قادة طالبان المسالمون يحتاجون لوظيفة ومنزل وحماية أمنية خاصة

عدد قليل منهم سئم القتال وقبلوا بعروض أفغانية بهدف تغيير موقفهم

TT

لا يريد تور جان، الذي اعتاد على قتل الأميركيين والكنديين هنا، الكثير من الحكومة الأفغانية، فهو لا يحتاج سوى منزل ووظيفة، وبالطبع ثمانية حراس شخصيين، لأنه أصبح مستهدفا باعتباره واحدا من القلائل من قادة حركة طالبان، الذين غيروا موقفهم وانشقوا عن الحركة. وفي مقابلة نادرة معه، يبدو تور جان صاحب الثمانية والعشرين عاما، وهو شاب طويل القامة ونحيف ولديه لحية سوداء، حزينا على الخطوة التي قام بها، على الرغم من أنه يعد واحدا من قصص نجاح «برنامج السلام»، الذي يعد أكبر برنامج للحكومة، وأفضلها من ناحية التمويل، ويهدف هذا البرنامج إلى جذب مقاتلي حركة طالبان إلى جانب الحكومة، بهدف إضعاف قوة التمرد. وقال تور جان: «عندما قررت تغيير موقفي، كنت قد سئمت من القتال، حيث لا أستطيع الضغط على الزناد بعد الآن. لقد تعبت من ذلك تماما».

وقال الجنرال فيل جونز، مدير وحدة حلف شمال الأطلسي التي تراقب البرنامج، إن تحول تور جان ربما يعد بادرة أمل لخطة الحكومة، التي تهدف إلى إعادة دمج حركة طالبان في المجتمع الأفغاني، ولكن في الوقت نفسه يعد هذا التحول شيئا نادر الحدوث، فمن بين الـ1700 مقاتل الذين أدرجوا في البرنامج الذي بدأ منذ عشرة شهور، ضم البرنامج عددا قليلا جدا من قادة المستوى المتوسط، في حين أن ثلثي هذا العدد من المنطقة الشمالية التي يكون التمرد فيها أضعف بكثير مما هو عليه في الجنوب. ويمثل مجموع المقاتلين جزءا صغيرا من مقاتلي حركة طالبان، الذين يتراوح عددهم بين 20.000 و40.000 مقاتل، كما أن الكثير من المقاتلين الذين يستفيدون من هذا البرنامج قد لا يكونون من حركة طالبان، ولكنهم فقط رجال يحملون السلاح. وقد التزمت الحكومات الغربية بخطة لإقناع المقاتلين بتغيير موقفهم. وقد تم تمويل هذه الخطة بشكل جيد، حيث إن 140 مليون دولار من الـ150 مليون دولار التي تعهدت بها الحكومات الغربية، والتي يأتي معظمها من الولايات المتحدة واليابان، موجودة بالفعل في حسابات أفغانية، وفقا لمسؤول عسكري غربي. ويقدم هذا المال مرتبا صغيرا وقصير الأجل للمقاتلين الذين غيروا موقفهم، ثم يقدم لمجتمعاتهم برامج سخية للتنمية والعمل، بدلا من توزيع الأموال أو الوظائف على المقاتلين. وتهدف هذه الحوافز إلى منع التجاوزات التي حدثت في البرامج السابقة، حيث كان المقاتلون يغيرون موقفهم بشكل موسمي، فيحصلون على الأموال في فصل الشتاء، ثم يستأنفون القتال في الربيع أو الصيف. وقال الجنرال جونز إن البرنامج ينمو ببطء أكثر في جنوب وشرق البلاد، لأن الكثير من المقاتلين يخافون من انتقام «طالبان» منهم ومن أسرهم إذا ما ألقوا أسلحتهم.

وقال دبلوماسي غربي في كابل: «يجب أن تنظر إلى دوافع المقاتلين، حيث تورط عدد من الأشخاص في ذلك بسبب الخلافات المحلية على الأراضي، أو على السلطة، أو على شرف العائلة». وقال المسؤول: «أنت لا تحتاج إلى اتفاق مع قيادة حركة طالبان لكي تحل تلك المشكلة، حيث إن حركة طالبان ما هي إلا رمز للراحة بالنسبة لهم».

ويشير نمو البرنامج البطيء نسبيا إلى مجموعة من الصعوبات، وفقا لمقابلات مع حكام الولايات الأفغانية، ومسؤولين في حلف شمال الأطلسي، وأعضاء المجلس الأعلى للسلام وإعادة الإدماج، ودبلوماسيين غربيين.

وهناك مشكلات لوجيستية؛ يجب أن يكون في كل محافظة لجنة للسلام والمصالحة، لتكون بمثابة الوسيط بين قادة حركة طالبان النشطاء والحكومة.

