برهم صالح: ليس حق تقرير المصير ما سيقسم العراق بل التنكر للدستور

رئيس حكومة إقليم كردستان لـ «الشرق الأوسط»: نعتز بعلاقاتنا مع الخليج.. وسينعكس ذلك إيجابيا على بغداد

برهم صالح، رئيس حكومة إقليم كردستان العراق («الشرق الأوسط»)
TT

الوقت لا يسعف الدكتور برهم صالح لإنجاز جل خططه في البناء والتعمير والإصلاح، ويكفي أن نعرف أنه غالبا ما يجري اجتماعاته مع بعض وزرائه وهو يقود سيارته خلال تفقده المشاريع بين أربيل والسليمانية ودهوك مرورا بالقرى الواقعة في الطريق، اضافة إلى اجتماعات مجلس الوزراء الاسبوعية.

«الشرق الأوسط»، وخلال إنجازها هذا الحوار، واختصارا للوقت، رافقت صالح وهو يتفقد 6 مشاريع في يوم واحد ما بين أربيل والسليمانية، حيث يتابع بدقة ما أنجز وفق الخرائط الهندسية التي يتمتع بمهارة في ترجمتها على أرض العمل، كونه يحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة المدنية وعمل في شركات مقاولات بريطانية كبيرة.

رئيس حكومة إقليم كردستان تحدث لصحيفتنا بصراحة عن الأزمات التي تحيط بحكومته، وأقر بوجود ملفات فساد لن يتراجع عن إصلاحها، كما تحدث عن علاقة أحزاب السلطة والمعارضة، وعلاقة الإقليم ببغداد، مؤكدا «حق الشعب الكردي في تقرير مصيره». وفي ما يلي نص الحوار..

* لنبدأ بالأزمات ونسأل، كيف تنظرون إلى المظاهرات والاحتجاجات التي حصلت في مدينة السليمانية؟ وفي اعتقادكم ما هي الأسباب الحقيقية لها؟

- التظاهر حق مشروع في أي مجتمع ديمقراطي، وقد كفل قانون التظاهر هذا الحق رغم تحفظ المعارضة على فقرات من هذا القانون الذي أقره البرلمان الكردستاني. المظاهرات والاحتجاجات مرت بمسارات عدة أثر في كل واحد منها موقف المعارضة وموقف السلطة والمزاج العام أيضا. في 17 فبراير (شباط) الماضي قام ناشطون بتنظيم تجمع جماهيري مرخص بحسب قانون المظاهرات، وكان تحت لافتة «دعم ثورة الشعب المصري والتونسي»، وحملت بعض المطالب العامة تتعلق بمكافحة الفساد وتوفير فرص العمل للشباب، ثم انحرفت عن مسارها إلى التعرض لمقر الفرع الرابع للحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، مما أدى إلى سقوط شهيد وعدة جرحى من الشباب والشرطة ثم تحولت إلى مظاهرات مدعومة من قبل المعارضة بمشاركة ناشطيها.

وفي حين أننا نعتز بإنجازات كبيرة تحققت على المستويات السياسية والاقتصادية والخدمية في الإقليم، نقر، ومن دون تردد، بوجود إخفاقات في ما يتعلق بملفات الفساد وسوء الإدارة والهيمنة الحزبية على المرافق العامة، مما أدى إلى احتجاجات ومطالب مشروعة للإصلاح، وكنا خلال حملتنا الانتخابية، ومن خلال برنامج القائمة الكردستانية، قد أكدنا ضرورة تبني نهج إصلاحي شامل وجدي. لكن الذي حصل أن المعارضة دفعت بأجندتها الخاصة نحو المطالبة بإلغاء المؤسسات الشرعية التي تمخضت عن انتخابات جرت قبل سنتين نالت فيها المعارضة رقما كبيرا مما يدل على ديمقراطية وشفافية لم تكن موجودة في حالة البلدان الأخرى.

