خطاب الأسد يفجر يوما داميا في سوريا

صدامات وقتلى وخروج المعارضة بعد مسيرات نظمتها السلطات لتأييد الأسد * مخاوف من استهداف اللاجئين العالقين على الحدود

صورة مأخوذة من الـ «يوتيوب» لاشتباكات بين متظاهرين ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد وعناصر أمن في حمص أمس
TT

شهدت سوريا يوما داميا، أمس، بعد يوم واحد من إلقاء الرئيس السوري بشار الأسد خطابا تعهد فيه بإجراء إصلاحات واسعة، إذ انطلقت مسيرات «مليونية» نظمتها السلطات في مدن سوريا عدة دعما للأسد وللإصلاحات التي أعلن عنها في خطابه، لكن سرعان ما تطورت إلى اشتباكات بالأيدي مع معارضين تظاهروا ردا على مؤيدي الأسد في مدينتي حمص ودير الزور، مما أسفر، حسب ناشطين، عن مقتل 7 أشخاص على الأقل وإصابة العشرات بنيران قوات الأمن والميليشيا (الشبيحة) الموالية للأسد. وفي غضون ذلك، واصل الجيش السوري تمشيطه للقرى والبلدات المحاذية للحدود التركية وسمعت أصوات انفجارات وإطلاق نار وسط مخاوف من استهداف الجيش للاجئين السوريين الذين علقوا على الحدود داخل الأراضي السورية بعد تعثرهم في العبور إلى تركيا. ومن جانبه، أصدر الأسد أمس مرسوما منح بموجبه عفوا عاما يشمل جميع الذين ارتكبوا جرائم قبل تاريخ 20 يونيو (حزيران)، وذلك في محاولة لتهدئة الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ ثلاثة أشهر ضد حكمه، وكما قالت المعارضة عن خطابه بأنه غير كاف، فقد اعتبرت قرار العفو بأنه غير كاف أيضا.

واحتل عشرات الآلاف من السوريين الساحات والميادين الرئيسية في المدن السورية في مسيرات مؤيدة للنظام وبرنامج الإصلاحات الذي وعد به الأسد. وأظهر التلفزيون السوري مسيرات في حلب ودمشق ومدينة درعا الجنوبية حيث بدأت الاحتجاجات أول مرة في منتصف مارس (آذار). ولوح الناس بعلم بلدهم ذي الألوان الأحمر والأسود والأبيض رافعين صور الأسد ومطلقين بالونات في الهواء تحمل ألوان العلم.

وقال شهود عيان في محافظة درعا، جنوب البلاد، إن قوات الأمن فتحت النار لتفريق عدة آلاف من المتظاهرين في حي المدينة القديمة بعد أن نزل المحتجون إلى الشوارع ردا على المظاهرة المؤيدة للحكومة في منطقة المحطة، وقالوا إن موظفين وأفرادا من الجيش يرتدون ملابس مدنية تلقوا الأوامر بالمشاركة فيها، حسبما أوردته وكالة «رويترز».

وفي تلك الأثناء، غصت ساحة الأمويين بوسط العاصمة السورية بعشرات آلاف الأشخاص صباح أمس وأقفلت الطرق المحيطة بها، حسب وكالة الصحافة الفرنسية، في مسيرات مؤيدة للنظام، وحمل المتظاهرون القادمون من أحياء العاصمة وريفها، أعلام سوريا ورددوا شعارات مؤيدة للنظام منها «بالروح بالدم نفديك يا بشار» و«الله وسوريا وبشار وبس».

وأفاد التلفزيون الرسمي بأن مظاهرات ضخمة أخرى مؤيدة للأسد نظمت أيضا في حمص (وسط) وحلب (شمال) واللاذقية (شمال غرب) ودير الزور (شرق) وإدلب (شمال غرب) ودرعا (جنوب) حيث بدأت في منتصف مارس حركة الاحتجاج ضد نظام الرئيس السوري. وأكدت وكالة الأنباء السورية أن «ملايين السوريين قد احتشدوا.. لدعم خطة الإصلاحات الشاملة» التي أعلن عنها الرئيس الأسد. وفي حين تجاهلت وسائل الإعلام الموالية للنظام وقوع احتجاجات وسقوط قتلى، أكد ناشط بارز أن قوات الأمن السورية قتلت بالرصاص 7 أشخاص أثناء اشتباكات في مدينتي حمص ودير الزور وقعت بين موالين للرئيس بشار الأسد ومحتجين يطالبون بالإطاحة به.

ونقلت وكالة «رويترز» عن نشطاء أن المحتجين قتلوا بأيدي قوات الجيش والأمن التي تدخلت إلى جانب مؤيدي الأسد في مدينة حمص وبلدة الميادين في محافظة دير الزور التي تقع على مسافة 40 كيلومترا إلى الشرق من العاصمة قرب الحدود مع معقل السنة في العراق.

وقال عمار القربي رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سوريا إن موالين للأسد يعرفون باسم «الشبيحة» أطلقوا الرصاص على المحتجين في حمص والميادين وقتلوا سبعة مدنيين على الأقل وأصابوا عشرة بجروح.

وقال مقيم في بلدة الميادين «من الصعب قول من الذي بدأ أولا لكن ناقلات جند مدرعة تابعة للجيش تحركت وسط مظاهرة (مناهضة للأسد) وأطلقت النار على الناس. وتأكد مقتل شخص واحد لكن سبعة أشخاص آخرين يعانون من إصابات خطيرة».

وقال اثنان من المقيمين في حمص إن قوات الأمن أطلقت النار على المحتجين الذين نظموا مظاهرة في مواجهة الاجتماع الحاشد المؤيد للأسد المدعوم بشرطة سرية وأفراد من ميليشيا «الشبيحة».

