكرية مرابطة في المناطق القبلية شمال غربي البلاد.

وأعرب مصدر باكستاني مطلع، التقى الجنرال كياني مؤخرا، عن اعتقاده بأن السماح للهجمات الأميركية باستخدام طائرات من دون طيار كان «أمرا غير قابل للاستدامة سياسيا». وفي إطار آلية السعي للبقاء، بإمكان الجنرال كياني إصدار أوامر للأميركيين بوقف برنامج هذه النوعية من الهجمات تماما، حسبما أفاد به المصدر.

يذكر أن الباكستانيين أعاقوا بالفعل إمدادات الغذاء والمياه الموجهة للقاعدة المستخدمة في شن هذه الهجمات، حسبما ذكر مسؤول أميركي رفيع المستوى، مضيفا أن الباكستانيين يعمدون تدريجيا إلى «خنق التحالف» عبر تصعيب الأمور أمام الأميركيين داخل باكستان.

وقد تسببت الفوضى داخل الجيش الباكستاني في تراجع الحالة المعنوية في صفوف أبنائه لأدنى مستوى لها منذ خسارتهم الحرب أمام باكستان الشرقية عام 1971، المعروفة الآن باسم بنغلاديش، تبعا لما أفاد به مراقبون. وتنبع مشاعر الغضب والصدمة من حقيقة أن إدارة أوباما قررت عدم إخطار الباكستانيين مسبقا بشأن الغارة التي استهدفت بن لادن، وأن باكستان كانت حينذاك عاجزة عن رصد أو منع الغارة.

وذكر ضابط سابق بالجيش أنه، حتى القائد العسكري لفتنانت جنرال طارق خان، المعروف بولائه لواشنطن، الذي قضى أكثر من عام داخل مقر رئاسة القاعدة المركزية في تامبا بفلوريدا في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، انضم مؤخرا لصف المشاعر الوطنية المغالية في مواجهة الأميركيين. وأعرب جنود باكستانيون سابقون عن اعتقادهم بأن الغضب الثائر ضد الأميركيين يزيد من صعوبة تحفيز الجنرال كياني للجيش لمقاتلة «طالبان» الباكستانية، في إطار ما يجري النظر إليه على نحو متزايد باعتباره حربا تخوضها باكستان نيابة عن الولايات المتحدة.

وكتب طلعت حسين، وهو صحافي بارز يكتب باستمرار على نحو إيجابي عن المؤسسة العسكرية، في مقال له في صحيفة «دون» الاثنين: «مما زاد الإحباط والغضب العام نمط الحياة الذي يعتنقه كبار قيادات الجيش من جميع الأسلحة»، مشيرا إلى «التناقض بين واقع حياة النخبة العسكرية على حساب الدولة والوضع العام للمواطنين العاديين». وعلى الرغم من الموارد التي يلتهمها الجيش (قرابة 23 في المائة من إجمالي النفقات السنوية الباكستانية) بدا عاجزا منذ غارة 2 مايو. وازدادت مشاعر الصدمة باختراق شنته قوات لـ«القاعدة» بعد ثلاثة أسابيع على أكبر قاعدة بحرية بالبلاد خلف وراء 10 ضباط أمن قتلى. وطبقا لملحوظات دونها أحد المشاركين في الجلسة التي عقدت في جامعة الدفاع الوطنية، اعترف الجنرال كياني بأن باكستان رهنت نفسها لدى الولايات المتحدة. وفي شرحه لتشبيهه باكستان ببيت مرهون لدى الولايات المتحدة، قال الجنرال كياني إنه إذا قدم أحد منزله لآخر مقابل قرض، وعجز عن سداد القرض، فسيتدخل حامل الرهن، حسبما أفاد به المصدر المشارك في الجلسة. وقال الجنرال، حسبما أضاف المصدر: «إننا لا حول لنا ولا قوة. هل نحن قادرون على محاربة أميركا؟».

* أسهم بير زبير شاه في هذا التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»