الشرطة في مصر تشكو تعنت المواطنين

تحاول إصلاح الصورة بعد ثورة 25 يناير

TT

بالنسبة لمحمد سامي (30 عاما) سائق سيارة أجرة، خسر ضابط الشرطة المصري الكثير من هيبته في نظره، ولكنه يقول: «رغم أن هيبة ضابط الشرطة على المحك الآن، فإنها ستعود إليه حتما، فالمواطنون والحالة الأمنية بحاجة لذلك».

كلمات سامي تلخص وضع ضابط الشرطة في المجتمع المصري بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) التي شهدت مواجهات دامية بين الشرطة والمواطنين، وما تلاها من انفلات أمني يعاني منه الشارع المصري حتى اللحظة، وهو ما حدا بالبعض لاتهام ضباط الشرطة بتعمد عدم النزول للشارع بكثافة لتأمين حياتهم. وعبر سنوات طويلة، واجه جهاز الشرطة المصري اتهامات كثيرة بالتعذيب والتنكيل بحق المواطنين، فتفجرت قضايا تعذيب عدة كان أشهرها قضية عماد الكبير. وفي آخر سنوات الرئيس السابق حسني مبارك تناقل المصريون عبر هواتفهم الجوالة مقاطع فيديو كثيرة لوقائع تعذيب أخرى بأقسام الشرطة المصرية وهو ما أجج مشاعر الغضب التي أسهمت في اندلاع ثورة 25 يناير الماضي التي أطاحت بحكم مبارك.

وتلقي المشكلة الأمنية التي تواجهها مصر منذ ما يزيد عن 5 أشهر بظلالها على كافة مناحي الحياة، وتعقد من حسابات الاستحقاقات الانتخابية التي ستشهدها البلاد في غضون شهور قليلة. ويرى مراقبون أن استمرار الانفلات الأمني على شاكلته الحالية سيجعل إجراء الانتخابات شديد الصعوبة وسط أحداث الشغب والبلطجة التي أصبحت حدثا يوميا معتادا في الشارع المصري.

ولكن اللواء طبيب شامل إبراهيم فراج، المدير السابق لمستشفى الشرطة، يرى أن الشرطة المصرية عادت بكامل قواتها للشارع المصري، مرجعا عدم إحساس المواطنين بذلك لحالة التسيب وعدم الالتزام بالقانون الذي يمارسه بعض الخارجين على القانون. وهو ما أجمع عليه مجموعة من ضباط الشرطة التقت بهم «الشرق الأوسط» أثناء تأدية عملهم في الشارع المصري، حيث أجمعوا على أنهم عادوا للشارع بحماس وتفان شديدين من أجل إصلاح صورتهم المهتزة في أعين المواطنين، لكنهم دائما ما يواجهون تعنتا كبيرا من قبل بعض المواطنين الذين يصرون على تحدي سلطتهم ويحولون دون قدرتهم على إعادة الانضباط للشارع المصري. ويعتقد اللواء الدكتور محمد قدري سعيد، الخبير الأمني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن أكثر ما يقلق المواطن الآن هو أن يتحول الانفلات الأمني لانهيار أمني، إلا أنه يرى أن الحل يكمن في استعادة العلاقة الصحية بين المواطن وضابط الشرطة. الرائد عمرو عيسى، عضو لجنة العلاقات العامة بائتلاف ضباط الشرطة، يرى أن الوضع الأمني في البلاد ليس مروعا كما يتم تصويره في وسائل الإعلام، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن «التواجد الأمني أصبح أفضل كثيرا وبشكل سريع لم يكن متوقعا، فالكمائن التي انتشرت داخل المدن وعلى الطرق السريعة بدأت في بث الطمأنينة إلى حد كبير في نفوس المصريين الذين قضوا وقتا عصيبا في غياب الحماية الكافية من الشرطة».

عيسى، الذي يعد ضلعا أساسيا في الائتلاف الذي شكله ضباط الشرطة على أمل استعادة العلاقة الجيدة بالمواطنين، يشكو من تربص الإعلام بضباط الشرطة بشكل يعوق عملهم ويضعهم تحت الضغوط، حيث يعتقد أن الإعلام يهول كثيرا من بعض الحوادث الأمنية رغم أنها كانت موجودة أساسا قبل الثورة.

وفي أحد أقسام الشرطة على أطراف القاهرة، بدا المشهد مختلفا عن ذي قبل، فقد تصدرت صورة كبيرة لشهداء ثورة 25 يناير غرفة الضباط، الذين كانوا يتناولون مشروباتهم في أكواب كتب عليها «ثورة 25 يناير».

وقال ضابط برتبة رائد، رفض ذكر اسمه: «نعاني من حملة مدبرة للتشكيك في وطنيتنا، لسنا ضد الثورة، فنحن مواطنون مصريون أولا وأخيرا»، بينما يضيف زميل له: «يقولون إن ضباط الشرطة انسحبوا تاركين البلاد في فوضى، أقسم أننا لم نهرب أبدا، والتاريخ سيشهد بذلك». ويضيف الضابط أنه لم يكن متواجدا في قسم الشرطة الذي يعمل به عندما اقتحمه المتظاهرون يوم 28 يناير (جمعة الغضب): «كل ما حدث يوم جمعة الغضب كان عفويا وغير منظم، لقد هرولنا خارج الأقسام للنجاة بأرواحنا حين تكاثر الناس علينا بشكل لا يستطيع أحد تحمله».

وبحسب ضابط شرطة يخدم في منطقة شعبية وسط القاهرة فإن أكثر ما يحتاجه ضابط الشرطة الآن هو الدعم المعنوي من المواطن قبل الحكومة، فالضابط الذي يعمل في منطقة تعد مركزا لجرائم السرقات والبلطجة، لا ينكر سعادته حين يتلقى الإشادة من المواطنين عندما يفض مشاجرة أو يقبض على بلطجي من الذين تعج بهم منطقة عمله، وهو ما يجعله يقول: «أستعيد توازني يوما بعد يوم، وأشعر بالسعادة حين أوفر الأمن للمواطنين»، ولكنه كغيره من ضباط الشرطة يشتكي من تردي أوضاعه المادية بطريقة كبيرة، قائلا: «المشكلة أن غالبية الناس لا تعرف عن ضابط الشرطة شيئا، مرتباتنا هزيلة وساعات عملنا كبيرة وخطرة. يطلب منا ما لا نطيق»، وهو ما دعا الكثير من ضباط الشرطة لحث الإعلام المصري لتبني مبادرة «ثقافة التعامل مع الشرطة» ليعرف المواطن ما له وما عليه.