إن معاجلة حالات الفساد وإرث المشكلات، التي لا تستطيع قوى المعارضة أن تنأى بنفسها عن المسؤولية، كونها كانت في صلب القرار السياسي والإداري في الإقليم إلى أمد قريب، يتم عبر تفعيل الحراك السياسي ضمن المؤسسات الشرعية وتأسيس علاقة متوازنة بين الحكومة والمعارضة وتجاوز حالة التصارع الدائم إلى حالة «الصراع والتوافق» بالتناوب، فليس شرطا أن كل ما تعمله الحكومة يعقب باعتراض من المعارضة، وليس كل ما تطرحه المعارضة سيئا. هذه حالة غير صحيحة في إدارة السياسة. نحتاج إلى التوافق والتفاهم لدفع عملية الإصلاح.

* هل تعتقدون أن حكومتكم تجاوزت هذه الأزمة؟

- ربما تجاوزنا مرحلة الخطر في الأزمة، إلا أن تبعاتها وبعض مسبباتها ما زالت باقية. الحل يكمن في الإصلاح الجدي، ويقينا نحتاج إلى توافق وطني يوفر مناخا سياسيا لمتابعة الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي بدأناها. نحتاج إلى أن نجعل من التحدي الذي شكلته المظاهرات فرصة لإصلاح حقيقي ودفعة قوية لبرنامج الإصلاحات إلى أطلقناها في البرنامج الانتخابي لعام 2009. إذا ما تحول هذا التحدي إلى عامل معرقل لذلك فإن الأمر يرتد علينا كما على المعارضة وندخل التجربة الكردستانية في نفق مظلم.

* في اعتقادكم.. هل أسباب أزمة السليمانية تعود إلى الخلافات بين حركة التغيير المعارضة والاتحاد الوطني الكردستاني؟

- طبعا.. جزء من الأزمة يعود إلى الخلافات بين الاتحاد وحركة التغيير. فالاتحاد يمثل التحالف الرئيسي في السلطة الكردستانية، بينما حركة التغيير تمثل أقوى جناح في المعارضة. ولا شك في أن خلافات الماضي، من تصارع وانشقاق، تلقي بظلالها على الأزمة، كما أن السليمانية التي هي معقل الاتحاد ومنطقة نفوذ مشتركة بينها وبين حركة التغيير، وهي التي تحملت القسط الأكبر من تجاذبات الصراع السياسي، بل إن المظاهرات انطلقت منها وبقيت محصورة فيها إلى حد كبير.

* ما هو حجم ملفات الفساد الإداري والمالي في الإقليم؟

- لا أستطيع أن أحدد بالنسب، ولكن أقول إنه موجود إلى درجة أنه يؤثر في الأداء ويحفزنا للاستمرار في تنفيذ الإصلاحات الضرورية وتفعيل الرقابة ومؤسساتها وتثبيت مفاهيم وسياقات الحكم الرشيد.

* وما هي معالجاتكم لملف البطالة؟

- على أكثر من صعيد بدأنا العمل في معالجة البطالة، سواء من ناحية التوظيف حيث أطلقنا هذا العام في ميزانية الإقليم فرص عمل متكافئة وصل عددها إلى 25 ألف وظيفة، وبرامج طموحة للتأهيل المهني، وتوفير القروض الصغيرة للشباب العاطلين، ولكن خيارنا الاستراتيجي هو تنشيط السوق والاستثمار والقطاع الخاص الذي يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة وخصوصا للشباب.

* هناك من اعترض على أسلوب إدارة أزمة السليمانية.. في اعتقادكم كيف كانت هذه الإدارة؟

