واشنطن تؤكد رسميا تفاوضها مع طالبان لكنها تستبعد أي اتفاق قبل الشتاء

مقتل بن لادن أعطى الغرب زخما جديدا لإنهاء الحرب.. والتحدي الوصول إلى الملا عمر

TT

بعد صمت رسمي دام يوما أكد وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أمس ما كان أُعلن عن وجود اتصالات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية، لكنه استبعد توصل الجانبين إلى اتفاق قبل شهور.

وقال غيتس، الذي سيتنحى عن منصبه نهاية الشهر الحالي، في مقابلة في شبكة «سي إن إن» أمس، إن هناك اتصالات بين الولايات المتحدة وطالبان، عن طريق وزارة الخارجية. وأضاف: «كانت هناك اتصالات من قبل طالبان مع عدد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة»، لكنه قال: «هذه الاتصالات معنا في مراحلها الأولية».

وكان الرئيس الأفغاني حميد كرزاي قد أعلن أول من أمس أن الولايات المتحدة كانت على اتصال مع حركة طالبان. وكان ذلك أول إعلان رسمي عن المفاوضات التي تجري في جو محكم من السرية، وقال كرزاي إن محادثات السلام التي بدأت بعد نحو عقد من الحرب هناك لم تصل إلى المرحلة التي يمكن أن يجتمع فيها ممثلو الحكومة والمتمردون وجها لوجه رسميا، مشيرا إلى أن المحادثات تجرى حاليا عن طريق ممثلين. وقال كرزاي، الذي كان يتحدث في حفل بكابل: «في الوقت الحاضر تجرى محادثات السلام مع طالبان، وتشترك فيها القوات العسكرية الأجنبية، وخصوصا الولايات المتحدة».

وحذر غيتس أمس من أن مفاوضات السلام ستكون «محفوفة بالتحديات»، بما في ذلك تحديد أعضاء حركة طالبان الذين يمكن التحدث بمصداقية معهم، ويمثلون قيادة طالبان التي يقول الأميركيون إنها في باكستان. وقال غيتس: «رأيي الشخصي هو أن محادثات مصالحة حقيقية لن تكن قادرة على إحراز أي تقدم حتى الشتاء، على الأقل». وأضاف: «أعتقد أن طالبان يجب أن تشعر أنها تحت ضغط عسكري هائل، وأنها لا تستطيع الفوز قبل أن تكون مستعدة لإجراء محادثة جادة». وأشار غيتس إلى أن الولايات المتحدة لديها خبرة في التفاوض مع خصومها، مثلما حدث في العراق. وأشار إلى المفاوضات الأميركية مع رجال القبائل السنية العراقية التي كانت تحارب القوات الأميركية، ثم تحالفت معها. وقال غيتس: «هكذا تنتهي الحروب».

وأشار مراقبون في واشنطن إلى أن تصريحات كرزاي وغيتس تأتي قبل أيام من خطاب هام يتوقع أن يوجهه الرئيس باراك أوباما إلى الشعب الأميركي عن بدء سحب القوات الأميركية من أفغانستان.

في غضون ذلك يرى خبراء في هذا الملف أن الإعلانات الحالية عن المفاوضات مع طالبان يجب التعامل معها بحذر، معتبرين أنه إذا كانت الإشارات إلى بدء حوار مع الحركة الأفغانية تتكاثر فإن ذلك يبقى «متعثرا» ومليئا بالعقبات. ويبدي الأطراف المعنيون في الوقت الحاضر مواقف متنافرة، فالولايات المتحدة تطالب خصوصا بأن تنبذ حركة طالبان العنف وتقطع كل علاقاتها مع تنظيم القاعدة وتحترم الدستور الأفغاني. وبحسب الكثير من الخبراء فإن قائد طالبان في المنفى، في باكستان المجاورة، ما زال يعبر عن الحزم نفسه: لا مفاوضات دون انسحاب كامل للقوات الغربية من أفغانستان.

ويشكك عدد من الخبراء في «التقدم» العسكري الذي يتحدث عنه الحلف الأطلسي وواشنطن، ويعتبرون أن المتمردين ما زالوا في موقع قوة في الوقت الذي يتحدث فيه الغربيون عن انسحابهم المقبل من البلاد أمام تزايد عدم التأييد الشعبي للنزاع.

وكان الرئيس الأفغاني الذي زار مؤخرا إسلام آباد طلب من باكستان التي تعتبر لاعبا لا يمكن الالتفاف عليه في أي عملية سلام، تشجيع مشاركة المتمردين الراغبين في المفاوضات. وأكد رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني أن بلاده مستعدة لتقديم كل «الدعم الذي يريده» كرزاي في هذه العملية.

