عشرات الآلاف يتحدون النظام.. ومظاهرات عارمة في دمشق.. وحلب تخسر أول قتيل

يوم دموي جديد في «جمعة الشيخ صالح العلي».. وناشطون يتحدثون عن 16 قتيلا

شاب من مدينة درعا يقف في مواجهة دبابة حاملا لوحة منددة بالنظام السوري
TT

رغم التعزيزات العسكرية والحصار التي تعاني منه مدن سورية كثيرة، وإعلان رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، تخليه عن أعماله التجارية لصالح الأعمال الخيرية، تحدى عشرات الآلاف من السوريين قمع الأمن أمس، وخرجوا في مظاهرات عمت أنحاء البلاد في «جمعة الشيخ صالح العلي»، ومن بينها درعا وإدلب.

ولم يمر يوم أمس من دون قتلى وإصابات جديدة، وسقط من بين القتلى والمصابين أطفال، إذ قالت جماعة نشطاء تنسق الاحتجاجات الشعبية في سوريا إن قوات الأمن قتلت بالرصاص نحو 16 محتجا. وأضافت جماعة لجان التنسيق المحلية في بيان، أن عدد القتلى يشمل أول محتج يسقط قتيلا في حلب، ثاني أكبر مدن سوريا. وقال ناشطون إن الطفل أنس الحريري البالغ من العمر 13 عاما، قتل في داعل في درعا، برصاص رجال الأمن.

وقال شهود عيان في بلدة دير الزور الشرقية إن شخصين قتلا بالرصاص عندما حاولا تمزيق صور للأسد وأبيه الذي حكم سوريا لمدة 30 عاما حتى وفاته في عام 2000. وقال التلفزيون الحكومي السوري إن مسلحين قتلوا فردا في قوات الأمن في حمص وأصابوا عشرين آخرين. وقال ناشطون إن عشرات الآلاف احتشدوا في درعا مهد الانتفاضة المستمرة منذ ثلاثة أشهر ضد حكم الأسد، وفي مدينتي حمص وحماة شمالي دمشق، وفي ضواح حول العاصمة نفسها.

ومن التطورات المهمة التي سجلت أمس، انتشار المظاهرات في قرى جديدة في ريف محافظة حلب، بالإضافة إلى مظاهرات في أحياء وسط حلب رغم السيطرة الكبيرة للأمن والشبيحة على المدينة، والتي حالت خلال الأشهر الماضية دون انخرط مدينة حلب في حركة الاحتجاجات. وفي قلب مدينة حلب، خرجت مظاهرة في حي سيف الدولة، حيث تحدى المتظاهرون قوات الأمن والشبيحة، ووقعت اشتباكات أسفرت عن إصابة عدد من المتظاهرين وسقوط قتيل.

أما التحدي الأبرز فكان في محافظة أدلب التي تتمركز فيها وحدات من الجيش السوري، بعدما قامت بعمليات واسعة في مدينة جسر الشغور وتخوض عملية أكبر في مدينة معمرة النعمان. ورغم نزوح معظم أهالي مدينة المعرة، فإن من تبقى منهم خرج أمس في مظاهرة بعد صلاة الجمعة، وهتف المتظاهرون لإسقاط النظام.

وبعد يومين على رفع مؤيدي النظام أكبر علم سوري في مسيرة بدمشق، بطول 2500 متر، خرج المتظاهرون السوريون أمس حاملين العلم السوري. ورفع متظاهرون قدر عددهم بمئات الآلاف في حماة علما قالوا إن طوله بلغ 3000 متر، وتم رفعه على طول الشارع الواصل بين مدخل المدينة حيث كان تمثال الرئيس السابق حافظ الأسد الذي أزالته السلطات المحلية الأسبوع الماضي، وحتى ساحة العاصي وسط المدينة. وقالت مصادر محلية إن «السلطات أنذرت في وقت سابق أهالي حماة من مغبة الاستمرار في التظاهر والدعوة إلى إضراب عام، لا سيما أن دبابات الجيش وصلت إلى محيط المدينة، فكان رد المحتجين أنه لو تم إطلاق رصاصة على المتظاهرين سيدعون إلى إضراب عام لمدة شهر وليس فقط أيام».

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي من لندن، إن «عددا من أهالي حماة خرجوا يوم أول أمس الخميس لرؤية الدبابات التي باتت على مشارف المدينة، وأنهم حملوا معهم مأكولات ومشروبات للجنود للترحيب بهم، لكن ولدى تكاثر أعداد الأهالي قام الجيش بإطلاق نار في الهواء لتفريقهم».

وبحسب المصادر، فإن أعدادا كبيرة من أبناء ريف حماة يشاركون في مظاهرات المدينة، حيث تخرج أعداد كبيرة من أبناء الريف إلى الطريق العام لتقوم سيارات نقل عام بنقلهم إلى وسط حماة، وهذا ما يدفع السلطات إلى إغلاق الطرق وقطع الاتصالات. ويوم الخميس تم قطع طريق الذهاب بين مدينتي حمص وحماة. أما الذاهبون إلى شمال البلاد فتم تحويلهم إلى طريق فرعي لا يمر بمدينة حماة التي شهدت أمس مظاهرة عارمة تجمعت في ساحة العاصي، وتم رفع أطول علم كتب عليه «حماة لن تركع» في تحد للنظام الذي سير مظاهرة تأييد يوم الأربعاء. وهتفوا مخاطبين شباب دمشق «يا شباب الشام يا شباب الشام.. نحن في حماة أسقطنا النظام».

