مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط»: الوقت بدأ ينفد أمام الأسد.. وخطابه يؤكد عزلته عن شعبه

المعارضة السورية في واشنطن تعتبر خطاب الأسد هزيلا ويفتقد المصداقية وسيشعل المظاهرات

نازحة سورية تنتظر مع طفلها في عيادة طبية بمخيم يايلاداغي في الاراضي التركية (رويترز)
TT

استنكرت وزارة الخارجية الأميركية خطاب الرئيس بشار الأسد وما ورد به من وعود إصلاحية اعتبرتها مجرد كلمات جوفاء لا تحمل مضمونا حقيقيا.

وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأميركية، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «إن الأسد لم يقل شيئا جديدا في الخطاب، وقد وعد بالقيام بإصلاحات كثيرة في خطاباته السابقة لكنه لم ينفذ شيئا، وما قاله يدل على أنه منعزل عن شعبه ولا يدرك مطالب السوريين. وما يريده السوريون والمجتمع الدولي هو أفعال ليس وعودا وكلمات».

وأضاف المسؤول الأميركي: «إن وقت الكلمات قد نفد، ويجب على الأسد أن يكون واضحا ومحددا فيما سيفعله في الاستجابة لمطالب شعبه». وكرر المسؤول الأميركي مطالبات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون للأسد إما بقيادة التغيير وإما الرحيل.

وفي إشارة إلى شعارات إسقاط النظام التي رفعها المتظاهرون في عدة مدن سورية، قال المسؤول الأميركي: «السوريون قالوا ما يريدون، والأمر متروك للنظام السوري بالرد على المطالب السورية».

واستنكر المسؤول الأميركي إلقاء الأسد باللوم في المظاهرات والاضطرابات على المؤامرات الخارجية، وقال: «إن الأسد يبدو في انقطاع كامل عن شعبه، ولا يفهم أن المظاهرات ومطالب التغيير تأتي من السوريين، وهم الذين يتظاهرون ويطالبون بالتغيير»، كما استنكر دعوة الرئيس الأسد اللاجئين السوريين للعودة إلى ديارهم في مدينة جسر الشغور والقرى المحيطة بها، وقال: «أعتقد أن اللاجئين السوريين قد قاموا بالاختيار بترك ديارهم ودولتهم واضطروا إلى اللجوء إلى دولة أخرى، وعندما يؤمنون ويقتنعون أنهم في أمان في سوريا فإنهم سيعودون».

وأكد المسؤول الأميركي استمرار الولايات المتحدة في التنسيق مع المجتمع الدولي لفرض مزيد من الضغوط على النظام السوري، مشيرا إلى اتصالات أميركية مع الجامعة العربية وشركاء ثنائيين في المنطقة ومع تركيا، وقال: «كل شيء يشير إلى أن الوقت ينفد أمام الأسد، وما نحاول القيام به هو استخدام نهج واسع النطاق لدعم الشعب السوري، ولدينا اتصالات وعلاقات واسعة مع المعارضة السورية من خلال سفارتنا وأماكن أخرى، ونحن نؤيد بقوة وجود السفير الأميركي روبرت فورد في دمشق؛ لأنه كل يوم يعقد اجتماعات مع شخصيات من المعارضة وقادر، هو وفريقه، على تقديم المعلومات وتوضيح سياسات واشنطن مع صانعي القرار، وهو عيوننا وآذاننا على أرض الواقع في سوريا».

وأشار المسؤول الأميركي إلى جهود الولايات المتحدة في مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وفي محافل دولية أخرى للعثور على وسيلة للمجتمع الدولي من خلال مجلس الأمن في التحدث عما يحدث في سوريا.

وقال الناشط السوري المعارض، رضوان زيادة: إن الخطاب يؤكد أن الرئيس بشار الأسد يعيش في حالة إنكار لما يحدث من مظاهرات في سوريا، ويبدو أنه يعيش حالة انفصام عندما يقول إن الشعب السوري يحبه.

ووصف زيادة الخطاب بأنه كان هزيلا للغاية ويظهر ضعف القدرة القيادية لدى الأسد، خاصة في توقيت الخطاب الذي جاء بعد صمت استمر 50 يوما منذ خطابه السابق، مؤكدا أن الانتقادات التي وُجهت له لصمته عما يحدث من انتهاكات وقتل للمتظاهرين دفعته للخروج بهذا الخطاب، وقال زيادة: «في رأيي أن الخطوات التي أعلنها بشار من أجل إقامة لجنة لتعديل الدستور والبدء في حوار هي خطوات ليست لها أي مصداقية على أرض الواقع، فأعضاء لجنة الحوار، التي يرأسها فاروق الشرع، معظمهم من الحزب البعثي، وليس لهم مصداقية». وهاجم زيادة التهديد الواضح في خطاب الأسد للمتظاهرين وتقسيمهم إلى مجرمين ومتطرفين إسلاميين يدعون لإمارة إسلامية، كما انتقد دعوة الأسد للاجئين من مدينة جسر الشغور إلى العودة إلى سوريا دون أن يقدم لهم ضمانات فعلية وحقيقية، مؤكدا عدم وجود أي قبول داخلي أو خارجي لما أعلنه بشار الأسد؛ لأنه لا يرقى إلى طموحات الشعب السوري.

