قيادي متشدد سابق في حركة طالبان يعمل على تعزيز الصلح في أفغانستان

مولوي قلم الدين.. من تنفيذ الحدود إلى داعية سلام

مولوي قلم الدين
TT

كان مولوي قلم الدين واحدا من أكثر الشخصيات التي يخشاها الناس في حكومة طالبان، فهو رجل دين عبوس الوجه تجوب جماعته الإسلامية العاصمة لتدفع بالمتلكئين والمتخلفين عن الركب باتجاه المساجد في أوقات الصلاة وتسحب الرجال إلى غياهب السجون بسبب استماعهم للراديو وتضرب النساء إذا وجدوهن يتحدثن مع أصحاب المحال التجارية.

وعلى الرغم من أنه في الستين من عمره الآن، فما زال قلم الدين يتميز بلحيته الكثيفة السوداء ويرتدي عمامته المهيبة التي اشتهر بها خلال توليه منصب نائب وزير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولكن أصبح خطابه لينا ورقيقا منذ انتهاء حكم حركة طالبان في عام 2001، وفي العام الماضي تم تعيينه من قبل الرئيس حميد كرزاي، جنبا إلى جنب مع خمسة مسؤولين سابقين في حركة طالبان، في المجلس الأعلى للسلام، الذي يهدف إلى التفاوض مع المتمردين.

وفي محاولة أخرى لتعزيز عملية السلام الوليدة، طلبت حكومة كرزاي من مجلس الأمن الدولي محو اسم قلم الدين و19 عضوا من الأعضاء السابقين في حركة طالبان من قائمة العقوبات التي تمنعهم من السفر أو إرسال أموال إلى الخارج منذ عام 1999. ومن المتوقع أن تعلن الأمم المتحدة عن قرار في هذا الشأن في غضون أسابيع.

وقال الوزير السابق خلال مقابلة شخصية معه هذا الأسبوع، وهو يسكب الشاي للزوار في منزله المتواضع في العاصمة: «كل البشر بحاجة إلى السلام، حتى لو كانوا أعداء في يوم من الأيام». وانتقد قوات طالبان لاتخاذها إجراءات «غير إسلامية» مثل التفجيرات الانتحارية، وقال إنه يؤيد بشكل كامل حتى الآن خطة كرزاي للترحيب بمعظم قادة الحركة الأكثر عنفا في الحكومة المقبلة.

ولم تكن عملية تأهيل قلم الدين سريعة أو سلسة، حيث يعد قلم الدين الشخصية الأكثر إثارة للجدل من بين المسؤولين السابقين لحركة طالبان الذين وصلت إليهم الإدارة الأفغانية، بما في ذلك المبعوث السابق للأمم المتحدة عبد الحكيم مجاهد، والسفير السابق لدى باكستان عبد السلام ضعيف، ووزير الخارجية السابق وكيل أحمد متوكل.

إن وجود قلم الدين في المجلس الأعلى للسلام يعكس حرص الحكومة على التوصل إلى اتفاق، حيث لا يزال يتمتع بوجود أتباع له بين المتشددين في حركة طالبان.

وبعد عدة أشهر من الإطاحة بنظام طالبان في أواخر عام 2001، ألقي القبض على قلم الدين في ولاية لوجار الأفغانية وقضى عامين في السجن. وحاول ممثلو الادعاء محاكمته، ولكن يقال إنهم فشلوا في جمع ما يكفي من الأدلة، ولذلك أفرجوا عنه في نهاية المطاف.

وحتى اليوم لا يشعر قلم الدين بالندم على العقوبات التي أنزلها هو وفريقه من الشرطة الدينية بالآلاف من الأفغان بين عامي 1996 و2001. وكانت تطبق العقوبات في كثير من الأحيان نتيجة مخالفات مثل نسيان النساء ارتداء الجوارب أو فشل الرجال في إطلاق اللحى الطويلة. وقال: «لقد نفذنا واجباتنا وفقا لقوانين الحكومة ووفقا للشريعة الإسلامية. لم أندم قط على ما فعلت. وأعترض على قول البعض بأن العقوبات كانت قاسية، فقد كانت بسيطة بالمقارنة بالجيل الجديد من طالبان. إنهم يفجرون إخوانهم المسلمين ويقطعون رؤوسهم».

