«الأخوات المسلمات»: نسعى إلى الوصول لمكتب الإرشاد ولن نسكت حتى يحدث ذلك

«الشرق الأوسط» قضت يوما بينهن وتعرفت على قصص حياتهن وانضمامهن للجماعة

الأخوات المسلمات أثناء الثورة المصرية (أ.ب)
TT

ثمار كثيرة لم يجنها المصريون من ثورة 25 يناير، ربما لأن الثمرة لم تنضج بعد، أو أن التربة تحتاج إلى التنقية من الشوائب والتعرض لمزيد من الضوء والشمس، لكن على الرغم من ذلك قطفت جماعة الإخوان المسلمين - المحظورة سابقا - ثمرة الثورة مبكرا، وطفت بقوة على سطح المشهد السياسي المصري باعتبارها أكبر قوة منظمة بالبلاد. وكان من أكبر هذه الثمار - حتى الآن - إشهارها أول حزب سياسي منبثق عنها هو «حزب الحرية والعدالة».

لكن علو شأن الجماعة لم يكن إيجابيا خالصا لها، فمع تركز الأنظار والأضواء عليها بدأت المخاوف تزداد في نفوس قطاعات ليست بالهينة من المصريين تجاه طبيعة فكر الجماعة ورؤيتها لما ترمي إليه من وراء إعلانها رغبتها في بناء «دولة دينية ذات مرجعية إسلامية»، مما جعل الكثيرين يقارنون بينها وبين تجارب سابقة لدول نسبت لنفسها لقب «إسلامية»، وارتكبت تحت مظلة هذا اللقب أعمال تمييز وانتهاكات صارخة للحقوق والحريات، كانت المرأة والأقليات الدينية أولى ضحاياها.

ورغم أن جماعة الإخوان سارعت لدرء هذه الشبهات والمخاوف باختيارها الدكتور رفيق حبيب، المفكر المسيحي البارز، نائبا لرئيس حزب الحرية والعدالة، فإن موقف الجماعة من المرأة يبقى من أكبر الهواجس التي تؤرق المتخوفين من التيار الديني بصفة عامة، خاصة أن الموقف الديني للجماعة يقف ضد تولي المرأة منصب الرئاسة في الدولة، ناهيك عن خلافات فقهية بين أعضائها حول تولي المرأة منصب قاضية، والتباسات حول رأيهم القطعي في ولاية المرأة بشكل عام.

هذا المناخ، دفع قطاعا كبيرا من المصريين لإعادة القراءة والتمحيص في أدبيات جماعة الإخوان المسلمين، خاصة رؤيتهم للمرأة، ليفاجأوا بآراء تؤجج المخاوف من مستقبل المرأة المصرية حال سيطرة الإخوان المسلمين على الحكم. إلا أن الصورة التي لمستها «الشرق الأوسط» من داخل الجماعة، وبين مجموعة التقتهن من «الأخوات المسلمات» تتراوح أعمارهن بين 25 و50 عاما، تبدو جد مختلفة عما ورد في كتابات كثير من الآباء المؤسسين للجماعة، وعلى رأسهم حسن البنا.

وسعيا للتعرف عن قرب على عالم المرأة داخل الجماعة، اجتمعنا في غرفة مغلقة بعيدا عن عدد من «الإخوة» كانوا في الخارج، على رأسهم إيهاب محمد، رئيس قسم الأخوات بالجماعة، وقالوا إن ذلك لإتاحة «حرية أكبر في الحديث مع الأخوات».

الحديث سيطر عليه الود والمرح، لكن نبرة «الأخوات» لم تخل من مرارة تجاه الصورة السائدة عنهن في الإعلام من أنهن «مقهورات وسلبيات»، مرارة كثيرا ما تحولت لتهكم في قول إحداهن: «أهلا بك بيننا، نحن الأخوات المعقَّدات المحبطات».

