نظام الأسد متماسك ولم يشهد انشقاقات حتى الآن.. لكنه مهدد بالتصدع إذا استمرت الاحتجاجات

النخبة الحاكمة تقوم على البنية العائلية والطائفية ولا خلاف داخلها حول وجوب استخدام القوة لقمع الاحتجاجات

TT

يظهر النظام السوري، خلافا للأنظمة العربية الأخرى التي طاولها «الربيع العربي»، تماسكا لافتا في مواجهة حركة الاحتجاجات غير المسبوقة، غير أنه ليس من الواضح مدى قدرته على المقاومة و«الصمود» في حال استمرت الاضطرابات لفترة أطول.

فعلى خلاف ما جرى في تونس ومصر واليمن وليبيا، حيث ظهرت الانشقاقات والخلافات بشكل سريع، لم تحصل في سوريا أي تصدعات في قمة هرم الدولة أو في قيادة الجهاز الأمني، على الرغم من حملة قمع وحشية وإدانة دولية شديدة.

ويشير خبراء بهذا الصدد إلى أن لحمة النظام السوري تقوم على البنية العائلية والطائفية لدائرة القيادة. وأوضحت شركة «إكسكلوزيف أناليسيس» المتخصصة في دراسة المخاطر، ومقرها في لندن، لوكالة الصحافة الفرنسية، أن «بشار الأسد لا يقود البلاد وحده، فالقرارات الكبرى المتعلقة بالتصدي للاضطرابات تتخذها مجموعة قيادية صغيرة تضم عائلة الأسد وحلفاءه الأساسيين في الجهاز العسكري الأمني».

ونجح حافظ الأسد، الذي وصل إلى السلطة في انقلاب أبيض عام 1970، في البقاء في الحكم على مدى ثلاثين عاما، قبل أن يخلفه ابنه بشار، مستندا إلى عائلته والموالين له والأقلية العلوية التي ينتمي إليها.

وتابعت شركة الدراسات: «ثمة اتفاق فيما بينهم على المسائل الجوهرية، وهي أن العلويين يجب أن يهيمنوا على الدولة والاقتصاد من خلال حزب البعث والجهاز الأمني العسكري، وليس هناك أي خلاف كبير داخل النخبة الحاكمة حول وجوب استخدام القوة على نطاق واسع لقمع الاضطرابات».

وهو الرأي الذي عبر عنه توما بييريه، المتخصص في شؤون سوريا الذي سيعمل في جامعة أدنبره اعتبارا من سبتمبر (أيلول)، ويقول: «إن كل أفراد العائلة الحاكمة يعلمون أن النظام غير قابل للإصلاح، وتحديدا بسبب طبيعته العائلية. يمكن إصلاح نظام متسلط حين يكون مستندا إلى مؤسسات متينة، لكن ليس حين يقوم على نسق عائلي».

غير أن الخبراء يختلفون حول قدرة النظام على الحفاظ على لحمته وتماسكه، وتقول شركة «إكسكلوزيف أناليسيس»: «يبدو حتى الآن أن الدولة تسيطر على البلد ولم تحصل انشقاقات على مستوى عال، لكن من غير الممكن استمرار الوضع الراهن؛ فإما أن تهدأ الاضطرابات أو أن تنفجر الدولة أو يحصل انقلاب».

ويرى خبراء الشركة أنه مع استمرار الاضطرابات، ستضطر الدول للاستناد إلى قوات سنية لتنفيذ عمليات عقابية في المناطق السنية، مما سيؤدي إلى فرار عناصر أو إلى تفكك القوات المسلحة على أساس طائفي.

والسنة غالبية في سوريا التي تضم أقلية علوية قوية حاكمة ومجموعة مسيحية كبيرة.

وقالت باسمة قضماني، مديرة مبادرة الإصلاح العربي، إن «النظام يمكنه البقاء في السلطة لبعض الوقت، لكن أعتقد أنه يفقد السيطرة على الأرض تدريجيا، لأن قوات الأمن لا يمكن أن تكون في كل مكان في وقت واحد».

وتابعت أن «ما يجعله يفقد السيطرة على الأرض أن النظام يعالج الوضع على أساس بؤر يحاصرها ويخنقها ويقمعها، لذلك اعتمدت المعارضة استراتيجية تقوم على إقامة عدة بؤر».

لكن خبراء آخرين أبدوا المزيد من الحذر. وقال توما بييريه: «يمكن نظريا أن يتغلب تصميم المتظاهرين على النظام إذا ما تمكنوا من إرغام الجهاز العسكري على التشتت على مساحة كبيرة جدا، لكن هذا يفترض اشتداد الحركة، وهو أمر غير مؤكد إطلاقا».

وقال الأستاذ فولكر بيرتيس، مدير المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن «النظام لم ينته بالتأكيد، ولن يستسلم بسهولة».

وتابع بيرتيس، الذي ألف كتابا بعنوان «سوريا في عهد بشار الأسد»، قائلا: «ما زال لديه كثير من المؤيدين، بينما المعارضة ضعيفة، وبدأت للتو تنظم نفسها على الساحتين الوطنية والدولية. لكننا في الوقت نفسه تخطينا نقطة (لا عودة)، لأن الكثير من الدماء أريقت»، وقال: «حتى لو سُحِق التمرد، فلن يخرج بشار الأسد منتصرا لأن سوريا ستكون معزولة وستعاني».