المغرب يتجه إلى «الملكية الدستورية» مع بقاء الملك «رأسا للدولة وضامن وحدتها»

الدستور الجديد يمنح رئيس الحكومة صلاحيات واسعة بينها تعيين وإقالة الوزراء وكبار الموظفين

الملك محمد السادس يلوح لمواطنين في موقع تفجير 28 أبريل بعد يومين على وقوعه في مراكش (رويترز)
TT

في الوقت الذي كان منتظرا فيه أن يوجه العاهل المغربي الملك محمد السادس، مساء أمس، خطابا إلى الأمة، يتطرق فيه إلى مشروع الدستور المرتقب، قالت مصادر حزبية في المغرب إن الدستور الجديد ينص على أن المغرب سيصبح «ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية اجتماعية»، وستمنح صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة كانت من قبل من صلاحيات الملك، ومن ذلك تعيين وإقالة الوزراء وكبار موظفي الدولة، ومنح البرلمان سلطات تشريعية واسعة لم تكن له من قبل. وينص مشروع الدستور الجديد، على أن الملك هو «رئيس الدولة والحكم بين مؤسساتها وضامن وحدتها، ويسهر على احترام الدستور والتعهدات الدولية».

وكان العاهل المغربي ترأس، أمس، وقبل أن يوجه خطابه للشعب المغربي، مجلسا للوزراء، تمت خلاله المصادقة على مشروع الدستور الجديد. وقال بيان للديوان الملكي إن المجلس استمع إلى تقرير مفصل حول الدستور الجديد، وعبر قادة الأحزاب السياسية التي تشكل الائتلاف الحكومي وهم عباس الفاسي الأمين العام لحزب الاستقلال، وصلاح الدين مزوار، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، ومحند العنصر الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، ومحمد اليازغي عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وخالد الناصري عن حزب التقدم والاشتراكية عن ارتياحهم العميق لهذا المشروع المؤسس لمنظومة مؤسسية ديمقراطية متقدمة، وكذا عن تقدير الحكومة بكل مكوناتها لقرار الملك إشراك الأحزاب السياسية والنقابات في صياغة الدستور الجديد.

وقرر مجلس الوزراء قانونا يتعلق باستعمال الوسائل المرئية والمسموعة خلال الحملة من أجل الاستفتاء على الدستور. كما أقر زيادة في رواتب جميع موظفي الدولة والقوات المسلحة الملكية. وكان قادة الأحزاب السياسية والنقابات قد عبروا عن موقف إيجابي إزاء مشروع الدستور، بعد تسلمهم نسخة من مسودته، الليلة قبل الماضية، خلال اجتماع مع «لجنة التتبع والتشاور» التي يرأسها محمد المعتصم مستشار الملك محمد السادس.

ودعت مختلف الأحزاب السياسية هيئاتها إلى الاجتماع في الأيام المقبلة لمناقشة ما ورد من تعديلات في الدستور. وقال مصدر حزبي لـ«الشرق الأوسط» إن الاجتماع مع المعتصم استغرق أربع ساعات وقدمت مختلف الأحزاب ملاحظاتها حول المشروع الجديد، إلا أنه لا يعرف إن كانت تلك الملاحظات ستترجم إلى تعديلات جديدة، أم أن النسخة المقدمة لهم نسخة نهائية. ونقلت وكالة الأنباء المغربية عن عدد من قادة الأحزاب والنقابات عقب انتهاء اجتماعهم مع المعتصم قولهم إن الدستور الجديد «استجاب لمجموع المطالب التي تقدمت بها الهيئات السياسية والنقابية والمجتمعية من خلال المذكرات التي رفعت للجنة الاستشارية لمراجعة الدستور». وكان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المشارك في الحكومة، قد انتقد منهجية التشاور مع الأحزاب السياسية بشأن تعديل الدستور، وطالب كذلك بإصلاحات سياسية عميقة تواكب الإصلاحات الدستورية.

وقال عباس الفاسي، الأمين العام لحزب الاستقلال، الذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي، إن مسودة مشروع الدستور «فاجأت رؤساء الأحزاب والنقابات من خلال الإجراءات والتدابير الجريئة» التي نصت عليها، والتي من شأنها جعل المغرب يدخل غمار مرحلة جديدة قوامها العدالة والمساواة وإقرار الحقوق والحريات في مختلف تجلياتها.

