حملة وسط شبان روسيا للتعريف بمعارض بارز من الحقبة الشيوعية

سخاروف أبو «القنبلة الهيدروجينية» حاز نوبل للسلام وعارض السلاح النووي والحرب السوفياتية في أفغانستان

TT

كان أندريه سخاروف أحد المنشقين المشهورين إبان الحقبة الشيوعية، كما اشتهر بكونه فيزيائيا معروفا قدم للمحاكمة لمهاجمته انتهاكات حقوق الإنسان ضد الوحشية السوفياتية. وفاز بجائزة نوبل وجسد النضال لخلق ديمقراطية في الاتحاد السوفياتي، بيد أنه لدى سؤال مجموعة من طلبة الجامعات في أكاديمية الحقوق الروسية عن وجهة نظرهم بشأن إرثه، تلعثموا وبدا وكأن غالبيتهم لم يسمعوا عنه من قبل.

وتقول ماريا دانليانتس، 17 عاما، طالبة في أكاديمية القانون، التي كانت واحدة من القلائل الذين أدركوا الاسم: «تحدث أحد أساتذتنا عنه في محاضرة، لكني لا أذكر حقيقة ما قاله تحديدا». وأبدى الكثير من المعجبين بسخاروف انزعاجا من تواري إنجازات هذا الرجل، الذي قضى جل حياته يصارع القصور الحكومي، خصوصا بين الشباب، الذي يمر عليها اليوم عليه مرور الكرام، إن قدر لهم أن يلحظوه أصلا.

قاوم العالم النووي الذي يوصف بكونه «أبو القنبلة الهيدروجينية» (بسبب إسهامه في صنع أول قنبلة من هذا النوع) النخبة السوفياتية ليصبح معارضا. ودافع عن حقوق الإنسان، وعارض الأسلحة النووية وعارض الحرب السوفياتية في أفغانستان. ونتيجة لأعماله نال جائزة نوبل للسلام عام 1975، إضافة إلى سلسلة طويلة من تحديد الإقامة والنفي.

توفي سخاروف قبل عامين من تفكك الاتحاد السوفياتي، وقبل أن يولد الكثير من طلبة الجامعة اليوم. وأشار مسح أجرته العام الماضي وكالة ليفادا سنتر، وهي وكالة موثوق بها في استطلاعات الرأي في موسكو، إلى أن 44% من الروس ممن تقع أعمارهم بين 18 إلى 24 لم يعلموا شيئا عن سخاروف. أما من قالوا إنهم يعرفونه فتسعة في المائة فقط هم الذين قالوا إنهم يعرفون وإنه كان مدافعا عن حقوق الإنسان ومعارضا للنظام ومنشقا.

وقد سقط سخاروف وأفكاره من ذاكرة الوعي العام حتى إن مجموعة من الطلبة الروس بدأوا حملة لطرح أفكاره على نظرائهم وعبروا عن اعتقادهم بأن سخاروف يمكن أن يشكل بوصلة أخلاقية في روسيا، مثل مارتن لوثر كنغ، أو نيلسون مانديلا. وتقول أنا سولودوفنيكوفا، 19 عاما، طالبة بالسنة الأخيرة في معهد العلاقات الدولية في موسكو ومن منسقي الحملة، التي تدعى «حركة سخاروف»: «سخاروف مثال للديمقراطية الروسية. فرغم مرور 22 عاما على وفاته فإن ما كان يدعو إليه وثيق الصلة بما يجري اليوم».

ستكون مهمة أعضاء الحركة أكثر يسرا الآن مما كانت عليه في عهد سخاروف في عدد من النواحي، عندما كانت الاجتماعات تعقد سرا وكانت الدعوات توزع باليد.

يستغل نشطاء الحملة الشبكات الاجتماعية مثل «فيس بوك» و«تويتر» لنشر أفكار سخاروف وكتاباته. وقد تأسست الحركة في مارس (آذار) الماضي وتلقى بالفعل متابعة محدودة على الإنترنت، حيث أبدى 439 شخصا إعجابهم بصفحة الحركة على «فيس بوك»، كما انضم المزيد من المئات من الشبكات الاجتماعية الأخرى. وقام أعضاء الحركة بنشر الملصقات في عربات الأنفاق والجامعات وإلى جانبها شعارات، يقول أحدها: «أنا سخاروف، ولكن...»، للإشارة إلى أن الروس قادرون على لعب دور هام في المجتمع حتى وإن كان بوسائل محدودة.

وقامت الحركة أيضا بنشر مقابلات مع كتاب وفنانين وناشطين مشهورين حول سخاروف وكيف ألهمهم في حياتهم، بيد أنه رغم صغر الحملة فإنها واجهت معارضة، فقد اتهمها مستخدمو الإنترنت بكونها واجهة للمصالح الغربية، حيث تتعرض ملصقاتها للتشويه والتمزيق.

لكن التحدي الأكبر الذي يواجه الحملة ربما يتمثل في التغلب على اللامبالاة والسخرية. فتقول داريا بيشتشيكوفا، 18 عاما، ومنسقة أخرى في الحملة: «الناس لا تصدق أن شخصا يمكن أن يهتم بأمته دون أن تكون له أهداف خفية».

نشأ طلاب الجامعات الروسية الحاليون في روسيا مختلفة عن تلك التي عاش فيها وعارضها سخاروف. وعلى الرغم من الحريات الكبيرة التي ينعمون بها فإن بريق الإصلاحات الديمقراطية في منتصف التسعينات بدأ في التراجع، وكانت أقسى مخاوفهم الاضطرابات والمصاعب الاقتصادية.

