الأسد في خطاب للسوريين: الإصلاح سيأخذ وقتا.. ولا نريد القفز إلى المجهول

وعد بحوار وطني.. وتوسيع العفو.. وبانتخابات تشريعية.. وتعديل الدستور.. وإلغاء مادة حول حكم البعث

الرئيس السوري خلال إلقاء خطابه في جامعة دمشق أمس (إ.ب.أ)
TT

قال الرئيس السوري بشار الأسد الذي يواجه احتجاجات غاضبة في الشارع السوري، إنه سيبدأ عما قريب حوارا وطنيا، ربما يفضي إلى دستور جديد يخرج سوريا من الأزمة التي تواجهها، في كلمة اعتبر معارضوه أنها «غير كافية» ولا «ترقى إلى مستوى الأزمة» وستؤدي إلى تأجيج المظاهرات ضد نظامه. في حين اعتبرت جهات دولية أن الأسد بلغ «نقطة اللاعودة» مشككة في أن يكون في استطاعته تغيير سمعته بعد القمع «المريع» الذي مارسه على شعبه.

وتعهد الرئيس الأسد بإدخال إصلاحات، غير أنه أشار إلى أن تنفيذ هذه الإصلاحات سيأخذ وقتا، وأن نظامه لا يريد القفز إلى المجهول. وقال الأسد في خطاب ألقاه بجامعة دمشق إنه سيطلب من وزارة العدل دراسة توسيع نطاق العفو الحالي على أن يتم التفريق أولا بين «المخربين» وأصحاب المطالب المشروعة. وفور انتهاء الخطاب خرجت مظاهرات غاضبة في عدد من المدن، منددة بما جاء في الخطاب، الذي سمى المحتجين بالمخربين. كما أعلنت «لجان التنسيق المحلية» التي تضم أبرز ناشطي الحركة الاحتجاجية في سوريا استمرار «الثورة» حتى تغيير النظام.

وأكد الأسد على أهمية الحوار في تقرير مستقبل سوريا وقال إن الهيئة التي شكلت هي للإشراف على الحوار و«قررت أن تقوم باجتماع تشاوري خلال الأيام المقبلة تدعو فيه أكثر من مائة شخصية تتشاور معهم حول المعايير والآليات، بعدها يبدأ الحوار مباشرة ويتحدد جدول زمني». وأضاف: «هذا الحوار عملية مهمة جدا يجب أن نعطيه فرصة، لأن كل مستقبل سوريا إذا أردناه أن ينجح يجب أن يبنى على هذا الحوار الذي يشارك فيه مختلف الأطراف على الساحة السورية». وأشار الرئيس السوري إلى أن «الحوار الوطني قد يؤدي إلى تعديل دستوري أو دستور جديد» في إشارة إلى إمكانية تغيير المادة الثامنة التي تنص على قيادة حزب البعث للبلاد، التي تطالب المعارضة بإلغائها. وتنص المادة الثامنة من الدستور السوري على أن «حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية».

ومنذ أن اندلعت الاحتجاجات في مارس (آذار) الماضي استجاب الأسد بمزيج من القمع العسكري والعطاءات السياسية. ولم تنجح أي خطوة في وقف الاضطرابات التي تقول جماعات حقوق الإنسان إنها أدت إلى مقتل 1300 مدني وأكثر من 300 من رجال الشرطة والجيش. وأعلنت الحكومة في منتصف مايو (أيار) أنها ستجري «حوارا وطنيا» في جميع أنحاء البلاد في غضون أيام لمعالجة القضايا التي فجرت الاضطرابات. وأوضح الأسد أن «انتخابات مجلس الشعب إذا لم تؤجل ستكون في شهر أغسطس (آب) وسيكون لدينا مجلس شعب جديد اعتقد في آخر آب.. وأعتقد أننا قادرون على إنجاز على هذه الحزمة حتى نهاية شهر آب ولنقل إنه في أيلول (سبتمبر) تكون هذه الحزمة منتهية».

ودعا كل شخص هجر مدينته أو بلدته إلى أن يعود بأسرع وقت وأكد على دعمه لأهالي جسر الشغور الذين فروا إلى الحدود التركية. وكان الأسد أصدر عفوا عاما في 31 مايو (أيار) حيث قالت وسائل إعلام رسمية إنه سيشمل أعضاء في كل الحركات السياسية بما فيها جماعة الإخوان المسلمين المحظورة. ولم يضمن العفو الحرية لجميع السجناء. ويقول نشطاء إن الآلاف ما زالوا في السجون.