غالبيتهن يظهرن أصغر من أعمارهن. لكنهن، ضحكن وأجبن باعتزاز أن ذلك نتاج الاهتمام الذي يوليه فكر الجماعة لصحة الفرد. وأوضحت سمية، أستاذ مساعد بالمركز القومي للبحوث، أن «الاهتمام بالرياضة مبدأ عام بين الإخوان والأخوات وذلك انطلاقا من إيماننا بصفات المسلم التي حددها الإمام حسن البنا والأهمية التي يوليها الإخوان لتكوين الفرد وتدور حول ضرورة أن يكون سليم العقيدة وصحيح العبادة وقوي البدن».

يشدد حسن البنا في رسالته الأولى لقسم الأخوات على أنه «ليست المرأة في حاجة إلى التبحر في اللغات المختلفة. وليست في حاجة إلى الدراسات الفنية الخاصة، فستعلم عن قريب أن المرأة للمنزل أولا وأخيرا. وليست المرأة بحاجة للتبحر في دارسة الحقوق والقوانين، وحسبها أن تعلم من ذلك ما يحتاج إليه عامة الناس».. لكن آراء البنا بدت لي من خلال اللقاء، ليست شيئا مطلقا فالمجموعة التي التقتها «الشرق الأوسط» تمثل نخبة من أفضل العناصر النسوية، فهن فتيات وسيدات تتنوع أعمالهن بين التدريس والبحث العلمي والترجمة والطب، بل منهن من تملك مشروعا تجاريا تديره بنفسها. ويعكس كل هذا بالضرورة تنوعا في الآراء.

اللافت أيضا أنه على عكس الاعتقاد الشائع بأن المساجد تمثل الأداة الرئيسية لدى «الإخوان المسلمين» لجذب أعضاء جدد، كشفت قصص «الأخوات» عن أن التأثر بنماذج شخصية اتخذوهن كقدوة لهن والقراءة الحرة والاطلاع كانا العاملين الأبرز وراء انضمامهن للجماعة.

مثلا، دكتورة صباح، التي تملك وتدير صيدلية، قالت عن سبب انضمامها للجماعة: «انضممت للإخوان منذ 21 عاما وأتقلد بها منصبا إشرافيا كبيرا وزوجي ليس من الإخوان.. انضممت من خلال إعجابي بشخصية طبيبة نساء كانت تتردد على الصيدلية وكانت نموذجا رائعا في الفكر والأخلاق. وعندما دخلت بيتها وجدت نمط حياة مختلفا تماما عن كل ما رأيته من قبل. وكانت تستمتع بحياتها تماما من رحلات وخلافه. كانت تعيش حياة تخلو من المعصية لكنها جميلة. لم تذكر لي مطلقا أنها من (الإخوان). وتأثرت بها كثيرا وبدأت أحاكيها حتى في مظهرها. ودعتني لحضور دروس في المسجد لأنني كنت أحب ملازمتها أطول وقت ممكن. أولادي (إخوان) تماما. وزوجي عندما يسأل يقول زوجتي وأبنائي (إخوان)».

ورغم أن جد سمية، الأستاذ المساعد بالمركز القومي للبحوث، الشيخ ماضي، كان من «الإخوان»، أوضحت أن بناته الخمس وولديه لم يكن أي منهم ينتمي للجماعة، بل هي نفسها انضمت للجماعة عن طريق آخر تماما. وقالت: «بعد تخرجي في الجامعة، تعرفت على أخت من نفس الحي وانجذبت لسلوكها وشخصيتها ودعتني لحضور درس ديني في منزلها، فلم نكن نجتمع في المساجد حينها، وكنا نقرأ القرآن ونتفقه في الدين».

وهناك من انضممن بعد قراءة حرة وبحث. مثل «منى»، مدرسة لغة عربية، حيث قالت: «بدأت حياتي مع الفكر الديني وأنا في مرحلة التعليم الثانوي. وبدأت أقرأ القرآن وأتعلم منه أنه لا يجب أن يكون المسلم سلبيا. وبدأت أبحث عن نموذج كي أتمكن من خلاله من التغيير، لكني وجدت حولي نماذج جماعات التكفير والهجرة والجهاد، وهي نماذج لم أر أنها تتماشى مع الفطرة وسلاسة الدين».