صعد فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي السابق ورئيس الوزراء الحالي، إلى السلطة عام 1999 واعدا الروس بالأمن والاستقرار، لكنه وضع العراقيل أمام الإصلاحات الديمقراطية. وفي ظل قيادته قام الكرملين بتحييد الشباب الناشط إلى حد بعيد. وقد شهد الشهر الماضي تجمع 50.000 شاب تابعين لحركة ناشي المدعومة من الكرملين في مسيرة حاشدة ضد الفساد في وسط موسكو. ورغم تأكيد المحللين على أن المسؤولين الحكوميين هم أكبر مصدر للفساد، تميل ناشي إلى تركيز مظاهراتها على معارضي الحكومة. وقد استغل أعضاء حركة سخاروف المناسبة لنشر الفكرة والانتشار بين الجمهور وإجراء لقاءات مسجلة حول ما يعرفونه عن سخاروف.

تم نشر الفيديوهات في ما بعد على موقع الحركة، ما أثار غضب قادة ناشي، التي انتقدت تكتيكات الجماعة ودافعت عن دعمها لبوتين، الرجل الذي قالوا إنه النور الذي قاد روسيا إلى النور. وتقول كريستينا بوتوبتشيك، المتحدثة باسم المجموعة في بيان لها: «في النهاية فإن معرفة أو عدم معرفة سخاروف لا يحدد ما إذا كان الشخص جيدا أو سيئا».

وحتى الآن، تأمل حركة سخاروف في تحويل مكتب سخاروف القديم في موسكو إلى متحف، وتقوم بجمع الأموال في محاولة لتعريف الناس به. وتركز الجماعة على الحصول على تبرعات صغيرة من الروس، ناهيك بالتبرعات الضخمة من الشركات والرعاة الأجانب.

ويقول غريغوري شفيدوف، الصحافي الذي يعتبر جزءا من الحركة: «لسنا بحاجة إلى جماعة سخاروف، المواطن الروسي البسيط بحاجة إلى السير على منهج سخاروف في الحياة واتخاذه قاعدة في حياته». ويؤكد شفيدوف على أن الروس ليسوا في حاجة إلى التخلي عن أعمالهم ليصبحوا معارضين، يكفي بعض الأفعال مثل رفض دفع رشوة أو الحديث حول السياسات غير العادلة».

توفي سخاروف عام 1989، بينما توفيت زوجته، إيلينا بونر، عن 88 عاما، وهي أيضا من المدافعين عن حقوق الإنسان، أول من أمس في بوسطن بالولايات المتحدة. وقالت ابنتها تاتيانا يانكيليفيتش في بيان صدر في الولايات المتحدة: «نعلن بحزن شديد وفاة والدتنا إيلينا جورجفيفنا بونر». وقالت إحدى صديقاتها لودميلا اليكسييفا، وهي أيضا من المدافعات الكبريات عن حقوق الإنسان، إن بونر كانت قد خضعت لعملية قلب ثالثة. وبعد مراسم تقام في بوسطن ستوارى بونر الثرى إلى جانب سخاروف في مقبرة فوسترياكوفا في موسكو. وطلبت عائلتها عدم إرسال الزهور، بل التبرع لصندوق أندريه سخاروف، وهو منظمة مدافعة عن حقوق الإنسان. وقالت صديقتها لوديميلا اليكسييفا: «أنا دائمة مصدومة بأن شبابنا لا يعرف من هو سخاروف. وللأسف فإن بونر تحظى باعتراف أقل أيضا». وتابعت: «إنه لأمر مؤسف أن تكون معروفة في الولايات المتحدة أكثر منه في روسيا».

وكانت المنشقة السوفياتية السابقة تنتقد النظام الشيوعي بشراسة منذ أواخر ستينات القرن الماضي، وقد تزوجت من سخاروف في عام 1972. وفي عام 1975 تسلمت في أوسلو جائزة نوبل للسلام نيابة عن زوجها الذي منعته السلطات السوفياتية من مغادرة بلاده للتوجه إلى النرويج.

ولدت بونر عام 1923 في عائلة شيوعية، كان والدها مسؤولا عن الشيوعية الدولية مما سمح لها بلقاء شخصيات كبيرة في الشقة العائلية أمثال الماريشال تيتو. كانت بونر في الرابعة عشرة عندما أوقف والدها عام 1937 في أوج عمليات التطهير الستالينية. وقد أعدم رميا بالرصاص في السنة التالية. أما والدتها فقد حكم عليها بتمضية ثماني سنوات في معسكر وقد أمضت ما مجموعه 18 عاما بين السجن والمعسكر والمنفى. وقد أعيد الاعتبار لهما عام 1954 بعد وفاة ستالين. وقد أصيبت بونر مرتين في الحرب العالمية الثانية عندما كانت تعمل ممرضة متطوعة. وقد تزوجت من طبيب من لنينغراد وأنجبت طفلين هما أليكس وتاتيانا.

وبعد محاولة نيكيتا خروتشيف لاجتثاث الستالينية عام 1956 انضمت بونر إلى صفوف الحزب الشيوعي السوفياتي، لكنها انسحبت منه عام 1972 بعد ربيع براغ عام 1968 وقمع الدبابات السوفياتية للمتظاهرين في شوارع عاصمة ما كان يعرف بتشيكوسلوفيا. وقد التقت عام 1970 أندريه سخاروف وتزوجته في عام 1972.

* خدمة «نيويورك تايمز»