محامي الرئيس التونسي المخلوع لـ«الشرق الأوسط»: بن علي لم يهرب.. لكنه خدع

عازوري يؤكد أن السلطات التونسية لم تمنحه تأشيرة سفر للدفاع عنه

مواطن تونسي يضع على صدره صورة للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي كتب عليها «مطلوب» خلال الجلسة الأولى من المحاكمة الغيابية في تونس أمس (رويترز)
TT

استغرب المحامي اللبناني أكرم عازوري، الوكيل القانوني للرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، «كيف أن القضاء التونسي شرع في محاكمة موكله غيابيا»، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «منذ أن تم تحديد موعد محاكمته تقدمت بطلب تأشيرة سفر إلى تونس للمثول أمام القضاء عن موكلي، إلا أن السلطات التونسية لم تقم بمنحي هذه التأشيرة، وبما أنني لست تونسيا وغير منتسب إلى نقابة المحامين في تونس، فقد طلبت من نقيب المحامين التونسي الإذن الخطّي الذي يسمح لي بالمرافعة والدفاع عن موكلي، لكني لم أحصل على هذا الإذن حتى تاريخه (أمس)، وبالتالي من دون التأشيرة ومن دون الإذن من نقابة تونس، لا يمكنني المثول أمام القضاء التونسي، والدفاع عن موكلي الرئيس زين العابدين بن علي». وردا على سؤال عما إذا كان رفض إعطائه التأشيرة والإذن بمثابة حرمان موكله من الدفاع عن نفسه، أجاب عازوري: «أكتفي.. لأعلن للرأي العام ما يحصل معي، ولن أضيف أي شيء على ما قلته».

وجزم عازوري أن موكله «لم يهرب من تونس كما روج في السابق، وإن مغادرته البلاد جاءت نتيجة خديعة من مسؤول أمنه الخاص». وقال عازوري لـ«الشرق الأوسط»: «إن الرئيس بن علي لم يفر من البلاد، ولم يكن راغبا في ترك بلده وشعبه على الإطلاق، وما حصل أن المدير العام لأمن الرئيس، الجنرال علي السرياطي، أبلغه أن أجهزة استخبارات صديقة كشفت مؤامرة لاغتياله، ورجاه بأن يغادر البلاد لبضع ساعات لوضع فيها زوجته وولده في مكان آمن، وبما يتيح لأجهزة الدولة القبض على مدبري أمر الاغتيال ثم يعود بعدها»، مشيرا إلى أن «الرئيس بن علي الذي أرغم على المغادرة بعد إيهامه بمحاولة اغتياله، أوكل إدارة شؤون الدولة لرئيس الحكومة لساعات قليلة، وعندما حطت طائرته في المملكة العربية السعودية، طلب من قائد الطائرة أن يبقى منتظرا إياه إلى حين تلقيه إشارة العودة، إلا أن قائد الطائرة رفض الانتظار وغادر على الفور».

ووزع المحامي عازوري تصريحا للرئيس بن علي أدلى به أمس، يوضح فيه حقيقة ما جرى معه وظروف مغادرته تونس، ويقول فيه: «صباح يوم 14 يناير (كانون الثاني) 2011 حضر إلى مكتب الرئيس بن علي، المدير العام المكلف أمن الرئيس علي السرياطي ليعلمه أن أجهزة مخابرات صديقة أكدت أن أحد أفراد الحرس الجمهوري مكلف باغتيال رئيس الجمهورية، وأن الوضع في العاصمة التونسية خطر وخارج عن السيطرة، وأن القصرين الرئاسي في قرطاج وسيدي بوسعيد محاصران، كما أشار إلى أن طائرة هليكوبتر تحوم فوق المنطقة وأن خافرتي سواحل تجوبان البحر بين القصر الرئاسي ومنزله الخاص، ورجاه أن يسمح لزوجته وأولاده بالمغادرة في طائرة جاهزة للإقلاع إلى جدة، ثم عاد وأصر السرياطي على أن يرافق الرئيس عائلته إلى جدة لبضع ساعات كي تتمكن الأجهزة من كشف المؤامرة وضمان أمن الرئيس».

