أحمد درويش لـ«الشرق الأوسط»: أؤمن ببراءة بعض الوزراء السابقين من تهم الفساد

وزير التنمية الإدارية السابق: مبارك رفض نشر تقارير الفساد.. وقال لي: هذه مواضيع تناقشها مع زملائك

أحمد درويش
TT

لم ينسَ وزير التنمية الإدارية السابق، الدكتور أحمد درويش، يوما أنه مهندس قبل أن يكون وزيرا؛ لذلك برر مشاركته في حكومة الدكتور أحمد نظيف قبل اندلاع ثورة «25 يناير»، التي أطاحت بنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك، بأنه «حاول إصلاح ماكينة الحكم»، التي لم يتوقع أحد يوما أن تواجه عاصفة الجماهير.

أشار درويش، الذي أطيح به في أول وزارة شكلها مبارك، برئاسة الفريق أحمد شفيق، عقب ثورة «25 يناير» في حواره مع «الشرق الأوسط» إلى أن «إقصاءه كان متعمدا»؛ لأن أيا من رموز السلطة في البلاد لم يكن يرغب في أن يأتي وزير آخر لكشف وقائع الفساد في مصر. وقال درويش إن الرئيس السابق طلب منه ألا ينشر نتائج دراسات وزارته للرأي العام، لافتا إلى غضب عدد من الوزراء في حكومة نظيف من نشر تلك التقارير، مؤكدا أنها كانت سببا رئيسيا في موقف النظام السابق من شخصه.

درويش، الذي كان أحد الناجين القلائل من تحقيقات الكسب غير المشروع عقب الثورة المصرية، توقع براءة وزراء في حكومة نظيف، وأعرب عن اعتقاده أن اندلاع الثورة المصرية جاء نتيجة استهانة نظام مبارك بقدرة الشعب المصري على رفض الظلم.

«الشرق الأوسط» التقت درويش في القاهرة حوارا هذا نصه..

* تم إلغاء وزارة التنمية الإدارية في أعقاب ثورة «25 يناير»، وكنت آخر وزير لها، وقيل حينها إن ملف مكافحة الفساد الذي أشرفت عليه وزارتك كان السبب وراء توتر علاقتك بنظام الرئيس السابق حسني مبارك.. هل هذا صحيح؟

- فيما يتعلق بإلغاء الوزارة، أعتقد أن تشكيل وزارة 31 يناير (كانون الثاني) تم باستعجال شديد؛ لأنهم كانوا يريدون تهدئة الرأي العام والشارع بصفة عامة بعد المظاهرات الحاشدة التي خرجت في 25 يناير وحتى جمعة الغضب في 28 يناير، وكان خروجي من الوزارة وإلغاء وزارة التنمية الإدارية وقتها عن عمد؛ لأن وزارتي طالبت بأمور طبيعية موجودة في دول العالم، أبسطها أن المواطن من حقه أن يعرف عن الحكومة التي تتولى إدارة «محفظة الدولة».. فمن حقه أن يعرف أين تُصرف أموال الشعب، حتى إن نشر الموازنة العامة للدولة في الصحف لم يكن كافيا؛ لأن طريقة توزيع هذه الميزانية على الوزارات غير معروف. وكنا نرى أيضا أن من حق المواطن معرفة أداء الوزير، وكيف يستخدم الأموال المخصصة لوزارته، وإلى أي المشاريع توجه، وحتى اليوم هذه التقارير تذهب فقط إلى رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان.

* هل طالبت بإصدار قانون يعطي هذا الحق للمواطن؟

- بالفعل تقدمت بمشروع قانون تنظيم صحة تداول المعلومات ووضعته على الأجندة التشريعية لمجلس الشعب، وقد كان ترتيبه دائما ما بعد الرقم (20)، وقدرة مجلس الشعب السنوية في إصدار التشريعات من 8 إلى 10 تشريعات في السنة، وأي تشريع يوضع بعد رقم 10 يكون وضعه مقلقا، أما ما بعد رقم 20 فأعتقد أن مصيره كان معروفا.