بينما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية بمقتل 4 أشخاص. وأضافت نقلا عن ناشط «قتل مدنيان في حمص وأصيب 6 آخرون بجروح برصاص قوات الأمن على متظاهرين كانوا يطالبون بالحرية»، وأوضح أن القتيلين هما محمد الدروبي وشاطر سهلول، مشيرا إلى أنه «تم نقل ثلاثة جرحى إلى الدرك وفي الطريق جرى ضربهم». كما قتل مدنيان آخران برصاص قوات الأمن في بلدة الميادين في محافظة دير الزور، وأوضح رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان نقلا عن سكان أن «قوات الأمن أطلقت النار على متظاهرين مؤيدين ومناهضين للنظام اشتبكوا بالأيدي».

وعلى الحدود السورية - التركية، سمع إطلاق أعيرة نارية بأسلحة خفيفة ودوي انفجارات عند الجانب السوري من الحدود حيث يوجد آلاف النازحين السوريين الهاربين من القمع.

وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية بأن إطلاق نار من أسلحة خفيفة وانفجارات سمعت في قرية غوفيتشي التركية، قادمة على ما يبدو من قرية خربة الجوز السورية الواقعة على قمة تلة تطل على الخط الفاصل بين البلدين على بعد نحو كيلومتر من المكان، غير أنه تعذر تأكيد مصدر إطلاق النار على الفور.

وكان فارون من قرية بداما الواقعة على بعد كيلومترات عن الحدود التركية وكانت تشكل مركز تموين للاجئين القادمين من بلدة جسر الشغور المجاورة قالوا إن الجيش السوري دخل بلدتهم وقطع مصادر التموين، وأقام مراكز مراقبة عند مختلف مداخل القرية لمنع مرور معارضين إلى الحدود.

وأثارت هذه التطورات مخاوف من اقتراب الجيش من المخيمات التي أقيمت لآلاف اللاجئين على أطراف الحدود التركية، الذين يترددون في عبور الحدود خوفا من حرمانهم من العودة إلى بيوتهم مجددا، أو الذين تقطعت بهم السبل وتعثرت جهودهم في العبور إلى تركيا.

وتم تجميع اللاجئين في «قرى» تضم كلا منها مئات الأشخاص في شريط ضيق يبلغ عرضه بضع مئات من الأمتار وطوله عدة كيلومترات، وهم يتلقون تأكيدات من السلطات التركية بأنهم يستطيعون عبور الحدود - المحددة بأسلاك شائكة - في حال الخطر.

ومنذ اندلاع حركة الاحتجاجات ضد النظام السوري في منتصف مارس (آذار) أرسلت السلطات السورية قوات ودبابات إلى الكثير من المدن لقمع الاحتجاجات وردت أعمال العنف إلى «إرهابيين مسلحين يبثون الفوضى». وخلف قمع المظاهرات أكثر من 1300 قتيل بين المدنيين وأدى إلى توقيف أكثر من 10 آلاف، بحسب منظمات غير حكومية سورية.

وفي السياق ذاته، أعلنت مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين أمس أن القرى الواقعة على مسافة 40 كلم حول مدينة جسر الشغور «مقفرة». وقال الناطق باسم المفوضية أدريان إدواردز في تصريح صحافي إن «المفوضية العليا شاركت مساء (أول من أمس) في زيارة نظمتها الحكومة في مدينة جسر الشغور قرب الحدود مع تركيا».

وأضاف أن فريق المفوضية العليا لاحظ أنه كلما اقترب من جسر الشغور كانت القرى «مقفرة».

وتابعت المفوضية التي لم يشاهد موظفوها على الأرض أيضا أشخاصا نازحين «لا أحد يعمل في الحقول، جسر الشغور مقفرة تقريبا وغالبية المتاجر مغلقة». وأضافت «كون جسر الشغور والقرى المحيطة بها مقفرة يشير إلى عمليات نزوح كبرى»، واعتبر إدواردز أنه «من الصعب جدا إجراء تقييم».

وقد شارك نحو 150 دبلوماسيا وممثلا عن الإعلام ووكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة في هذه الزيارة الميدانية التي نظمها الجيش السوري كما أفادت المفوضية العليا.

إلى ذلك، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أمس إن سوريا وافقت على توسيع نطاق وصول عاملي المنظمة إلى المدنيين والمناطق التي تشهد احتجاجات.

وقال جاكوب كيلينبرجر رئيس الصليب الأحمر في بيان صدر بعد محادثات دامت يومين مع مسؤولين سوريين كبار في دمشق «المناقشات تركزت بشكل كامل على المسائل الإنسانية وكانت صريحة وعملية».

وفي مدينة حلب، قال نشطاء إن القوات السورية وسعت حملتها الأمنية قرب الحدود التركية لتشمل المدينة، وأفادوا بأن العشرات من طلاب جامعة حلب اعتقلوا أول من أمس كما اعتقل 12 بينهم إمام مسجد في قرية تل رفعت القريبة التي تقع في منتصف الطريق بين حلب والحدود التركية عقب احتجاجات.

وعلى صعيد متصل، قالت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، أمس، إن الأسد أطلق عفوا عاما، وهو الثاني من نوعه في غضون ثلاثة أسابيع، يشمل كل الذين ارتكبوا جرائم قبل تاريخ 20 يونيو الحالي أي منذ أول من أمس (الاثنين). وبعد العفو الأول أفرجت السلطات السورية عن المئات من السجناء السياسيين في حين تقول جماعات حقوق الإنسان إن الآلاف ما زالوا يقبعون في السجون.