وأضاف: «على هذا الأساس صعد الرئيس إلى الطائرة مع أفراد عائلته بعد أن أمر قائد الطائرة بانتظاره في مطار جدة لكي يعود معه إلى تونس. إلا أنه بعد وصوله إلى جدة عادت الطائرة إلى تونس دون انتظاره وخلافا لأوامره الصريحة، فبقي في جدة رغما عن إرادته، ولاحقا تم الإعلان أنه هرب من تونس وطبقت المادة 57 من الدستور التونسي بحيث تولى رئيس مجلس النواب منصب رئيس الجمهورية بالوكالة.

ويؤكد الرئيس بن علي على أن هذه هي حقيقة ما حصل وأنه يشهد على صحة هذه الوقائع كل من المدير العام المكلف أمن الرئيس، ومدير التشريفات، وقائد الطائرة، والمدير العام للخطوط الجوية التونسية».

ولفت المحامي عازوري إلى أن «مغادرة الرئيس (بن علي) لتونس كانت قسرا وبالخدعة، ولم تكن سوى الفصل الأول من الخطة التي استمرت عبر استهداف حكمه بحملة إعلامية منظمة وغير بريئة غايتها تصوير حقبة الحكم الماضية وكأنها الشر المطلق تمهيدا لجعل التونسيين مستعدين لقبول نظام سياسي جديد يتم الإعداد له بغفلة منهم وبتخطيط محترف»، مشيرا إلى أن موكله «آل على نفسه التزام الصمت وعدم الرد على التهم السخيفة إلى أن أدرك أن الاستمرار في تحطيم صورته وسمعته ضمن هذا المخطط».

ونقل عازوري عن بن علي نفيه جميع الاتهامات المساقة ضده، وتأكيده أنه لم يترك منصبه كرئيس جمهورية ولم يهرب من تونس كما اتهم بذلك زورا، وأنه لم يعط خلال الأحداث الأخيرة الأمر بإطلاق النار بالذخيرة الحية على المتظاهرين، وذلك ثابت بكافة الاتصالات الجارية من وإلى رئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية ووزارة الدفاع الوطني وهي جميعها مسجلة، ولا يملك شخصيا أي حساب مصرفي خارج تونس لا في سويسرا ولا في النمسا ولا في أي بلد آخر. كما أنه لا يملك في فرنسا ولا في أي مكان في العالم أي عقار مبني أو غير مبني مهما كانت مساحته، ولذلك طلب من وكيله القانوني المحامي أكرم عازوري الحصول على إفادات رسمية من البلدان التي اتهمته زورا أنه يملك فيها أموالا تنفي تلك الملكيات المزعومة.

ولفت المحامي اللبناني، نقلا عن موكله، إلى أن «المجوهرات العائدة لزوجته هي هدايا رسمية من بعض رؤساء الدول، أما كميات الأوراق النقدية التي عرضت صورها على التلفزيون الرسمي فقد وضعت في منزله الخاص بعد مغادرته كفصل إضافي للمسرحية السيئة الإخراج، إذ ظهرت الأوراق النقدية وعليها علامة البنك المركزي التونسي للإيحاء بأن الرئيس يستولي على الأموال العامة ثم صدر الأمر بإعادتها إلى مصدرها، أي إلى البنك المركزي الذي أحضرت منه خصيصا لتصوير الفيلم، أما الزعم بالعثور على كيلوغرامين من الحشيشة في القصر الرئاسي فهو فصل إضافي لاستكمال التشهير به أخلاقيا، تماما كالأوراق النقدية التي استعارها مخرج الفيلم من البنك المركزي».

الرئيس التونسي المخلوع، دعا عبر محاميه التونسيين إلى «التفكير بتعمق في الغاية والهدف السياسيين من تصويره إلى الرأي العام كهارب من تونس، وحائز على أموال نقدية عائدة إلى البنك المركزي، ويملك أسلحة غير شرعية ومجوهرات ومخدرات».