- حاولنا أن نتعامل كحكومة إقليم مع هذه الأزمة بصبر وعدم الانجرار وراء محاولات الاستفزاز والإثارة، وكان ذلك على 3 اتجاهات، أولا: التجاوب مع المطالب المشروعة والمقترحات المقدمة من قبل ممثلي المتظاهرين وامتزاج تلك المطالب مع مطالب القوى السياسية الممثلة في البرلمان عن طريق اتفاق من (17) بندا يمثل بالنسبة لنا خارطة طريق، ليس فقط لمعالجة تداعيات الأزمة بل التعامل مع مقدماتها وأسبابها لجهة تبني مشروع إصلاحي حقيقي يستجيب لتلك البنود التي اتفقت عليها الأحزاب الحاكمة وأحزاب المعارضة. ثانيا: التعامل بحكمة وروية مع هذه الظاهرة غير المسبوقة في الوضع السياسي بالإقليم واتخاذ تدابير مدنية لحماية المصالح والمنشآت الرسمية والنظام العام وحماية المتظاهرين أنفسهم على مدى 62 يوما من النشاط الاحتجاجي، تخللها انحراف الاحتجاجات عن مسارها السلمي والاصطدام بالمصلحة العامة وتعطيل مصالح الناس وأرزاقهم. وأخيرا التعامل القانوني مع مظاهر استغلال المظاهرات لخلق البلبلة وتهديد السلم الاجتماعي. لا شك كانت هناك حالات تجاوز على القانون وسوء المعاملة من قبل بعض منتسبي الأجهزة الأمنية في مواجهة الأحداث، لكن في مجمل الوضع وفي سياق الاستفزازات المتعمدة والهادفة إلى جرنا إلى موقع العنف، إذ استشهد اثنان من الشرطة وجرح أكثر من 450 منتسبا للأجهزة الأمنية خلال الأحداث، وأداء القوى الأمنية كان موزونا ومسؤولا. وفي اعتقادي أن أسلوب إدارة الأزمة حافظت على شرعية مؤسسات الحكم وديمقراطية المسار السياسي وحافظت أيضا على النظام والسلم الأهلي. ولا يمكن أن يكون كل شيء مطابقا للرغبة، وخصوصا في ظل تجربة جديدة في التعاطي مع سلسلة احتجاجات مدروسة ومسيسة بأجندة المعارضة.

* هل هناك حكومة واحدة في الإقليم أم حكومتان، واحدة تحكم في أربيل والأخرى في السليمانية، خصوصا أن هناك وزارات لا تزال غير مندمجة؟

- الحكومة ولدت موحدة في تشكيلها، وخلال أكثر من عام بدأنا العمل على توحيد المؤسسات المالية وتشكيلات البيشمركة من البنية التحتية. نعم إن هناك موروث انقسام الحكومة الكردية، ولا يزال يتجلى في مجالات الأمن والمالية، لكننا ماضون في برنامج دمج الإدارتين. ودائما أقول إنه إذا ما قسنا صلاحيات الحكومة الحالية قياسا بسابقاتها فإننا نستطيع التأكيد أن صلاحيات الحكومة تمتد إلى كل مناطق الإدارتين السابقتين (أربيل والسليمانية) أكثر من قبل. والحكومة واحدة، عاصمتها أربيل، مع هذا فإن الحكومة الموحدة بالنسبة لنا هي الحكومة الموحدة في البعد الاستراتيجي والوطني، وأي ترسبات تعرقل هذا الهدف ينبغي معالجتها وما عدا ذلك نحن في الأساس لا نفكر في الحكومة الموحدة بالمعنى المركزي الشديد، كما كان الحال في بغداد، الإدارة اللامركزية كفيلة بتحقيق الوحدة دون هواجس من التمركز الذي يهمش الإدارات المحلية.

* ما مدى التدخلات الحزبية، خصوصا للحزبين الرئيسيين، الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، في عمل الحكومة؟

- استنادا إلى ما تقدم، واعتمادا على التقدم الذي تحقق، فإن التدخلات الحزبية بدأت تترك مواقعها لصالح فصل التشابك بين الحكومة والحزب. والمشهد السياسي في الإقليم في وجود برنامج إصلاحي للحكومة وحراك برلماني وحضور قوي للمعارضة يصب في صالح ترسيخ تقاليد جديدة يمنع التداخل الذي كان جزأ من تقاليد العمل السياسي في كردستان مارسه الجميع وإن كان بدرجات متفاوتة.