* هل إصدارك تقرير «الأطر الثقافية الحاكمة لسلوك المصريين واختياراتهم» عام 2009 كان بداية دق ناقوس الخطر بينك وبين النظام؟

- للأمانة، من قام بهذه الدارسة هو الدكتور أحمد زايد، عميد كلية الآداب جامعة القاهرة، وفريق عمل متخصص، وقد كانت أكبر دراسة من نوعها في الشرق الأوسط، وتمت مراعاة الأسس السليمة للأسلوب العلمي في البحث من خلال استبانة بها 169 سؤالا لعينة من 2000 مواطن مصري تنوعت طبقاتهم الثقافية، وتولت الوزارة الإشراف على هذه الدراسة وتمويلها، وضمت في عضويتها عددا من الرموز السياسية والفكرية من أمثال زياد بهاء الدين والدكتور ماجد عثمان والقيادي الوفدي منير فخري عبد النور والبرلمانية جورجيت قلليني، فضلا عن مندوب من وزارة الخارجية والجهاز المركزي للمحاسبات وبعض جهات الدولة الأخرى، لكن مع الأسف كانت مشكلة النظام، رأس النظام نفسه، مع نشر هذه النتائج، وليس المحتوى الذي كشفت عنه الدراسة.

* لهذا السبب اتصل بك الرئيس السابق مبارك؟

- نعم، هذا صحيح.. تلقيت اتصالا من الرئيس السابق حسني مبارك ليسألني عن التقرير، وقد اندهشت لأن التقرير لم يصل إليه من الأساس قبل نشره في الصحف على الرغم من أنني أودعته لدى الدكتور زكريا عزمي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق، وعلم الرئيس لاحقا عن التقرير من خلال الصحف التي نشرت مقتطفات منه. وقد قال لي مبارك إن نشر هذه النوعية من التقارير مرفوض؛ لأن إطلاع الرأي العام عليها يسبب بلبلة للناس، وقال لي: هذه مواضيع تناقشها مع زملائك.. رأيه كان أنه يجب أن نطلع الوزراء الآخرين على نتائج الدراسة لتقديم الحلول.

* وماذا كان ردك؟

- قلت له: يا سيادة الرئيس نحن في عصر الآن لا يمكن أن تخفى به معلومة، واللجنة التي شاركت في إعداد الدراسة يمكن أن تسرب نسخا من التقرير بطريقة ما، ولا أحب أن يقال إن الحكومة تخفي تقارير مثل هذه؛ لأن هذا يعني أنها تتستر على أمر مخجل أو تخاف أن يطلع عليه الناس، كما أن أي إصلاح اقتصادي تريده الحكومة يجب أن يصاحبه إصلاح مجتمعي أساسه الشفافية لكي يقتنع الرأي العام بما تقوله الحكومة.

* هل أغضب هذا التقرير وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، خاصة أن نتائجه صنفت فئات المجتمع الأكثر فسادا على التوالي: رجال الأعمال–التجار–رجال الشرطة؟

- بالفعل، أغضب التقرير العادلي كثيرا، وشعر أنني أزايد عليه وعلى مرؤوسيه، وقد كان رافضا، من حيث الأصل، أن يوضع ضابط الشرطة ضمن نموذج الأسئلة المطروحة على المواطن العادي، كما أنه اعترض على نشر نتائج التقرير كذلك.

* هل تناقشت معه بشأن التقرير؟

- نعم، وقد قلت له حينها إن كون الضباط جزءا من الدراسة أو لا لن يغير من قناعات الناس، وإن الواجب هو أن تقوم وزارة الداخلية بإصلاح سلبياتها أو تغيير الصورة المشوهة عند الناس.

* هل حذرت يوما من المظاهرات الفئوية؟

- نعم، لكن النظام السابق لم يلتفت للدراسة التي قدمتها حول ضرورة إعادة هيكلة النظام الإداري والوظيفي في مصر من خلال الفصل بين تسعير الشهادة العلمية والمدة البينية للخبرة، ولم يؤخذ بها سوى في فئة المدرسين فقط؛ لأن تعدادهم نحو مليون يذهبون إلى صناديق الانتخابات ويمكن أن يشكلوا قوة ضاغطة على الشارع إذا قرروا العصيان.