أضافت: «كانت بداية معرفتي بالإخوان كتاب (أيام من حياتي) لزينب الغزالي وقلت لنفسي أخيرا وجدت النموذج الذي أبحث عنه. وتعرفنا على بعض الأخوات من صديقات شقيقتي في المسجد وانضممنا إلى الجماعة ونحن الوحيدون من أعضاء الجماعة في أسرتنا».

الرغبة في العثور على نموذج وسطي يجمع بين التدين والتمتع بمتع الحياة يبدو عاملا مشتركا بين الكثيرات من المجموعة التي التقيتها، وأبدين إيمانهن بأنهن وجدن في رؤية «الإخوان المسلمين» ما يبدو أنه يحل معضلة تعترضهن، وهو الجمع بين التدين والاستمتاع بمباهج الحياة.

من بين هؤلاء الدكتورة عبير، العاملة بمعهد الأورام، المنتمية لأسرة وصفتها بأنها «غير إخوانية»، حيث قالت: «تعرفت على الإخوان داخل الكلية. في تلك الفترة كان النموذج المتدين السائد هو صورة الرجل الذي يرتدي الجلباب القصير واللحية، ولم أره جذابا وقلت في نفسي: هل زواجي من متدين يعني ضرورة ارتباطي بشخص بهذا المظهر؟ أريد أن أعيش حياتي وأن أكون متدينة في الوقت ذاته».

في السنة الثالثة، وجدت عبير نموذجها المنشود في طلاب التيار الإسلامي (إخوان مسلمون) عندما حضرت عرضا مسرحيا ضاحكا صغيرا يحمل مغزى سياسي يتعلق بالقضية الفلسطينية، ووجدت فيهم: «النموذج المتدين المعتدل الذي أبحث عنه. وأعجبني فيهم أن مظهرهم عادي ومألوف ويضحكون كثيرا وعايشين حياتهم عادي».

وعن قضية الفن وموقف الجماعة منه، بدت على الوجوه بعض الحيرة، وبينما أعربت عبير عن اعتقادها بأن: «التمثيل ما دام ملتزما بالضوابط الشرعية والمرأة ترتدي حجابا والنص مناسب لا أعتقد أن به مشكلة»، لكن سمية شددت، وهي تنتمي لجيل أكبر، بأن «المرأة تخضع لضوابط شرعية فلا يجوز أن أمثل دورا أمام رجل وصوتي يرقق مثلا، لذا نفعل ما نريد لكن بين النساء فقط».

وعن العمل داخل المساجد، أكدن أنهن خلال نشاطهن في تحفيظ القرآن للصغار أو إلقاء دروس دينية، لم يكن يكشفن عن انتمائهن للجماعة، الأمر الذي عللته دكتورة صباح بقولها: «كنا نخاف من بطش الأمن، ليس على أنفسنا، ولكن على المساجد التي نعمل بها». إلا أنه من الواضح أن الوضع تبدل الآن، حيث أصبح ملحوظا من إعلان أعضاء الجماعة عن أنفسهم داخل المساجد عبر توزيع منشورات صغيرة تعرف بالجماعة وتدعو لحضور دروس دينية تحت رعايتها. ومن بين التغييرات الملحوظة أيضا على أعضاء الجماعة هو إطلاق عدد متزايد من الإخوان لحاهم، بعد أن كانت مسألة عدم إطلاق اللحى من بين أكبر العلامات المميزة بين الإخوان وغيرهم من الجماعات الدينية الأكثر تشددا والتيار السلفي.

وعن مستقبل المرأة داخل الجماعة وغيابها الملحوظ عن المناصب القيادية، أشار الحضور إلى أن ذلك كان مقصودا ومنطقيا خلال العقود السابقة بهدف تجنيب المرأة التعرض للسجن وما هو أسوأ، لكن الآن مع زوال هذا العائق، أكدن أن الفترة المقبلة ستشهد وصول المرأة لمجلس شورى الجماعة ومكتب الإرشاد (أعلى سلطة تنفيذية داخل الجماعة)، وأنهن تقدمن بطلب لتحقيق ذلك وقوبل بالإيجاب وتجري دراسة كيفية تفعيله الآن. وقالت سمية بنبرة ضاحكة لكنها حازمة: «وإذا لم يحدث ذلك لن نسكت».