سكان بغداد: لا نعرف من يدير مدينتنا

أمين العاصمة: لا أحد يثق في أحد.. وهذا يربك عملنا

أمين بغداد صابر العيساوي
TT

في مدينة يتعلق فيها الغبار بكل شيء، وتسمح ثقافة سكانها بإلقاء عبوات المياه البلاستيكية الفارغة في الشوارع، يحرص سكان حي زيونة الثري فيها على التأكد من أن حدائق منازلهم ما زالت خضراء، وأشجار الفاكهة تم تقليمها. ولكن عندما يطأ سكان هذا الحي بأقدامهم خارج ملاذاتهم التي تحيطها الأسوار، لا يمكنهم الهروب من مدينة لا تزال صعبة الإدارة في الكثير من النواحي، على الرغم من مرور أكثر من ثمانية أعوام على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة.

يرى سكان الحي شوارع قذرة ينتشر فيها الحصى، وبها بالوعات وحفر كبيرة تتسع لأن تبتلع إطار سيارة. كما تتجمع القمامة في مساحات خالية، ويتجمع الصرف المقبل عبر أنابيب متهدمة في برك صغيرة بشوارع الأحياء وسط كابلات وأسلاك غارقة. ويوجد عدد قليل من الزلاجات داخل ملعب الحي، ولكن يتساوى عددها تقريبا مع السيارات المهجورة.

وقال عليوي السكوتي، الذي كان واقفا أمام منزل يتكلف 300000 دولار: «لا نعرف مَن المسؤول. مَن يجب عليه تقديم الخدمات والأمن؟ بل لم نعد نحاول الوصول إليهم».

وفي بغداد، حيث يسكن قرابة ربع العراقيين، توجد صعوبة كبيرة في تحديد من المسؤول، وتعد هذه عملية مربكة تختبر صبر السكان المحليين ومسؤولي المحليات، بينما لا يزالون يتحسسون طريقهم صوب الديمقراطية. وفي ظل مبادرة أميركية، قيمتها 400 مليون دولار، لتوطيد الحكومات المحلية، تحقق الدولة تقدما مطردا في عملية تشكيل كيانات محلية، لتكون الجبهة الأولى لتقديم الخدمات للسكان المحليين.

وتطرح المدينة تحديا فريدا من نوعه أمام المسؤولين الأميركيين والعراقيين، الذين يحاولون وضع حدود جديدة داخلها، وتحديد أين تبدأ سلطات رئيس البلدية، وأين تنتهي سلطات المحافظ.

ويقول محمود عثمان، عضو البرلمان وعضو لجنة الحكم والمحافظات: «المشكلة أنه لا أحد يعرف من المسؤول».

وتُطرح تساؤلات حول القيادة والمسؤولية داخل بغداد منذ الأيام الأولى للحرب، عندما كانت القوات الأميركية غير مجهزة بالقدر الكافي لاحتواء عمليات نهب واسعة عقب سقوط نظام صدام حسين.

وعلى الرغم من أن الوضع الأمني قد تحسن على مدار الأعوام الأخيرة، فإن مهمة الإشراف على ما يقدر بـ250000 رجل شرطة وجيش يحرسون المدينة أثارت مخاوف جديدة بخصوص إدارة المدينة، وتتعلق هذه المخاوف بثغرات في عملية تبادل المعلومات الاستخباراتية، وصولا إلى شعور بالإحباط من جانب مسؤولين محليين بشأن من يجب التواصل معه لإرسال تقرير عن وجود سيارة مشتبه فيها، على سبيل المثال. وفي هذه الأثناء، تتصرف حكومة بغداد بشكل مرتبك، بينما تسعى كيانات عدة لتولي المسؤولية عن دولارات إعادة الإعمار، وتدرس ما إذا كانت الحكومات المحلية على النمط الأميركي يمكن أن تنجح داخل منطقة الشرق الأوسط.

ويقول البرلماني جواد الحسناوي: «تعيش بغداد في فوضى، فوضى، فوضى».

وخلال الأسابيع المقبلة، من المقرر أن يدرس البرلمان «قانون العاصمة» الخاص ببغداد، المفترض أن يوضح من يسيطر على المدينة. ولكن في دولة يوجد بها قرابة 20 تكتلا سياسيا كبيرا وناخبون يشعرون بالضيق بصورة متزايدة، وبرلمان دائما ما تشغله خلافات داخلية، لا يتوقع كثير من المشرعين صدور قرار سريع.

ويقول أمين العاصمة، صابر العيساوي: «يتهم الجميع بعضهم بعضا، ولا يثق أحد في أحد. وهذا الأمر يربك عملنا».

يُذكر أنه إبان حكم صدام حسين، وهو وقت يقول سكان زيونة إن حيهم كان فيه منظما، كان لبغداد عمدة ومجلس مدينة يحاول توفير الاحتياجات الأساسية لـ5.5 مليون شخصا داخلها. وأبقى صدام حسين قبضة قوية على الأمن، وكانت وزارات وطنية تشرف على تقديم معظم الخدمات السكنية.

وبعد احتلال قادته الولايات المتحدة الأميركية لبغداد، ومع توقف وزارات عهد صدام حسين عن العمل تماما، قامت السلطات الأميركية بحل مجلس المدينة، وأسست مجلسا مؤقتا ضم 57 عضوا لمنطقة بغداد، التي تضم أكثر من سبعة ملايين نسمة. وقام هذا المجلس بانتخاب محافظ إقليمي مسؤول عن المدينة وضواحيها. وعلى الرغم من ذلك، يعرف الدستور العراقي بغداد بأنها مدينة فيدرالية متميزة لا يجب أن يحكمها قادة إقليميون.

وذكر رئيس البلدية أن هذا يعني أنه مسؤول أيضا عن خدمات المدينة على الرغم من استمرار هيئات فيدرالية في ممارسة تأثير كبير في هذه العملية.

وحاليا، فإن اليد العليا في بغداد هي لرئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، الذي عين هذا العام قائدا جديدا لشرطة العاصمة من البصرة، متجاهلا توصيات أعضاء مجلس المحافظة، الذين يدعون أن الدستور يكفل لهم حق التعيين. وذكرت مارينا أوتاوي، مديرة برنامج الشرق الأوسط في «مؤسسة كارنيغي للسلام» أن «المالكي يحاول أن يبقي أكبر قدر ممكن من زمام الأمور بين يديه». وأضافت: «سيكون القدر الأكبر من الاستقلالية داخل بغداد سيئا بالنسبة للمالكي». لكن المالكي يواجه ضغطا متزايدا حتى يتنازل عن مقدار من السلطة، في إطار استراتيجية أكثر محلية لمنع التفجيرات اليومية والاغتيالات. والوضع الأمني شديد الخطورة يجعل الحياة في بغداد صعبة للغاية لكل من سكان ومسؤولين يتنافسون على حكمهم.

ولا تزال بغداد المدينة التي ترى فيها أصحاب المنازل يقومون بالحفر في الشوارع العامة لتثبيت الكابلات وشبكة الصرف الصحي الخاصة بهم، من دون أي تصريحات. وتمتلئ المدينة بـ«البحيرات الكبيرة» للمجاري غير المعالجة في المناطق السكنية، كما أن عددا كبيرا من السكان لا يحصل على مياه صالحة للشرب، حسبما ذكرته الأمم المتحدة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»