* هل هناك تداخل في الصلاحيات بين رئاسة الإقليم ورئاسة الحكومة؟ وهل تشعرون بدعم رئيس الإقليم لحكومتكم؟ وما هو تأثير هذا الدعم إن وجد؟

- رئيس الإقليم، مسعود بارزاني، يدعم برنامج عمل الحكومة، وظهر ذلك جليا في أكثر من محطة. وتأثير هذا الدعم كبير، سواء لجهة التكامل بين رئاسة الإقليم والحكومة، أو لجهة تعزيز التحالف الاستراتيجي، المكون الرئيسي لائتلاف الحكومة الحالية، ويشكل سندا قويا لنا في التعاطي مع قاعدة الحزبين الرئيسين، الاتحاد والحزب الديمقراطي الكردستاني.

* تتسع المشاريع العمرانية في مدن الإقليم سنويا، فهل هناك مشاريع تقام في محافظة على حساب محافظات أخرى في الإقليم، وهل تتركز مشاريع الاستثمار في أربيل باعتبارها العاصمة؟

- العمران والتطوير يجريان على مستوى جميع مدن الإقليم ولا يقتصر على محافظة دون أخرى، والاختلاف مرده إلى اختلاف درجة التطور ونقطة البدء وليس إلى تمايز مناطقي، وهذا الأمر يتعلق بمشاريع العمران للحكومة أو للاستثمارات. أما في ما يتعلق بوجود مراكز شركات الاستثمار في أربيل فإنها لا تعني اقتصار نشاطها الاستثماري على أربيل دون المحافظات والمدن الأخرى. هذا الوجود بسبب وجود المؤسسات في العاصمة أربيل. ونحن نؤمن بأن الاستثمارات تشكل خيارا استراتيجيا للتنمية، وبيئة كردستان، سياسيا وأمنيا واقتصاديا، ملائمة للاستثمار العراقي والعربي والعالمي. العراقيون والعرب أولى بالاستثمار في كردستان منه في مكان آخر، وهذا ما يسرع من وتيرة التنمية الشاملة.

* هل تعتقدون أن مخصصات الـ17 في المائة من ميزانية العراق كحصة للإقليم كافية لتنفيذ مشاريعكم وتتناسب وطموحات الإقليم؟

- كمرحلة أولى لا بأس بها. لكننا ننتظر الإحصاء السكاني الذي تأجل كثيرا لكي نعرف حجم مستحقات الإقليم من الموازنة، ولا يمكن حتى ذلك الحين أن نخمن حاجة الإقليم في ما يخص التنمية المستدامة.

* تأخرت مناقشات الميزانية في برلمان الإقليم، ألا تعتقدون أن ذلك يؤثر في تنفيذ مشاريعكم؟

- تم إقرار الموازنة مؤخرا، بعض التأخير سببه أن الموازنة أصحبت، مع الأسف، جزءا من السجال السياسي، وهذا ما يؤدي إلى التأخير في الإقرار. الموازنة الحالية فيها مشاريع طموحة ونرجو أن نتمكن من إنجاز نسبتها الأكبر، فما لا يدرك كله لا يترك جله.

* تولون اهتماما بالغا في موضوع التعليم العالي والبعثات وبناء الجامعات، هل لنا أن نعرف حجم هذا الاهتمام؟ وهل يتم ذلك على حساب بقية القطاعات؟

- نحن نعتبر أساس أي تنمية يبدأ بتأهيل الجيل الجديد، كل ما يمكن تصوره عن الاستزادة بالعلم، والتعرف على تجارب الآخرين، ورفع مستوى التعليم، وخلق بنية متينة للنمو الاقتصادي والإداري والاجتماعي.. يمر عبر قناة التعليم العالي والبعثات، لذا فإن اهتمامنا بهذا المجال ليس اهتماما علميا فقط، على أهمية ذلك، بل هو اهتمام أشمل لخلق البنية التنموية لكردستان العراق. وهذا الاهتمام، وإن لم يكن على حساب القطاعات الأخرى، إلا أنه يشكل بالنسبة لنا أولوية قصوى، وقد أطلقنا في هذا المجال برنامجا يتيح الفرص لطلبة الدراسات العليا، وخصصنا لذلك (100) مليون دولار سنويا. وخلال العام الماضي والحالي أنجزنا مرحلتين في هذا البرنامج شملتا مئات من طلاب الدراسات العليا في الماجستير والدكتوراه في بلدان العالم المختلفة وسنطلق المرحلة الثالثة قريبا، كما أن جامعات كردستان ستشهد نموا سريعا وهي بدأت بعقد اتفاقيات تعاون مع الجامعات الشقيقة سواء في العراق أو المحيط الإقليمي ومع جامعات غربية مرموقة.