* متى شعرت أن النظام ضاق ذرعا بتقارير الوزارة؟

- منذ بداية صدور التقارير تباعا توقعت إلغاء الوزارة.. ومع اندلاع ثورة «25 يناير» كنت على قناعة بقرب القرار، فقد صدرت عن الوزارة 4 تقارير أقل ما توصف بها أنها تقارير ساخنة، وكانت هناك اعتراضات قوية على نشرها للرأي العام، ومع ذلك نشر بعضها، ويوم 31 يناير ومع إصدار الرئيس السابق قرارا بتشكيل حكومة جديدة، كان القرار بخروج أحمد درويش من تشكيل الوزارة الجديدة؛ لأنني لم أكن أستجيب إلا لما يمليه عليَّ ضميري، ولقد دخلت في مواقف صعبة كثيرة تمسكت فيها بموقفي، وكان ضروريا في تقدير من اتخذ قرار استبعادي أن يفوت الفرصة على أي وزير آخر سيعمل على ملف الشفافية والفساد ونشر الحقائق للرأي العام.

* هل توقعت اندلاع ثورة «25 يناير»؟

- لا.. لا.. إطلاقا.

* بوصفك أحد الذين اقتربوا من كواليس المطبخ السياسي في مصر، لماذا قامت الثورة؟

- أعتقد أن النظام استهان بقدرة الشعب المصري على رفض الظلم، ولم يتصور أحد داخل النخبة الحاكمة أن يستطيع المصريون الاتفاق وتوحيد الصف، كما كانوا يستخفون بالمثقفين وأصحاب الرأي.

* لماذا قبلت أن تكون جزءا من نظام ترى أنه استهان بالمصريين؟

- أنا مهندس، ولم أكن يوما سلبيا، وإذا رأيت يوما «ماكينة عطلانة» لا يمكن إلا أن أشمر عن ساعدي وأذهب لإصلاحها؛ لأن البديل عن الإصلاح هو أن تتخلص منها وتشتري ماكينة جديدة، وهذا الأمر لم يكن متوافرا قبل اندلاع الثورة؛ لهذا قبلت المنصب لإصلاح الماكينة.

* كيف كنت تنظر إلى ملف التوريث؟

- لم أتوقع قيام ثورة، لكني كنت أعلم أننا قادمون على فوضى كبيرة إذا رحل مبارك عن دنيانا؛ لأن الشعب المصري يختلف عن الشعب السوري، وكنت على قناعة أن التوريث لن يمر بسلام.

* بعد الثورة قام جهاز الكسب غير المشروع بالتحقيق في ثروات عدد كبير من الوزراء لم تكن بينهم..

- (ضاحكا) بالعكس أنا «صعبت عليهم»؛ فأنا الوزير الوحيد الذي باع ممتلكات خاصة به أثناء توليه منصب الوزارة وفقا لإقرارات الذمة المالية والإقرارات الضريبية، وأوراقي كلها سليمة منذ دخولي الوزارة من اليوم الأول. وقد حلفت يمين الوزارة يوم 14 يوليو (تموز)، وسلمت إقرار الذمة المالية الخاص بي في 17 يوليو.

* هل عُرضت عليك مغريات بحكم منصبك كوزير ورفضتها؟

- الناس كانوا يستغربون كثيرا، مثلا، أنني لا أملك فيلا في مارينا (بالساحل الشمالي لمصر) أو أي منتجع سياحي فاخر أو أراضي، مع أنه كان يقال لي ستدفع ثمنها، وكان ردي دائما هو لو كنت المواطن أحمد درويش ولست الوزير كنت أستطيع الحصول على فيلا في مارينا، وكانت الإجابة البديهية لا؛ لذلك كنت أرفض، والحمد لله أنني لم أستفد يوما بمنصبي كوزير.

* هل أفزعتك المعلومات التي تنشر الآن حول وقائع فساد كبار المسؤولين في مصر؟

- أعتقد أنه من الأفضل انتظار حكم القضاء، على الأقل لنتأكد إن كان هذا الفساد ناتجا عن سوء تقدير أو بلاغات كيدية أم كان بالفعل استغلالا للنفوذ.