ويجب أن يكون هناك حسابات مصرفية خاصة، حتى يتم تعقب الأموال التي يتم إرسالها إلى حكام المقاطعات لتشغيل البرنامج، كما يواجه المسؤولون الأفغان ومسؤولو حلف شمال الأطلسي صعوبة في التأكد من هوية هؤلاء الذين يقولون إنهم يريدون تغيير موقفهم.

وفي مقاطعة قندوز، عاد الكثير من أعضاء حركة طالبان الذين غيروا موقفهم خلال الأشهر الأخيرة، والذين يبلغ عددهم 400 شخص، إلى قراهم لتشكيل مجموعات مسلحة تعرف محليا باسم «أربكاي»، حسب تصريحات رئيس لجنة السلام والمصالحة هناك. وقال أسد الله أوميرخيل، رئيس اللجنة: «حصل عدد منهم على بنادق لتأمين قراهم بعد أن تلقينا ضمانات من وجهاء القرية بأنهم سيخلصون ويدينون بالولاء للحكومة». وتم اتهام بعض من هؤلاء المقاتلين بفرض ضرائب على السكان المحليين وابتزاز المال، بحجة الحماية، وحتى بالاغتصاب.

ولم يكن تور جان هو الوحيد من بين قادة حركة طالبان في الجنوب الذي انحاز إلى جانب الحكومة، حيث قال القائد مولوي نور الله عزيز إنه كان يريد اتخاذ هذه الخطوة في شهر أبريل (نيسان) الماضي، ولجأ إلى صديق يدعى حاجي فضل الدين أغا، الذي يشغل الآن منصب محافظ مقاطعة بانجواي في إقليم قندهار.

وقام أغا برعايته وتعريفه على حاكم الإقليم ويصا توريالاي، الذي أقام حفلا للترحيب به وما لا يقل عن 30 من أتباعه. وكدليل على هويته، قدم خطاب تعيينه كحاكم ظل لحركة طالبان في منطقة قندوز، ويحمل الخطاب ختم مجلس شورى كويتا، وهو مجلس شورى قيادة حركة طالبان، ولكن لم يتم التأكد من بعض مزاعمه. وعلى الرغم من أنه قال، على سبيل المثال، إنه كان يحكم منطقة في ولاية هلمند، فإن شيوخا هناك صرحوا بأنهم لم يسمعوا عنه قط.

والآن، يشك مسؤولو الاستخبارات الغربية في روايته، على الرغم من أنهم ما زالوا يعتقدون أنه ربما يكون، أو كان، عضوا في حركة طالبان. وفي هذه الأثناء، كان عزيز يبحث عن وظيفة حكومية، وحصل على منزل وحماية ومال يكفي لغذاء حاشيته، التي تضم أسرته ومعظم رجاله. وكانت تجربة تور جان أكثر صعوبة، ويعود السبب في ذلك بصورة جزئية إلى افتقاده لراع ونصير سياسي ثري. وقال جان إن الأمر استغرق منه سنة ونصف السنة للوصول إلى قرار الانفصال عن حركة طالبان، التي انضم إليها في عام 2002.

وقال إنه فعل ذلك لأنه فقد أصدقاء له في القتال، ورأى مدنيين أفغانا يقتلون عندما انفجرت قنابل رجاله عن طريق الخطأ في ديسمبر (كانون الأول)، وعلم أن القوات الأميركية قد اعتقلت شقيقه الذي لم يفعل شيئا خاطئا، حسب قوله.

لقد جاء وهو منهك وبصحبته 12 رجلا في فبراير (شباط) الماضي، على أمل أن تفي الحكومة بوعدها وتقوم بحمايته، وتوفر عملا لمقاتليه، وتقوم بتأمين عملية الإفراج عن شقيقه. ودخل في مفاوضات مع رئيس قسم الاستخبارات في قندهار، الذي كان يعرفه منذ الطفولة، والذي وافق على دفع 120 دولار شهريا لكل رجل من رجال تور جان و150 دولار شهريا لجان نفسه، وهي المبالغ التي تدفع إلى أي عضو من أعضاء حركة طالبان يقرر تغيير موقفه. ويعيش جان حاليا في قاعدة سابقة مهجورة ومتهالكة كانت تابعة للجيش الروسي.

وتم إطلاق سراح شقيقه في أبريل (نيسان) الماضي، مما أدى إلى رفع معنويات جان، ولكن رجاله لا يزالون ينتظرون الحصول على فرصة عمل. وقال جان: «الحكومة لا تستطيع الوفاء بوعودها». وأضاف: «خير مثال على ذلك هو انشقاقي عن الحركة. خلال الأشهر الخمسة الأخيرة لم أتلق أي شيء مما وعدوني به، فلم أحصل على أي راتب أو مساكن جيدة. ويقول أولئك الذين يقاتلون الآن: رجالك عاطلون عن العمل، ما الذي حققتموه؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»