وأكد زيادة أن الخطاب سيؤدي إلى مزيد من المظاهرات في المدن السورية كلها، بعد إصابة السوريين بالإحباط، نافيا أن يقدم الأسد على خطاب لإعلان تنحيه عن الحكم، وقال: «إن بشار الأسد شبيه بالقذافي ويعيش حالة إنكار، وعلى الولايات المتحدة أن تعلن بصراحة أن الأسد فقد شرعيته وأنه لم يعد حاكما شرعيا لسوريا».

وأضاف زيادة أن المقصود بالخطاب هو التوجه للمجتمع الدولي من أجل منع فرض مزيد من العقوبات على النظام السوري وسط الضغوط المتزايدة لفرض عقوبات اقتصادية ضد الشركات السورية. وأوضح أنه سيتوجه، مع عدد من الناشطين بالمعارضة السورية، إلى موسكو للقاء ميخائيل ماردوف، المبعوث الخاص للرئيس ميدفيديف إلى ليبيا، ولقاء نائب وزير الخارجية الروسي لشرح ما يجري في سوريا ودفع الحكومة الروسية للعمل لصالح الشعب السوري والتصويت لصالح قرار إدانة النظام السوري في مجلس الأمن.

ولمح إلى محادثات تجريها المعارضة السورية مع ممثلي الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على الشركات السورية التي يرأسها أشخاص متورطون في أعمال القمع ضد المتظاهرين، ومنها شركات يمولها رامي مخلوف وشركات نفطية لها علاقات بأوروبا والولايات المتحدة وشركات استثمارية بهدف وقف عمليات التبادل التجاري.

من جهته، قال الناشط السوري نجيب جادبيان، الأستاذ المساعد للعلوم السياسية بجامعة أركنساس: «إن الوعود الذي وعد بها الأسد تشير إلى أنه يعتقد أن الوقت في صالحه وأن هناك متسعا من الوقت لتشكيل لجان، وهو يدل على أن بشار الأسد يعيش في عالم وهمي مخالف للواقع».

وأوضح الناشط السوري أنه لم يتوقع أن يعلن الرئيس الأسد تنحيه، لكنه كان يأمل أن يستغل الأسد الفرصة الأخيرة في التحدث لرؤية لمرحلة انتقالية، وجاء الخطاب أقل من سقف التوقعات منه شعبيا وإقليميا ودوليا من المطلوب للتعاطي مع تطورات الموقف السوري. وأكد جادبيان أن «الأسد يدرك أن التغييرات الحقيقية ستؤدي إلى زوال حكمه، ونحن كنشطاء نطرح فكرة انتقال تدريجي للسلطة بمشاركة الجيش والمسؤولين وأعضاء حزب البعث الذين لم تتلوث أياديهم بدماء الشهداء، والسيناريو المستقبل سيكون الأسوأ إذا استمر النظام السوري في اعتماد الحل الأمني في معالجته لما يحدث».

وقال ديفيد ليش، أستاذ قسم التاريخ بجامعة ترينيتي وعضو المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية: «لقد طالبت الرئيس الأسد مرارا بمخاطبة الشعب السوري منذ بداية المظاهرات، بحيث يبدو الخطاب مؤشرا رمزيا على أن الأسد يحاول الوصول للسوريين بشكل مباشر وفهم مشكلاتهم، لكن في كل خطاب من الخطابات الثلاثة التي أدلى بها الأسد في البرلمان ثم في مجلس الحكومة ثم في جامعة سوريا، كان الأسد يخاطب النخبة والجمهور المؤيد له فقط». وأضاف ليش أن الأسد لا يزال لا يفهم خطورة الوضع ويركز على وعود ضعيفة للأمل في الإصلاح، مثل ما قاله عن التركيز على نقاط الضعف الداخلية بدلا من إضاعة الوقت على المؤامرات الخارجية دون أن يعلن إصلاحات سياسية محددة وجدول تنفيذها ومواعيدها النهائية لإنجازها.

وأكد أستاذ التاريخ أن توجيه اللوم إلى المؤامرات الخارجية يزيد من تأجيج الاضطرابات ويشعل الفتنة الطائفية في سوريا، كما يدفع المجتمع الدولي لاتخاذ نهج محسوب تجاه سوريا، خوفا من الصراع الطائفي وتأثيره السلبي أمنيا في أنحاء المنطقة. وقال ليش: «يبدو أن بعد 3 أشهر من تراكم الكثير من عمليات القمع والعنف والتعذيب فإن الخطاب جاء متأخرا ولو كان الأسد قد أدلى به في 30 مارس (آذار) الماضي ربما كان سيحيي بعض الآمال».