في موازاة ذلك طلبت كابل من مجلس الأمن الدولي رفع العقوبات المفروضة على نحو خمسين مسؤولا في طالبان، وهو مطلب يعتبر بمثابة إشارة مرسلة إلى قادة المتمردين. وقام مجلس الأمن يوم الجمعة بخطوة أولى في هذا الصدد من خلال قراره وضع لوائح منفصلة للعقوبات المفروضة على «القاعدة» وطالبان بدلا من لائحة واحدة حاليا.

وبدأ الغربيون يتحدثون عن انسحاب تدريجي اعتبارا من هذا الصيف، لكنهم يفكرون في إبقاء قوات قتالية في البلاد على الأقل حتى نهاية عام 2014، الموعد الذي يفترض فيه مبدئيا نقل المسؤولية الأمنية في البلاد إلى القوات الأفغانية. ويُتوقع أن يعلن الرئيس أوباما، قبل نهاية الشهر الحالي، خفض عدد القوات الأميركية في أفغانستان بمقدار ثلاثين ألف جندي، على أن يكون ذلك مرحليا، وعلى أن يستغرق سنة أو سنة ونصفا.

وفضلا عن ذلك فإن أي حوار محتمل مع طالبان يثير قلق زعماء الحرب الأفغان المتحالفين مع كرزاي وواشنطن، والذين يعتبر بعضهم من ألد أعداء طالبان منذ تسعينات القرن الماضي، كما يخيف المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان.

ووسط حديث عن إجراء الولايات المتحدة محادثات مع طالبان، لا يزال التحدي الرئيسي الذي يواجهها هو الوصول إلى الملا عمر زعيم الحركة المتمردة لإشراكه في المفاوضات. ويعتبر تأييد زعيم طالبان مهمّا للتوصل إلى أي وقف لإطلاق النار أو اتفاق لتقاسم السلطة. إلا أن مكان إقامته، الذي يعتقد أنه في مكان ما في باكستان، لا يزال مجهولا. ويكتسب البحث عن الملا عمر زخما، خصوصا بعد أن وعد الرئيس الأميركي باراك أوباما البدء في سحب جزء من قواته البالغة 90 ألف جندي أميركي من أفغانستان الشهر المقبل قبل السحب الكلي لتلك القوات خلال ثلاث سنوات.

وصرح المحلل والمؤلف الباكستاني امتياز غل لوكالة الصحافة الفرنسية أن الممثل الأميركي الخاص لأفغانستان وباكستان مارك غروسمان، طلب منه في وقت سابق من هذا الشهر المساعدة في تعقب الملا عمر. وقال إن «غروسمان أخبرني أن الولايات المتحدة تبحث عن أشخاص يستطيعون الإدلاء بمعلومات واضحة للوصول إلى الملا عمر». وأضاف: «أعتقد أن الولايات المتحدة تعتبر أن الملا عمر لا يزال عنصرا أساسيا في التوصل إلى سلام في أفغانستان، فقد قال لي مسؤول أميركي: لا نريد التخلص منه. نحن مهتمون جدا بالتحدث معه». ويعتقد أن عمر يعيش في مدينة كويتا جنوب غربي باكستان، إلا أن إسلام آباد تصر على أنها لا تعرف مكان وجوده.

وبعد مقتل بن لادن في عملية شنتها القوات الأميركية الخاصة في مدينة ابوت اباد الباكستانية الشهر الماضي، يعتقد معظم الخبراء أن الملا عمر نقل مكان وجوده. وذكرت وكالة الاستخبارات الأفغانية بعد فترة قصيرة من مقتل بن لادن أن الملا عمر «اختفى من مخبئه» في كويتا، دون أن تذكر المكان الذي انتقل إليه. ويعتبر مسؤولون غربيون وأفغان في كابل أن مساعدة باكستان مهمة لجهود فتح قناة اتصال مع زعماء طالبان. وزار كرزاي إسلام آباد مؤخرا وأمضى فيها يومين على غير العادة، وأعلن عن لجنة سلام مشتركة. ويعتقد مسؤولون أفغان الآن أن باكستان، حيث يعتقد أن قيادة طالبان متمركزة، أكثر استعدادا لتقديم المساعدة. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول أفغاني طلب عدم الكشف عن هويته قوله إن «ديناميكية العلاقة تغيرت بشكل كبير خلال الأشهر القليلة الماضية». وأضاف: «أصبحوا يقولون بوضوح الآن إن لهم دورا، ونحن في أفغانستان لدينا توقعات معينة من باكستان». وقال إن من هذه التوقعات هي أن تشجع باكستان «فعليا زعماء طالبان بمن فيهم الملا عمر على الانضمام إلى عملية المصالحة».