وقال عازوري، في بيانه: «يوضح الرئيس (بن علي) أن الهدف من تصويره وكأنه أجمع في شخصه جميع الممارسات والعيوب غير الأخلاقية دون استثناء لا يمكن أن يكون سوى التحضير للمرحلة اللاحقة، وجعل التونسيين يتقبلون نظاما جديدا مختلفا في أسسه ومبادئه عن ذلك الذي عرفوه خلال فترة حكمه ومهما قيل، فلن يستطيعوا أبدا محو 23 عاما من تاريخ تونس عرف خلالها الشعب التونسي النمو والاستقرار والأمن بفضل مجهودات متواصلة من طرف جميع المواطنين من أعضاء حكومة وموظفين وغيرهم تحققت خلال هذه الفترة رغم بعض الشوائب»، مذكرا بأن تونس «استحوذت على إطراء المراجع السياسية والاقتصادية الدولية، وأنه تم ذكر تونس كمثال يحتذى من قبل المؤسسات العالمية كالبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومؤتمر دافوس».

ودعا بن علي التونسيين إلى «التنبه للمخطط الجهنمي الذي يتم الإعداد له والذي يشكل إلصاق التهم الكاذبة وغير الأخلاقية بشخصه كجزء لا يتجزأ منه. فالغاية الحقيقية هي التحضير لإنشاء نظام مختلف شمولي».

وبدأت أمس محاكمة بن علي غيابيا وطالب محاموه من المحكمة تأجيل المحاكمة لمنحهم مزيدا من الوقت للتحضير للدفاع عنه. واستمع 5 قضاة في العاصمة التونسية لقضية مقامة ضد بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي بعد اكتشاف ملايين الدولارات نقدا ومجوهرات في أحد قصورهما بعد أن فرا من البلاد إلى السعودية. ويحاكم بن علي بتهم تتعلق بأسلحة ومخدرات تم ضبطها في قصر آخر. وعينت المحكمة 5 محامين للدفاع عن بن علي.

وقال أحد المحامين، ويدعى عبد الستار مسعودي، أمام المحكمة، في إشارة إلى عدم شعبية موكله: «أنا هنا لكي أدافع عن القانون لا عن الجرائم المنسوبة للسيد بن علي».

ودافع فريق الدفاع عن بن علي بأنه ينبغي على المحكمة أن تستدعيه، وقالوا إنهم يريدون أن يروا المخدرات التي يواجه موكلهم اتهامات بشأنها.

ومن جهته، ندد المحامي الفرنسي لابن علي ببدء محاكمة الرئيس المخلوع، معتبرا، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، أنه لا يرى في المحاكمة سوى «عملية تصفية سياسية» و«مهزلة قضائية».

وردا على سؤال لمعرفة ما إذا كان بن علي ينوي العودة إلى تونس لمواجهة القضاء، قال المحامي جان إيف لي بورني: «بالتأكيد لا».

وأضاف: «هذه المحاكمة هي فخ بكل معنى الكلمة، ومن غير الوارد التصديق على إجراء لا يزيد على كونه عملية تصفية سياسية. نحن لا نعتبر هذه المحاكمة إلا عملية سياسية».

وحضر المحاكمة أكثر من 200 وسيلة إعلام تونسية وأجنبية، وعدد كبير من المحامين والحقوقيين. وكانت النقاشات داخل المحكمة قد انزلقت منذ البداية من توجيه التهم لابن علي، إلى نقاش مستفيض حول المرافعة عن متهم في حالة غياب، ومعنى الفصل 141 من القانون الجزائي التونسي. وقال رئيس هيئة المحكمة إن الفصل المذكور «يمنع أي محام من الدفاع عن متهم في حالة فرار»، وهو ما أثار غضب بعض المحامين.

وقال عبد الرزاق الكيلاني، عميد المحامين التونسيين لـ«الشرق الأوسط»، إن الدفاع عن بن علي يندرج ضمن المبادئ العامة للمحاكمة العادلة، وإن غياب المتهم لا ينفي ضرورة الدفاع عن ملف الاتهام من ناحية الإجراءات الشكلية.