النفط الليبي يضغط على معادلات الحرب والسياسة لدى القذافي ومعارضيه

توقف التصدير يفلس الثوار.. وشح الوقود يعرقل آليات العقيد

TT

كان محمود الحاسي يعمل في شركة «النفط الوطنية» بليبيا، قبل أن ينضم للثوار. وظل يعتقد أن القضاء على حكم العقيد معمر القذافي لن يستغرق شهرا واحدا، لكن أمد الثورة المسلحة طال، رغم تدخل حلف الناتو. حسنا. لا أحد من الإخوة الأعداء يستطيع حاليا المجازفة بوضع خطط لما يمكن أن يجنيه من أموال نظير التعاقد على بيع ثروات أصبح استخراجها وتصديرها صعب المنال. ومع استمرار الاقتتال منذ يوم 17 فبراير (شباط) الماضي، حتى الآن، تدهورت إنتاجية النفط وتكريره، ما يهدد الثوار بالإفلاس وآليات العقيد بشح في الوقود.

وحاول المجلس الانتقالي الذي أصبح يدير مدن الشرق الليبي، ويهيمن على مدن أخرى في الغرب، تصدير حصص من النفط عبر وسطاء عرب وأجانب، لكن هذه المحاولات عادت لتراوح مكانها، عقب استهداف قوات القذافي عدة آبار وخطوط لنقل النفط من الصحراء جنوب بنغازي إلى ميناء طبرق على البحر المتوسط.

وأشرف الحاسي، باعتباره من مسؤولي الثورة المناوئة للقذافي، على شحن ناقلة قبل عدة أسابيع من ميناء طبرق قال إنها كانت متجهة إلى الصين، لكن هذا لم يتكرر. وأضاف وهو ينطلق في سيارة دفع رباعي عسكرية استولى عليها الثوار من قوات القذافي، إن الأضرار التي تعرض لها قطاع النفط كبيرة. وكانت السيارة تقطع الطريق الترابي الموازي لخط أنابيب تم تفجيره أخيرا على يد مجهولين جنوب طبرق. وكانت أمامنا المساحات الواسعة الممتدة عبر مئات الكيلومترات حيث يتراقص السراب فوق الصحراء الغنية بالنفط.

وأشار قائد السيارة الذي يدعى سعيد بو الناظر، وكان يعمل سابقا في القوات الأمنية التابعة للقذافي، إلى آثار تفجير وإلى بحيرة من نفط تسرب حديثا من خط يبلغ طوله نحو 150 كيلومترا. وقال: «مثل هذه التفجيرات يقوم بها أنصار القذافي منذ أشهر لمنع الثوار من أي موارد مالية.. هذه خطة جهنمية».

وإلى الغرب قليلا من طبرق لم يتمكن المهندسون الليبيون والأجانب الذين جلبهم الثوار من تأمين تدفق النفط القادم من واحة الجغبوب. وقال الحاسي، وهو يلقي نظرة على آليات أعطبتها ضربات صواريخ القذافي في الصحراء: «لم تعد لدينا أموال. إذا لم يسارع العالم لمساعدتنا لاستئناف التصدير سنجوع، وسنهزم».

لكن المؤشرات الواردة من طرابلس تقول إن نظام القذافي نفسه يعاني من صعوبة انتظام تصدير النفط في الموانئ القليلة التي ما زالت تحت سيطرته في وسط البلاد، بعد أن كان إجمالي ما يصدره يبلغ نحو 1.6 مليون برميل يوميا. وتدافع قوات العقيد الليبي بضراوة عما تبقى لها من معامل تكرير للنفط في الوسط لتأمين وقود لآلياتها العسكرية، خاصة في شرق طرابلس حيث «راس لانوف» و«البريقة»، إضافة لـ«الزاوية» بغرب العاصمة.

ويزعم بعض المعارضين أن قوات القذافي لم تكتف بتفجير مواقع مهمة للنفط تقع تحت سيطرة الثوار، بل زرع الألغام فيها أيضا، إضافة إلى زرع ألغام أخرى في طرق برية جنوبية لكبح تحركات المناوئين للقذافي. وإذا صحت مزاعم المعارضين، فإن مشكلة الألغام في الأراضي الليبية ستزيد من تعقيدات استخراج النفط مستقبلا، لأن الصحراء الليبية يوجد بها أصلا حقول ألغام متخلفة من الحرب العالمية. وتتحرك الألغام من مواضعها بفعل السيول الموسمية.

وقبل مائة عام كانت هذه الأراضي الشاسعة تخضع للإمبراطورية التركية، حيث كان غالبية الليبيين يعملون في رعي الأغنام والإبل وينتظرون سقوط الأمطار لزراعة الشعير والقمح في السهول الساحلية ولم يكن أحد يعرف شيئا عن وجود النفط. ومنذ مطلع القرن الماضي تولى المحتل الإيطالي قيادة أعمال التنقيب بليبيا تحت إشراف الجمعية الجغرافية الإيطالية، لكن لم يتم التوصل إلى أي اكتشافات نفطية. وقال الحاسي: «أبي كان راعيا للأغنام وجدي أيضا. النفط ظهر بالصدفة قبل سنوات قليلة من تولي القذافي الحكم (عام 1969).. ظني أنه لولا النفط ما تمسك بالحكم، ولا عرف العالم قيمة ليبيا».

وظهرت أول تكهنات بوجود نفط بليبيا في الأربعينات ثم بدأت المؤشرات تؤكد وجوده منذ عام 1954 أثناء أبحاث لإيطاليين وبريطانيين، وسارعت أميركا بعد ذلك لوضع خرائط للنفط الليبي عن طريق جمعية مسح جيولوجي تابعة لها، ليبدأ أول تصدير عام 1961. واستمر تدفق النفط منذ ذلك الوقت، ليغير طبيعة الحياة لليبيين اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. وفي 2008 وصلت كمية مخزون النفط المؤكدة، حسب مسح لـ«بريتش بتروليم» إلى نحو 41.5 مليار برميل، ثم زادت التقديرات في العام الماضي إلى نحو 46.5 مليار برميل.

وقبل انفجار النزاع بين المعارضين والحكومة قبل 4 أشهر كانت ليبيا تصدر 85% من إنتاجها النفطي إلى أوروبا، خاصة إيطاليا وألمانيا وفرنسا. كما كانت تستعد لزيادة تعاقدات النفط مع دول أخرى منها الولايات المتحدة، إلا أن كل هذا تعثر بسبب الحرب.

ويخشى الحاسي، مثل كثير من الليبيين، من قيام حلف الناتو بمراجعة حساباته، تحت ضغط الحاجة للنفط خاصة من جانب الدول الأوروبية التي تعتمد الكثير من معامل التكرير ومحطات الوقود فيها على الصادرات الليبية. ومنذ بداية الثورة ضد القذافي طلبت عدة شركات نفط غربية ضمانات من الثوار لتأمين عقود الصادرات، لكن الأمر ليس بتلك السهولة على ما يبدو. وقال الحاسي وهو يتجه لإرسال تقرير للمجلس الانتقالي عن حالة خطوط النفط جنوب طبرق: «نحن الليبيين نعرف أن علاقة الغرب بنا يحددها النفط.. ولهذا أنا غير مطمئن».