مدينة سورية قرب الحدود التركية.. تعج بالنازحين

سكان بداما قالوا إنهم غادروا خشية أن تصبح مدينتهم ثاني مدينة تصب عليها الحكومة السورية غضبها

عشرات الآلاف من حرستا نعمة، (ريف دمشق)، يشيعون قتلاهم الذين سقطوا برصاص الأمن يوم الجمعة
TT

ألغيت الامتحانات النهائية في هذه القرية الزراعية، إلا أن مباني المدارس ممتلئة عن آخرها. فقد حل محل الطلاب فيها الأسر المذعورة الباحثة عن ملاذ آمن، هربا من القمع الوحشي الذي يمارس ضد المتظاهرين المناوئين للحكومة، الذين اتسع نطاق احتجاجاتهم في الأسابيع الأخيرة ليصل إلى الأجزاء الريفية شمال غربي سوريا. ويعيش نحو ألف شخص في عين البيضاء، الواقعة على منحدر تل في جبال محاطة بغابات كثيفة، وتبعد خمسة أميال عن الحدود مع تركيا. غير أن عدد السكان قد زاد بمقدار ثلاثة أضعاف في الأسبوعين الماضيين مع نزوح سكان بلدة قريبة، اسمها بداما، هربا من تقدم قوات الأمن السورية، تحسبا لهجوم لم تتضح معالمه بعد. وسيطرت القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد على قرية دريبات يوم الخميس، على حد ذكر سكان عين البيضاء، على الرغم من أنهم لم يصلوا إلى قريتهم يوم الجمعة.

وقد تسبب القمع الوحشي من قبل قوات الأمن التي اخترقت بلدة إدلب في نزوح أكثر من 8 آلاف شخص عبر الحدود، متجهين إلى تركيا، حيث يقيمون في مخيمات أقامتها منظمة الصليب الأحمر. ويعتقد أن آلافا آخرين مختبئون في مخيمات صغيرة في الغابات مقامة حول منطقة الجبال، على جانب الحدود السورية.

وهنا في عين البيضاء، يصارع الناس من أجل التعايش مع نازحين يقدر عددهم بنحو ألفي لاجئ، سعوا لإيجاد ملاذ آمن، ويقيمون في سيارات ومخازن ومواقع بناء وفي المدرسة. وقد منح من حالفهم الحظ منهم مساحة في منازل من قوالب إسمنتية صلبة في شوارع ضيقة، تقع على منحدر مع وجود حدود مسيجة بأسلاك شائكة.

«في كل فصل في مباني المدارس، توجد ثلاث أسر على الأقل، وكل منزل في المدينة يستضيف من ثلاث إلى أربع أسر.. في منزلي، توجد أربع أسر»، هذا ما قاله أحد السكان، يدعى أحمد، الذي، ككثيرين غيره ممن أجريت لقاءات معهم، لم يذكر سوى اسمه الأول خوفا من العقاب. وقال إن معظم النازحين قد أتوا من بداما وجسر الشغور، وهي مدينة رئيسية في بلدة إدلب، التي فر سكانها هروبا من عملية عسكرية وقعت هناك نهاية الأسبوع الماضي.

ومنذ أسبوعين، شكل القتال في جسر الشغور بين قوات الأمن والمنشقين عن الجيش أو العناصر المسلحة، أو مزيج من الاثنين معا، مشهد القمع الوحشي الذي تمارسه الحكومة في المنطقة.

وأوضح كثير من النازحين أنهم غادروا بداما خشية أن تصبح مدينتهم ثاني مدينة تصب عليها الحكومة السورية جام غضبها. والشيخ إياد حسون (32 عاما) هو أحد سكان بداما، ولكنه يؤم المصلين في مسجد القرية في عين البيضاء. ويوم الجمعة، جلس مع اثني عشر رجلا على حصيرة في خيمة مقامة في مرعى، على ربوة مرتفعة في المدينة، على بعد بضعة أقدام من الحدود التركية. وكان الرجال يدخنون السجائر ويتابعون تغطية قناة «الجزيرة» للمظاهرات في المدينتين السوريتين، حمص وحماه، على شاشة تلفزيون متصل بكوخ بعيد عبر سلك طويل. وغادر حسون بداما عقب مشاهدة تغطية الهجوم العسكري على جسر الشغور يومي السبت والأحد الماضيين.

قال: «شاهدت كل عمليات القتل على شاشة التلفزيون، وقررت أن آتي إلى هنا». وقال إنه شعر بالأمان لوجوده على مقربة شديدة من الحدود، لأنه يمكنه بسهولة الفرار من أي هجوم من قبل الحكومة، حال حدوثه.

وأسفل التل في مبنى مدرسة عين البيضاء، تم إخلاء الفصول من المقاعد. وغطت المراتب الأرضيات، وتم تجميع مجموعة من الأواني والقدر حول السبورة. واكتظت المقابس الكهربية بشواحن الهواتف الجوالة. ويجري الأطفال حول فناء المدرسة، التي باتت حوائطها أشبه بمرحاض عام. «الحياة هنا غاية في الصعوبة»، قالها حسوني (19 عاما)، وأشار إلى أنه نزح من بداما منذ أسبوع مضى مع أسرته بعد أن اخترقت قوات موالية للأسد في ملابس مدنية، الطريق الرئيسي، وبدأت إطلاق النار بشكل عشوائي على المدنيين. وقال إن أسرته كانت رافضة فكرة اختراق حدود تركيا خشية العجز عن العودة مرة أخرى إلى أرض الوطن، ومن ثم فضلوا النزوح إلى عين البيضاء.

وبعد البقاء لمدة أسبوع في المدرسة، قال حسوني إنه بدأ التفكير في أن أسرته سينتهي بها الحال حتميا في تركيا. «الرحيل إلى تركيا آخر شيء سنفعله، لكنني الآن أعتقد أنه بات أمرا مؤكدا». وأضاف: «ستنفد كل المؤن هنا. فسينفد ما لدينا من غذاء، وحينها سيتعين علينا الرحيل».

أخليت مدن وقرى بأكملها في المنطقة، مع هروب المدنيين من قوات الأمن، مما أدى إلى توقف النشاط الاقتصادي. وقد أقامت قوات الأمن مجموعة نقاط تفتيش عبر أنحاء المحافظة، على حد ذكر سكان في عين البيضاء، محاولة إيقاف نقل البضائع والمواطنين إلى منطقة الحدود.

«ما زال هناك أفراد من داخل سوريا يرغبون في المجيء إلى هنا، لكنهم ممنوعون»، هذا ما قاله عبد الله (32 عاما)، لاجئ من بداما جلس يشاهد قناة «الجزيرة» مع الشيخ حسون. ويعيش السكان واللاجئون على السلع المحفوظة والفواكه المقتلعة من البساتين، ولكنهم أشاروا إلى أن شريان الحياة الأكثر أهمية بالنسبة لهم، يتمثل في شبكة ضخمة من طرق المهربين غير المباشرة والسرية، المتقاطعة في الحقول والجبال المؤدية إلى تركيا.

«لا نحصل على الغذاء الكافي؛ فالأمر بأكمله يعتمد على ما يأتينا من تركيا»، هكذا تقول سمر (26 عاما) التي غادرت بداما مع زوجها وأطفالها الصغار الثلاثة. وكانوا يقيمون في غرفة مكشوفة في مبنى لم يكتمل بناؤه، يطل على واد شديد الانحدار والنقاط العسكرية التركية أعلى الجبال على الجانب الآخر. «إنه المصدر الوحيد لإمدادنا بالغذاء»، قالت سمر.

* خدمة «نيويورك تايمز»