* هل تتوقع براءة أي من الوزراء المتهمين في قضايا فساد؟

- من دون ذكر أسماء، هناك شخصيات من خلال معايشتي لهم أؤمن تماما أنهم لم يفعلوا ذلك؛ لأن هذه ليست شخصياتهم أو أسلوبهم في الحياة، وأتوقع أن ينالوا البراءة من التهم الموجهة إليهم.

* كنت صديقا شخصيا مقربا لرئيس الوزراء أحمد نظيف، وهو من رشحك للوزارة، ماذا تقول عنه اليوم؟ وهل تشعر بعبء هذه العلاقة الآن؟

- لم أشعر يوما بالعبء من صداقتي لنظيف، وهو رجل تستطيع أن تعمل معه، فهو قادر على تفويض المحيطين به لإدارة الأمور بنجاح، ولقد بدأت علاقتي به كعلاقة مهنية في الأساس منذ 10 سنوات بحكم عملنا في كلية الهندسة جامعة القاهرة.

* هل توقيع مصر على اتفاقية مكافحة الفساد يمكن أن يفيدها في استرداد الأموال المهربة للخارج؟

- بالطبع، لكن آلية الحصول على هذه الأموال تأخذ وقتا كبيرا، وهي معقدة بالفعل، ولنا في إندونيسيا والفلبين دليل على ذلك، فقد احتاجتا من 5 إلى 9 سنوات لاسترداد الأموال، لكن علينا أولا أن نثبت أن هذه الأموال تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة.

* بعد ثورة «25 يناير».. أين أحمد درويش من العمل السياسي والأكاديمي؟

- عدت إلى جامعة القاهرة كأستاذ لمادة الهندسة مرة أخرى، أما العمل السياسي فقد اعتزلته، لكني أشرف حاليا على 4 مبادرات تطوعية للمجتمع المدني لتطوير مصر في مجالات التعليم والربط بين القطاع المدني والحكومي والخاص، ومساعدة الناس في الحصول على حقوقهم على غرار أنظمة المفوض العام المتعارف عليها في العالم الغربي.

* هل تموَّل هذه المبادرات من الخارج؟

- لا، كل من يقوم عليها من المصريين المخلصين، ومن مالهم الخاص، ومهتمون تماما بالفكرة ويريدون المساهمة في بناء هذا البلد.

* هل وُجهت لك دعوات للانضمام إلى أي من الأحزاب السياسية؟

- بالفعل دُعيت للانضمام لأحزاب كثيرة، وقد أرسل لي أكثر من حزب جديد البرامج والهيكل التأسيسي.. لكني رفضت خوفا من أن يفهم أن انضمامي لأي حزب محاولة مني للترويج لشخصي مرة أخرى.

* لكنك شاركت في لجنة الحوار الوطني في 21 مايو (أيار) الماضي، وهو ما تسبب في معركة بعد رفض البعض هذه المشاركة! - الصحف قالت إنه تم الاعتراض على شخصي من قبل بعض شباب الثورة وآخرين بدعوى أنني من حكومة النظام السابق، وقالوا أيضا إنه حدث هرج كبير في القاعة وإن الدكتور صفوت حجازي أعلن رغبته في الانسحاب من اللجنة، وهذا كله غير صحيح.

* إذن ما الحقيقة؟

- وجهت لي الدعوة من الدكتور عبد العزيز حجازي (رئيس وزراء مصر الأسبق المشرف على إدارة الحوار الوطني)، وأنا أكن له كل تقدير واحترام للمشاركة في لجنة الحوار الوطني، ولم يحدث أي اعتراض على وجود اسمي في قائمة الدعوة للجنة، ولقد قال الدكتور حجازي هذا الكلام بنفسه، وللعلم الأسماء المرشحة للمشاركة تأتي من خلال لجان مشتركة للحوار وليست من خلال ترشيحات أشخاص.

* لماذا قرر د. صفوت حجازي الانسحاب إذن إن لم يكن اعتراضا على مشاركتك؟

- د. صفوت حجازي لم يطلب، ولا مرة، قائمة المدعوين للاطلاع عليها، وفقا لما قاله الدكتور عبد العزيز حجازي على المنصة في ذلك اليوم، وهناك أمور دارت في الكواليس لا أود الحديث عنها.