* تحدث الرئيس العراقي والأمين العام للاتحاد في خطابه في ذكرى تأسيس حزبكم عن العمل على أن تكون السليمانية عاصمة ثقافية.. ترى ما هي جهودكم في هذا المجال؟

- السليمانية تاريخيا هي عاصمة الثقل الثقافي والسياسي في إقليم كردستان، وهي مهيأة أساسا لهذا الدور الثقافي، أخذت السياسة من عمر السليمانية كثيرا، وخصوصا أثناء التجاذبات السياسية في السنوات الماضية، لذا فهي تستحق الاهتمام والعودة بها إلى تألقها الثقافي والفكري، ونحتاج لتحقيق هذا الهدف إلى توفير الإمكانيات البنيوية ومستلزماتها المادية، والمناخ الثقافي والأدبي في السليمانية مقبل على التطور الثقافي والفكري مما ينعكس على كافة مجالات الحياة الأخرى، وسيكون برنامجنا للسليمانية على هذا المعطى.

* كيف تنظرون إلى تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية عن أوضاع الحريات في الإقليم؟

- لا ننظر إليها كما تنظر إليها الحكومات الديكتاتورية، ولن نقع في فخ استسهال الاستهانة بدور هذه المنظمات. ولا ننسى أن هذه المنظمات ساعدتنا كثيرا في مواجهة الاستبداد، وأريد القول هنا إن اهتمامهم بكردستان مرحب به ويأتي في سياق الاهتمام بتطوير أوضاع الحريات والحقوق السياسية العامة لشعبنا، الذي نعتبره جزءا من أولوياتنا الوطنية والديمقراطية، ولن نعمل على التستر على إخفاقات هنا وهناك، بل نتعامل معها بجدية من أجل تقويم أخطاء التجربة الكردستانية في هذا المجال الحيوي المهم، وما نطلبه من تلك المنظمات التأكد مما تورده من معلومات بكل أبعاده حتى لا تقع في فخ التسطيح مما يفقدها المصداقية ويحرمنا نحن من عين إضافية تراقب المشهد الكردستاني بما يفيد في تقويم تلك الأخطاء، ونطالب تلك المنظمات بأن لا تعتبر ردنا أو تصويبنا لهذه المعلومة أو تلك رفضا قاطعا لتقاريرها أو إنكارا لدورها، نريد التوثق والموضوعية والتأكد مما يرد إليها من معلومات بأخذ رأي المؤسسات الرسمية أيضا.

* من هو الداعم الأكبر لحكومتكم في الإقليم؟

- الداعم الأكبر هو القطاعات المختلفة من الشعب الكردستاني التي ترى بأم عينها ما ينجز على أرض الواقع من جهود حثيثة للتطوير والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، ودعم القيادة السياسية في الإقليم مهم جدا لجهة تنفيذ وعودنا تجاه الشعب ولجهة إزالة العراقيل التي تعترض عمل الحكومة في هذا المجال أو تلك نتيجة تراكمات العهود السابقة من تخلف وتهميش للإقليم من قبل النظام الصدامي ونتيجة لأخطاء العمل في سنوات التجربة الكردستانية، وما حدث من تشابك بين المؤسسات الرسمية والحزبية وآثار الانقسام السياسي.