وقال الأسد: «سأطلب من وزارة العدل أن تقوم بدراسة ما هو الهامش الذي يمكن أن نتوسع في العفو ولو في مرسوم آخر بشكل يشمل آخرين من دون أن يضرب مصلحة وأمن الدولة من جانب، وبالوقت نفسه يراعي مصالح المواطنين المعنية بالحقوق الخاصة للمواطنين أصحاب الدم على سبيل المثال». وقال إن «أعداد الخارجين على القانون والمطلوبين للعدالة.. في بداية الأزمة كان نحو 64 ألفا و400. تخيلوا هذا الرقم من المطلوبين بقضايا مختلفة». وأضاف: «العدد يعادل بالمعنى العسكري خمس فرق عسكرية.. تقريبا جيش كامل. لو أراد بضعة آلاف من هؤلاء أن يقوموا بحمل السلاح والقيام بأعمال تخريب، تستطيعون أن تتخيلوا مدى الضرر الذي يمكن أن يلحق بالدولة».

وقال إنه سيشكل لجنة لدراسة تعديل الدستور السوري وإن هذه اللجنة ستطرح توصياتها في غضون شهر.

وأشار إلى أن أصحاب الفكر المتطرف والتكفيري هو الأكثر خطورة على الرغم من صغر إحجامهم.. «هذا الفكر الذي اختبرناه وعرفناه منذ عقود عندما حاول التسلل إلى سوريا واستطاعت أن تتخلص (منه) بوعي شعبها وحكمته. واليوم لا نرى هذا الفكر مختلفا عما رأيناه منذ عقود، فهو نفسه، وما تغير هو الأدوات والأساليب والوجوه، فهو يقبع في الزوايا المعتمة ولا يخاف أن يظهر كلما سنحت له الفرصة.. فهو يكفر باسم الدين ويخرب تحت عنوان الإصلاح وينشر الفوضى باسم الحرية».

وقال: «من المهم الآن أن نعمل جميعا على استعادة الثقة في الاقتصاد السوري. أخطر شيء نواجهه في المرحلة المقبلة هو ضعف أو انهيار الاقتصاد السوري، وجزء كبير من المشكلة هو نفسي. لا يجوز أن نسمح للإحباط أو الخوف أن يهزمنا.. أن نقوم بهزيمة المشكلة بالعودة إلى الحياة الطبيعية». وأكد الرئيس السوري أنه ستتم ملاحقة ومحاسبة «كل من أراق الدماء أو سعى إلى إراقتها»، مشيرا إلى أن تطبيق القانون «لا يعني الانتقام». وقال في خطابه: «سنعمل على ملاحقة ومحاسبة كل من أراق الدماء أو سعى إلى إراقتها، فالضرر الحاصل أصاب الجميع، والمحاسبة على ذلك حق للدولة بمقدار ما هو حق للأفراد». وأضاف: «عندما نعمل على تطبيق القانون، فلا يعني الانتقام بأي شكل من الأشكال من أشخاص خرقوا القانون دونما قتل أو تخريب، فالدولة هي كالأم أو الأب تحتضن الجميع ويتسع صدرها لكل أبنائها وتستند في علاقتها معهم على التسامح والمحبة لا على الحقد والانتقام، وعندما تعفو الدولة عن المخطئين، فبهدف تكريس هذه العلاقة السليمة بينها وبين أبنائها دون أن يعني ذلك التخلي عن الحزم عندما تصل الأمور إلى حد إلحاق الضرر بالمصلحة العامة».

وقال الأسد إن «المؤامرة» ضد سوريا تزيدها «عزة ومناعة»، مؤكدا أن سوريا في «لحظة فاصلة» بعد «أيام صعبة». وعبر الأسد، الذي استقبل بتصفيق حار، عن تعازيه «لعائلات الشهداء» الذين سقطوا في الاحتجاجات، مؤكدا أن «الشهداء الذين سقطوا خسارة لأهلهم وللوطن ولي شخصيا أيضا». وأكد أنه ستتم محاسبة «كل من أراق الدماء» أو «تسبب في إراقة دماء» بينما تشهد سوريا منذ ثلاثة أشهر حركة احتجاجية لا سابق لها سقط فيها أكثر من 1300 قتيل حسب منظمات حقوقية. وأضاف أن «الضرر الحاصل أصاب الجميع، والمحاسبة حق للدولة كما هو حق للأفراد». وبعد أن تحدث عن وجود «مؤامرة بالتأكيد»، قال الأسد إن «المؤامرات كالجراثيم لا يمكن إبادتها.. إنما يجب أن نقوي المناعة في أجسادنا». وأضاف: «لا أعتقد أن سوريا مرت بمراحل لم تكن فيها هدفا لمؤامرات مختلفة قبل أو بعد الاستقلال».