ورغم الحصار والقمع الشديد الذي تعرضت له مدينة الرستن الواقعة بين مدينتي حمص وحماة، فقد خرجت أمس مظاهرة بعد صلاة الجمعة استمرت لعدة ساعات، رغم الوجود الأمني والعسكري في المدينة. وفي بلدة تلبيسة القريبة من الرستن، خرجت مظاهرة عارمة. ويتحدث ناشطون من المنطقة عن «مجازر» ارتكبها النظام في تلبيسة والرستن خلال الشهرين الماضيين.

وعلى غرار العلم الذي رفعه أهالي حماة، رفع أهالي حي باب السباع في مدينة حمص العلم السوري بمئات الأمتار. كما خرجت مظاهرات في حي الخالدية، وحاولت الوصول إلى ساحة الساعة لملاقاة مظاهرة باب السباع، إلا أن رصاص الأمن كان لهم بالمرصاد وجرى تفريقهم، وتمت محاصرة المتظاهرين في حي الخالدية وقريبا من جامع خالد بن الوليد.

كما حوصر متظاهرون في حي البياضة في حمص، وتحدثت مصادر محلية عن وقوع إصابات كثيرة في إطلاق رصاص جرى في شارع الستين، لدى محاولة متظاهرين من عشيرة الفواعرة وآخرين من حي دير بعبلة، عبور الشارع باتجاه حي البياضة لمؤازرتهم. وقالت السلطات السورية إن عنصرا من قوات حفظ النظام قتل في حمص، في حين أعلن ناشطون عن سقوط قتيلين من المتظاهرين.

وفي مدينة القصير في محافظة حمص، والتي تخرج فيها مظاهرات يومية ليلية ومظاهرات كل يوم جمعة منذ ثلاثة شهور من دون تسجيل أي احتكاك مع الأمن، جرى أمس إطلاق نار لتفريقهم لدى تجمعهم أمام منزل أهالي أحد المتظاهرين الذي قتل تحت التعذيب الشهر الماضي.

وفي تطور مهم، شهدت العاصمة دمشق أكثر من مظاهرة في أكثر من حي، إلا أن أبرز التطورات كانت في حي الميدان، حيث قامت قوى الأمن والشرطة بمحاصرة جامع الحسن الذي دأب المتظاهرون على الخروج منه كل يوم جمعة، واحتجاز أكثر من 700 من المصلين داخله. وبينما كانت الأسابيع الماضية تجري عمليات كر وفر بين المتظاهرين وعناصر الأمن في الشوارع والأحياء المحيطة بجامع الحسن، قامت قوات الأمن أمس بمحاصرة جامع الحسن وبداخله الشيخ كريم راجح الذي يحتل مكانة مرموقة لدى أهالي المدينة.

وقال ناشطون إنهم قاموا بتأمين درع بشري له ليمكنوه من الخروج من المسجد بعدما سمح الأمن له بذلك مع بعض المصلين من كبار السن والعجزة، إذ قام الأمن بإغلاق الجامع ومحاصرته وإطلاق قنابل الغاز. كما تُرك الشبيحة ليهجموا على المصلين ويضربوهم بالهراوات. وتم رشق الحجارة باتجاه الجامع مما أدى إلى تحطيم عدد من نوافذه. وبينما كان الأمن منشغلا عند جامع الحسن، خرجت مظاهرة من جامع الدقاق في الميدان نادت بالحرية وإسقاط النظام، وهتفت ضد بشار وماهر الأسد ورامي مخلوف. أما المظاهرة التي انطلقت من قرب جامع الخياط في منطقة الجادات بحي المهاجرين في دمشق فكانت المؤشر الأخطر بالنسبة للنظام، حيث توجد مشكلات كبيرة في المنطقة على خلفية استملاك الدولة لمساحة كبيرة من الحي، وإنذار الأهالي بالإخلاء. وتبذل السلطة كل جهودها لمنع وصول شرارة الاحتجاجات إلى تلك المنطقة المحيطة بالقصر الجمهوري ومنازل المسؤولين والسفارات.

أما في ريف دمشق، فقد عادت المدن للانتفاض وعلى نحو أشد رغم كل محاولات إخمادها سواء بالقمع أو الطرق الدبلوماسية التي أثبتت فشلها، فخرجت في حرستا مظاهرات حاشدة وكذلك في القدم والحجر الأسود والمعضمية ودوما وعربين وقطنا وكفر بطنا والتل والزبداني ومضايا. وهذه الجمعة تمكن المتظاهرون من رصف حشودهم في محاولة للتجمع في أماكن واحدة، حيث خرجت مظاهرات ضخمة في مدينة سقبا وحمورية وكفربطنا وجسرين، وقامت بالتوجه إلى ساحة الكركون في كفربطنا.

وأهم تطور في مظاهرات ريف دمشق كان خروج مظاهرة حاشدة في بلدة قارة منطقة القلمون وسط البلاد، التي كانت حتى يوم أمس لم تشهد مظاهرات بعد. وفي اللاذقية على الساحل السوري، خرجت مظاهرات كبيرة في حي الرمل الجنوبي والسكنتوري وبستان السمكة وعين التمرة ردا على المظاهرة المؤيدة التي حدثت في دمشق.

وفي مدينة جبلة الساحلية، تمكنت قوات الأمن من منع المتظاهرين من الوصول إلى ساحة الحرية، حيث أغلق الشارع المؤدي إليها. وتم تفريق المتظاهرين.

وفي دير الزور (شرق)، خرجت مظاهرات في المدينة وفي قرية القورية القريبة منها وفي مدينتي البوكمال والميادين، وهتفت الجموع «الشعب والجيش إيد بإيد.. وغير إسقاط النظام ما نريد». وفي شمال شرقي البلاد حيث تتركز الأغلبية استمرت مدن القامشلي وعاموا ورأس العين وغيرها، في الخروج للتظاهر كل يوم جمعة، وطالب المتظاهرون بسحب الجيش من المدن التي دخلها.