* تحدثتم عن حق الشعب الكردي في تقرير مصيره وهذا حق شرعي.. هل لنا أن نعتبر ذلك مقدمات للاستقلال كدولة كردستان؟ وفي اعتقادكم ما هي الأسباب التي ستعجل في استقلال الإقليم عن العراق؟

- إن شعب كردستان له الحق في تقرير المصير أسوة بشعوب العالم، بما في ذلك حق تشكيل دولته المستقلة. حق تقرير المصير جزء من برنامج الاتحاد الوطني الكردستاني منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وفي الذكرى السادسة والثلاثين لتأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني استذكرنا في القيادة هذا الشعار الاستراتيجي للاتحاد والحركة الديمقراطية الكردستانية. وقد ناديت في الاجتماع الجماهيري لذكرى تأسيس الاتحاد الوطني إلى الترفع عن التجاذبات السياسية المناطقية والعودة بالاتحاد إلى سابق عهده في المشاركة والتواصل مع إرهاصات المنطقة وما تشهده من تغيرات. هذا الشعار رفعناه دوما بما يعزز من فرص التعايش والاتحاد الاختياري الحر بين الشعب الكردستاني والشعب العربي في العراق، والاتحاد الفيدرالي كما ورد في الدستور العراقي هو خيارنا المفضل كقيادة كردستانية. وقد سعينا مع القوى السياسية العراقية الأصيلة لتثبيت هذا المبدأ في الدستور العراقي للتوفيق بين الإطار الكردستاني والإطار الوطني الأكبر ضمن العراق الديمقراطي. وليس شرطا أن تكون ممارسة حق تقرير المصير مرادفا للاستقلال والانفصال عن العراق، ما يعجل من تقسيم العراق ليس هو شعار حق تقرير المصير بل هو التنكر لخيار الدستور العراقي والالتفاف عليه لصالح التمركز السياسي وتجاهل الإشكاليات التأريخية، بل وتجاهل ما نرى في المنطقة من استقطابات تقود إلى خيارات استراتيجية أوسع لحرية الشعوب والتأسيس لمنظومة سياسية قائمة على الحرية والتكافؤ والديمقراطية لا على الديكتاتورية والتمركز السلطوي.

* اجتماعاتكم الأخيرة مع نيجيرفان بارزاني، الرئيس السابق للحكومة ونائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، هل تمت أو تتم على أساس حزبي أم حكومي؟

- يجمعنا والأخ العزيز نيجيرفان بارزاني علاقات صداقة وتفاهم ونلتقي باستمرار للتداول حول مستجدات الأوضاع، وهذه اللقاءات تتم دائما بما يعزز من التعاون بيننا سواء لجهة العمل الحكومي أو السياسي.

* كيف تصفون علاقة الإقليم بالحكومة الاتحادية في بغداد؟ وهل تؤثر الأزمة السياسية الحاصلة في بغداد على استقرار ومشاريع الإقليم؟

- طبعا تؤثر، فالبعض من عملنا يعتمد على بغداد وما يجري فيها من عرقلة لعمل الحكومة والمؤسسات، وتباطؤ العملية السياسية يؤثر فينا، نحن نتمنى نقل تجربة استقرار الإقليم إلى بغداد، وليس نقل القلق الموجود فيها إلى هنا، والملفات العالقة بيننا وبين بغداد، أيضا مرهونة بحل الأزمة الموجودة بين الكتل السياسية. نحن قلقون من التجاذبات السياسية في بغداد، التي باتت تتعمق، مع الأسف. نرى في تطبيق مبادرة الرئيس بارزاني والتكاتف بين الفرقاء السياسيين لمواجهة الإرهاب والتطرف وتثبيت الشراكة الحقيقية بين المكونات السياسية، الحل الوحيد.

* هل أوفت الحكومة الاتحادية بالتزاماتها مع الإقليم؟

- هناك الكثير من الملفات العالقة بيننا وبين بغداد، ننتظر حلحلة الوضع في العاصمة كي يتسنى لنا معالجة الاستحقاقات الدستورية لتنظيم العلاقة بيننا وفقا للورقة التي وافقت عليها الحكومة الاتحادية.

* هل تعتقدون أن أزمة المناطق المتنازع عليها، وبخاصة كركوك، تجد طريقها إلى الحل؟

- طريق الحل للمناطق المتنازع عليها هو الحل الدستوري ضمن المادة (140) التي تعيد حق الفصل النهائي لهذا الملف إلى أبناء كركوك أنفسهم، مع مساعدة إيجابية من قبل الإقليم والحكومة الاتحادية. وهذا هو أحد الملفات العالقة التي يجب التعاطي معها ومن دون تأجيل.

