فيما اعتبره مراقبون محاولة لاستعادة دوره السياسي بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) في مواجهة التيارات الدينية في مصر، أطلق الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أمس وثيقة الأزهر بعد أن ناقشها نخبة من المثقفين المصريين من مختلف التيارات الفكرية. تدعم الوثيقة تأسيس الدولة المدنية والابتعاد عن الدولة الدينية مع التأكيد على أن الإسلام مصدر التشريع الذي يضمن للمسيحيين الاحتكام إلى شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية.
وقال الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر، وأحد المشاركين في إعداد الوثيقة إنها عبارة عن مشروع نهضوي يناسب المسلمين والمسيحيين ويؤسس لدولة دستورية حديثة، ويطالب بمبادئ تتفق مع روح الدستور قبل الانتخابات التشريعية.
وأوضح شيخ الزهر أن الوثيقة التزمت في بلورة مستقبل مصر بالمنهج الوسطي وتدعم تأسيس الدولة المدنية والابتعاد عن الدولة الدينية، قائلا: إنها «تضمنت تأسيس دولة وطنية دستورية ديمقراطية حديثة تعتمد على دستور ترتضيه الأمة يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية، ويحدد إطار الحكم ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها على قدم المساواة»، لافتا إلى أن الوثيقة اشترطت أن تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع والتي تضمن للمسيحيين الاحتكام إلى شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية.
وأشار الدكتور الطيب إلى أن الوثيقة تضمنت أيضا اعتماد النظام الديمقراطي القائم على الانتخاب الحر المباشر بما يضمنه من تعددية ومن تداول سلمي للسلطة، ومحاسبة المسؤولين أمام ممثلي الشعب، وتوخي منافع الناس ومصالحهم العامة في جميع التشريعات والقرارات، وإدارة شؤون الدولة بالقانون وملاحقة الفساد وتحقيق الشفافية التامة، وحرية الحصول على المعلومات وتداولها، مؤكدا على ضرورة الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي والاحترام الكامل لحقوق المرأة والطفل، والتأكيد على مبدأ التعددية واحترام الأديان السماوية، واعتبار المواطنة مناط المسؤولية في المجتمع.
وقال الدكتور الطيب إن «الوثيقة طالبت بضرورة اجتناب التكفير والتخوين واستخدام الدين لبعث الفرقة والتنابذ والعداء بين المواطنين، مع اعتبار الحث على الفتنة الطائفية والدعوات العنصرية جريمة في حق الوطن، ووجوب اعتماد الحوار المتكافئ والاحترام المتبادل في التعامل بين فئات الشعب، وكذا تأكيد الالتزام بالمواثيق والقرارات الدولية، وتأكيد الحماية التامة لدور العبادة لأتباع الديانات السماوية الثلاث وضمان الممارسة الحرة لجميع الشعائر الدينية دون أي معوقات.
وأضاف الدكتور الطيب: «تضمنت الوثيقة بناء علاقات مصر بأشقائها العرب ومحيطها الإسلامي ودائرتها الأفريقية والعالمية ومناصرة الحق الفلسطيني واسترجاع الدور القيادي التاريخي لمصر وتحقيق مصلحة الشعوب في إطار من الندية والاستقلال التام واعتبار الأزهر هو الجهة المختصة التي يرجع إليها جميع التيارات في شؤون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة».
وأكد الدكتور بيومي أن جميع التيارات الثقافية والدينية في مصر اتفقت على الوثيقة، وهناك اجتماعات تتواصل حاليا للتعرف على ماذا بعد الوثيقة والذي يعد الأهم من الوثيقة ذاتها.
وعن سبب إصدار الوثيقة في هذا التوقيت، قال الدكتور بيومي لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزهر رأى أن هناك من ينادي بتيار سلفي ومن ينادي بتيار إخواني وآخر علماني، فقرر جمع التيارات المثقفة وعلماءه الأزهريين وانتهى إلى هذه الوثيقة». ونفى الدكتور بيومي أن يكون إصدار الأزهر للوثيقة بسبب نشأة أحزاب «الحرية والعدالة» لجماعة الإخوان المسلمين، و«النور» للتيار السلفي، و«البناء والتنمية» للجماعة الإسلامية، بقوله: «لولا لم توجد هذه التيارات الدينية، لكن الأزهر سيقول أيضا كلمته في مستقبل مصر». لكنه استطرد بقوله: «فما بالنا بوجود التيارات الدينية»، مؤكدا على أن وجود «الإخوان» والسلفيين منح الأزهر دفعة قوية لإصدار الوثيقة.
واستبعد الدكتور بيومي أن تقابل جماعة الإخوان والتيار السلفي الوثيقة بالرفض، قائلا: «الإخوان والسلفيون سيوافقون على الوثيقة، ولا أظن أن إخوانيا أو سلفيا أو صوفيا سوف يلحظ ملحظا سلبيا عليها».
وعن الدولة الدستورية الحديثة التي تضمنتها الوثيقة، أشار الدكتور بيومي إلى أن الدستور أولا، أو الانتخابات التشريعية أولا، هذه خطوات إجرائية لا يترتب عليها من السلبيات ما قد يترتب عليها فقدان المشروع النهضوي الذي تنادي به الوثيقة، موضحا الذي يعنينا في المشروع النهضوي هو إقرار مبادئ عامة للدستور والانتخابات التشريعية، فلنضع مبادئ الدستور أولا والتي لا بد أن تتفق مع روحه.
وأكد الدكتور بيومي على أن مشروع الوثيقة النهضوي يستلهم روح الدين وروح الإسلام والمسيحية والقيم الأخلاقية والدستورية التي تنبع من دور الدين الإسلامي.