من جهته، أوضح محمد الشيخ بيد الله، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، أن «مشروع الدستور ديمقراطي ومتقدم إلى حد كبير، كما يترجم التوافق العام حول النقاط الإيجابية الكفيلة ببناء مغرب الغد بكل ثقة»، مضيفا أن «هذه الوثيقة في نسختها الحالية تدعو النخبة السياسية إلى تبني توجه أكثر ديمقراطية والانخراط في تسيير مؤسسات الدولة وفق منظور جديد».

وفي نفس السياق، قال نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، المشارك في الحكومة، إن هذا المشروع «يستجيب بشكل كبير للمقترحات التي تقدم بها الحزب، إلى جانب باقي الهيئات السياسية، والذي سيجعل المغرب يدخل غمار عهد جديد، لا سيما من خلال إقرار فصل حقيقي بين السلط التنفيذية والتشريعية والقضائية وتعزيز الحريات الأساسية، وبالتالي الرقي بالمملكة إلى مصاف الدول الرائدة ديمقراطيا».

ومن جانبه، أوضح امحند العنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، المشارك في الحكومة، أن مشروع الدستور جسد بشكل واضح مضامين الخطاب الملكي لـ9 مارس (آذار) إلى جانب الاقتراحات التي تقدم بها الحزب في مذكرته بشأن المراجعة الدستورية.

وبدوره، اعتبر عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الذي قاد حملة إعلامية واسعة قبل أسبوع للدفاع عن المرجعية الإسلامية للدولة في الدستور المقبل، أن مشروع الدستور استجاب لأغلبية المطالب التي تقدمت بها الأحزاب السياسية، مشيرا إلى أن الحسم في مضامينه سيتأتى خلال الاجتماع الذي ستعقده الهيئات التقريرية للحزب بهذا الشأن. وقال، حميد شباط الأمين العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، إن «هذا الدستور الذي استطاع التوفيق بين مختلف ألوان الطيف السياسي والنقابي وجمعها على كلمة واحدة سيجعل المملكة ترقى إلى مصاف الدول الأكثر ديمقراطية، مؤكدا على ضرورة انخراط جميع الفعاليات السياسية والنقابية في إنجاح الاستفتاء المقبل حول مشروع الدستور وجعله محطة بارزة في تاريخ المغرب الحديث».

من جانبه، أبرز الميلودي الموخاريق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، أن مشروع الدستور لبى الكثير من المطالب التي تقدمت بها مطالب النقابات، لا سيما الاحتفاظ بالغرفة الثانية بالبرلمان كمؤسسة تضطلع بدور الدفاع عن مطالب الطبقة العاملة. وأوضح محمد يتيم، الأمين العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أن «مشروع الدستور تضمن عددا من المقتضيات المتقدمة على مستويات عدة، مقارنة بالدساتير السابقة».

من جهتها طالبت أربع منظمات غير حكومية في بيان لها صدر أمس بدسترة الحق في الصحة، وإنشاء مجلس أعلى للصحة، كما طلابت تلك المنظمات وهي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، واتحاد العمل النسائي، والمنظمة الأفريقية لمحاربة الايدز، بإدراج محاربة العنف المبني على النوع الاجتماعي كمحور أولوي داخل الاستراتيجية المغربية للصحة، والتسريع بتعميم التامين الصحي الإجباري، وخاصة لفائدة الفئات الاجتماعية المعوزة ودسترة المساواة الفعلية بين النساء والرجال. إلى ذلك، أصدر المجلس الأعلى للاتصال المرئي والمسموع، توصية تتعلق بضمان تعددية التعبير عن تيارات الفكر والرأي في وسائل الاتصال المرئي والمسموع لكافة الأحزاب السياسية والنقابات المؤسسة بصفة قانونية، وذلك خلال فترة الاستفتاء على الدستور الجديد وذلك من أجل «تنوير المواطن في اختياراته، قصد مساعدته على تكوين رأيه بكل حرية بغرض ممارسة حقه في التصويت المرتبط بشرط ضمان الطابع التعددي والنزيه للإخبار»، كما أوصى بفتح برامج التلفزيون خلال فترة الاستفتاء، أمام جميع تيارات الفكر والرأي، وكذا أمام السياسيين والنقابيين والاقتصاديين والأكاديميين والمثقفين والمجتمع المدني.