اشتباكات في طرابلس على خلفية الانتفاضة السورية.. ومقتل قائد عسكري بحزب علوي

ميقاتي: نوجه رسائل محبة ويردون علينا بالدماء

TT

انعكست التوترات في الداخل السوري، اشتباكا مسلحا في طرابلس (شمال لبنان) بعد ظهر أمس بين منطقتي جبل محسن ذات الأغلبية العلوية، ومنطقة باب التبانة ذات الأغلبية السنية، استخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة، ووقع على أثرها أكثر من قتيل وعدد من الجرحى بينهم مدنيون وعسكريون من الجيش اللبناني. كما قتل المسؤول العسكري في «الحزب العربي الديمقراطي» (العلوي) علي فارس، مما صعد من حدة الوضع.

وبدأت الاشتباكات بعد ساعات من وصول رئيس الوزراء نجيب ميقاتي إلى طرابلس وقبل ساعات من موعد حفل استقبال كان يتم التحضير لإقامته في مركز الصفدي الثقافي، يضمه إلى جانب وزرائه الطرابلسيين الأربعة لتهنئتهم بالحكومة الجديدة. وجابت سيارات الإسعاف شوارع المدينة، كما أغلقت المحلات التجارية بعد أن دوى صوت القصف عاليا في بعض الأحياء. وأعلن عن مقتل شخصين وجرح ثمانية بعد 4 ساعات على بدء الاشتباكات.

ووقعت الاشتباكات بعد مظاهرة دعا إليها الطلاب السوريون في الجامعة اللبنانية كعادتهم كل جمعة، انطلقت من منطقة القبة المحاذية لجبل محسن، باتجاه ساحة النور على مدخل طرابلس، منددة بالنظام السوري. وقال طالب لبناني شارك في المظاهرة لـ«الشرق الأوسط»: «انطلقنا كطلاب سوريين ولبنانيين من مركز (رابطة الطلاب المسلمين) وكان عددنا قليلا يقدر بمائتي شخص، لكننا فوجئنا بانضمام عدد كبير من المتظاهرين إلينا، خرجوا من مسجد حمزة، بدا عليهم أنهم من السلفيين، وتأكدنا من ذلك حين هتفوا بشعارات إسلامية وسلفية، وهم يحملون رايات كتب عليها (لا إله إلا الله)».

وأضاف الطالب، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه: «استمرت المظاهرة على هدوئها حتى وصلنا إلى ساحة النور، لكنني شعرت بالخوف وأحسست بأن ثمة ما يحضر، حين بدأ السلفيون ينادون بالميكروفونات بأن على الجميع أن يكملوا المظاهرة ويتوجهوا إلى باب التبانة. عندها أخذت أقول للطلاب: لن نذهب إلى التبانة، وأتصل هاتفيا بمن لم أعثر عليهم قربي من الزملاء، لأمنعهم من إكمال المظاهرة إلى هناك». وتابع يروي: «أؤكد أن لا علاقة على الإطلاق لا للطلاب السوريين ولا اللبنانيين بما حدث بعد ذلك، إذ إنهم تمنعوا عن التوجه إلى التبانة، وعادوا أدراجهم». وأكمل الطالب اللبناني: «لكن ما عرفته بعد ذلك أن هذه المجموعة التي كانت قد انضمت إلينا أكملت طريقها إلى التبانة، وبدأت التعدي على جبل محسن، وحاولت الدخول إلى المنطقة، فمنعهم الجيش وبدأت الاشتباكات».

مصدر مطلع في منطقة باب التبانة، رفض الكشف عن اسمه، قال «لا نعرف من الذي شارك من القبة، لكن نحن من جهتنا رفضنا المشاركة بشكل رسمي لحساسية الوضع في المدينة، ومنطقة مرور المظاهرة تحديدا لا سيما ساحة النور المحسوبة على آل كرامي، وبعض شبابنا ذهبوا بشكل فردي، وعند عودتهم، هم وشبان آخرون من منطقة القبة لا نعرف هوياتهم، أطلق عليهم رشقات رصاص وقنبلة صوتية من جبل محسن، مما جر الاشتباك بين المنطقتين».