* هل تعتقدون أن ثمة حلا كرديا للأزمة السياسية في بغداد؟ خصوصا أن الدكتور علاوي، رئيس القائمة العراقية، اجتمع بالرئيس بارزاني وبكم مؤخرا هنا في أربيل؟

- نحن في الإقليم نعتبر ما يجري في بغداد جزءا من همومنا، ومبادرة رئيس الإقليم، بارزاني، شكلت خارطة الطريق لتأسيس الحكومة. ونحن ملتزمون بدورنا في العملية السياسية في العراق. نريد أن نكون جزءا في الحل ونسهم في ذلك بقدر اجتهادنا وجهدنا. واللقاءات مع الأخ علاوي تندرج في هذا الإطار ونتمنى على الكل الابتعاد عن السجالات الإعلامية لمصلحة المشروع الوطني والتوافق الوطني. نتمنى أن نتوصل، كقادة كتل وكيانات شكلت الحكومة الحالية برئاسة الأخ المالكي، إلى حلول للأزمة السياسية عن طريق تحريك ملف التعهدات المتبادلة وتوفير الدعم الحقيقي لحكومتنا للنجاح في مهامها وتنفيذ برامجها المتفق عليها. ودون ذلك فإننا سندخل العملية السياسية في نفق مظلم ربما يعيدها إلى الربع الأول.

* هناك جهد دبلوماسي لافت في الإقليم.. في اعتقادكم كيف يتفاعل هذا الجهد مع علاقات بغداد والدول التي لكم معها علاقات جيدة، الدول الخليجية خاصة؟

- الجهد الدبلوماسي في الإقليم جزء من المنظومة الدبلوماسية العراقية ومكمل لها. والحضور الدبلوماسي المتبادل بين الإقليم والدول الصديقة يأتي في إطار التجاوب مع الحضور الرسمي للإقليم في إطار العراق الاتحادي، وتتعاطى الدول الصديقة للعراق مع فتح القنصليات في الإقليم على أساس ما أقره الدستور العراقي، وعلاقاتنا مع الدول العربية، وبخاصة الخليجية منها، يصب في هذا الاتجاه؛ حيث مرت على بغداد ظروف أبطأت الحضور العربي والخليجي واعتبرنا حضور الجهد الدبلوماسي في الإقليم منطلقا لتكملة النشاط الدبلوماسي على مستوى العراق لحين استتباب الأمن والاستقرار في بغداد. لذا؛ فإن علاقاتنا مع الدول الخليجية ستنعكس إيجابيا على علاقات بغداد مع تلك العواصم.

* هل تعتقدون أنه سيتم التمديد لحكومتكم لعامين مقبلين، فأنتم تعملون وكان حكومتكم باقية؟ وفي حالة تم التمديد، أو عدمه، هل سيكون هناك تغيير وزاري في حكومة الإقليم؟

- نحن نعمل وكأن الحكومة باقية لأنها فعلا باقية. سواء أكان برهم صالح رئيسا للحكومة أو شخصا آخر. فتعهدات القائمة الكردستانية التي شكلت الحكومة وأنجزت الكثير من مهامها ستبقى ملزمة للحكومة في السنتين المقبلتين. وبالنسبة لي؛ ما يهمني هو موطئ قدم للخدمة العامة سواء كنت رئيسا للحكومة أو خارجها. لذا؛ لم ولن أتحدث عن التمديد، وبصدق.. إن هذا الموضوع لا يمثل اهتماما شخصيا لي، فأنا منهمك الآن في أداء واجباتي في الخدمة العامة الآن وهذا ما يهمني، أما التغير الوزاري فهو ما تم الحديث عنه ضمن برنامج الإصلاحات، وهذا التغيير ونوعه متوقف على المحادثات مع المعارضة في ما إذا كانت ترغب في المشاركة في الحكومة أم تكتفي بتوافق وطني دون المشاركة في الحكومة. وإذا لم تشارك، فمن الممكن اجراء تعديل وزاري داخل القائمة الكردستانية واستحقاقها الانتخابي.