رفعت علي عيد، مسؤول العلاقات السياسية في «الحزب العربي الديمقراطي» (العلوي) في منطقة جبل محسن، الذي كان مشغولا بتلقي اتصالات، من مسؤولين سياسيين وعسكريين، أمس، لوضع حد للانفلات الأمني، كان يقول للمتصلين: «إن هم أرادوا التهدئة هدأناها، وإن أرادوا إشعالها أشعلناها». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «(أول) أمس (الخميس) قاموا بمظاهرة وشتمونا ورشقونا بالحجارة، واليوم أيضا شتائم للطائفة العلوية وبشار الأسد وسوريا وضرب رصاص وقنابل، هذا وضع لا يحتمل. لقد فلتوا صبيانهم علينا».

وكانت مظاهرة قد خرجت من باب التبانة أيضا مساء أول من أمس (الخميس)، باتجاه سرايا طرابلس، وقال أحد منظميها لـ«الشرق الأوسط»: «هناك ثمانية موقوفين سوريين من تلكلخ في السجن تتهمهم السلطات اللبنانية بأنهم دخلوا البلاد بشكل غير شرعي، نحن وكلنا لهم محامين للدفاع عنهم، لكننا علمنا مساء الخميس، بأن ثمة نية لتسليم أحدهم للسلطات السورية، فخرجنا بطريقة عفوية، في طريقنا إلى السراي بعد أن قطعنا الطريق الدولي، وهنا قيل لنا بعد اتصالات مع المسؤولين: افتحوا الطريق، نفرج عن الموقوف السوري. وقد تم الإفراج عنه بالفعل، ونعتقد أن الآخرين سيفرج عنهم أيضا. أما مظاهرة اليوم (الأمس) فنحن كنا نستريب في المشاركة فيها».

وتساءل: «نحن بالفعل لا نفهم أن يتم افتعال هذا الإشكال مع وصول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى طرابلس، ونتساءل أيضا لماذا تطورت المظاهرة الصغيرة التي يقوم بها الطلاب السوريون كل جمعة، هذه المرة وليس في مرات ماضية؟ من المستفيد من التصعيد في الوقت الحالي، وإقحام الجيش في معركة لا يستفيد منها أحد؟».

إلى ذلك عقد رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي مؤتمرا صحافيا في طرابلس مساء أمس، بينما كانت الاشتباكات المسلحة بين منطقتين في المدينة هما جبل محسن وباب التبانة لا تزال متواصلة، وأصوات الرصاص والقذائف لا تتوقف. وعبر ميقاتي خلال مؤتمره الصحافي عن «مفاجأة يد الفتنة» له أثناء زيارته للمدينة، قائلا: «إن توقيت ما يجري في طرابلس مريب، ونؤكد أن السلم الأهلي خط أحمر. نحن نفهم أن تكون المعارضة سلمية، ومخطئ من يعتبر نفسه أقوى من الدولة أو أنه سيفلت من العقاب. كلفت الأجهزة المعنية بالتحقيق في الأحداث التي حصلت اليوم وندعو أهلنا في طرابلس إلى وعي الأهداف الخبيثة من وراء ما يحصل».

ورفض ميقاتي اتهام المعارضة بتأجيج الاشتباكات، مفضلا انتظار التحقيقات «إذ لا دليل عندي على ذلك» وقال: «نحن ننتظر نتائج التحقيقات، ونقوم بواجبنا لقطع دابر الفتنة، وبنتيجة الاتصالات التي أجريتها، أنا على يقين بأن هذا الأمر سيوضع له حد خلال الساعات القليلة القادمة». مضيفا «من أينما جاءت هذه الرسالة، المهم أن لا تدفع طرابلس الثمن. نحن نوجه رسائل محبة ونتلقى رسائل دماء».

وعقد ميقاتي مؤتمره الصحافي وإلى جانبه وزراؤه الأربعة من أبناء طرابلس الذين كانوا في زيارة للمدينة لتلقي التهاني بتعيينهم، وبتشكل حكومة لمدينة طرابلس فيها حصة الأسد. وقال ميقاتي: «الأمن والإنماء أولا، لهذه المدينة. فهذه فرصة لطرابلس، ولن نسمح لأحد بأن تمتد يده إليها»، مؤكدا لمرة جديدة «أن القوى الأمنية ستكون صارمة في وضع حد لما يحصل».