ومهما كانت التبريرات فقد زرعت الأعمال التي كانت تقوم بها وزارة قلم الدين الرعب في نفوس عامة الشعب والذين كانوا بالفعل يشعرون بالصدمة والألم بعد مرور أكثر من عقد من الصراع المسلح. ويمكن للكثير من البالغين في كابل أن يرووا حكايات مرعبة ومروعة كانت تقوم بها شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلال خمس سنوات من حكم طالبان.

وقال محمد توتاخيل الذي كان في الثامنة عشرة من عمره آنذاك إنه كان يعمل خياطا عندما اقترب منه أحد رجال الشرطة الدينية واكتشف أن معه كتيبا عن الأزياء النسائية، فاقتاده إلى السجن وتعرض للضرب من قبل الكثير من الرجال، في حين كان رئيسهم يتصفح هذا الكتيب وهو مبهور. وأجبر على مدار تسعة أيام على حفظ القرآن، وتم احتجازه لمدة تسع ليال مع 150 سجينا آخر في حجرة لا يوجد بها مرحاض.

وقال توكل الذي بلغ من العمر الآن 33 عاما ويدير حاليا أكاديمية للكومبيوتر: «كان هناك بعض ممن لم يطلقوا لحاهم، وآخرون اعتقلوا لأنهم كانوا يحملون أشرطة كاسيت، واعتقل سائق سيارة أجرة لأن السيارة كان بها ركاب من النساء، وكان الجميع خائفا. لم تكن حركة طالبان تحقق الأمن، ولكنها كانت قاسية جدا مع الناس».

ويبدو نظريا عدم وجود أي معارضة شعبية لتعيين قلم الدين وغيره من المسؤولين السابقين في طالبان في مجلس السلام. وفي المقابل عارض الكثير من الأفغان إدراج زعماء الميليشيات المتناحرة التي ينظر إليها باعتبارها مسؤولة عن الحرب الأهلية الشرسة التي دمرت العاصمة في أوائل التسعينات من القرن الماضي.

وكانت ثريا بارليكا، وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة في كابل، تدير فصولا دراسية سرية للفتيات خلال فترة حكم طالبان وكانت تقوم بإخفاء الكتب في منزلها حتى لا يتم القبض عليها من قبل الشرطة الدينية. ومع ذلك تقول إن حكمهم الظالم كان أفضل من الفوضى التي تسببها الحرب.

وقالت بارليكا: «لقد كانت حركة طالبان صارمة، ولكن لم نرَ في عهدها الصواريخ والسرقة والاغتصاب. عندما سمعنا لأول مرة أنهم قادمون كنا في غاية السعادة والسرور، ولم يمرّ وقت طويل حتى أصبحوا أكثر قمعا وأساءوا تفسير الإسلام على أنه دين عنف».

وبالمثل، كان هناك قليل من الجدل الداخلي بشأن طلب الحكومة رفع عقوبات الأمم المتحدة ضد مجموعة أكبر من المسؤولين السابقين في حركة طالبان، ويأمل المسؤولون الأفغان أن تحفز هذه الخطوة المزيد من المتمردين للانضمام إلى عملية السلام. ومن جانبهم يؤيد مسؤولون أميركيون مثل هذه الخطوة، كما ساندوا الجهود الناجحة في الأسبوع الماضي للفصل بين أسماء حركة طالبان وتنظيم القاعدة على قائمة العقوبات.

وحتى قلم الدين الذي كان اسمه مرادفا لتجاوزات حركة طالبان، قد أثار غضب الجمهور بشكل غريب عندما حاولت الحكومة طلب شهادة الضحايا خلال محاكمته في عام 2004.

وقال وحيد موجدا، وهو مساعد سابق في وزارة الخارجية في عهد طالبان: «اعتقدت أن ما لا يقل عن ألف شخص سوف يتقدمون لتسجيل أسمائهم، ولكن دهشت عندما لم يتقدم أحد. لقد عاقب قلم الدين الكثير من الناس، لكنه فعل ذلك وفقا للشريعة الإسلامية، ولذلك فهم لا يريدون تقديم شكوى».

وقد أيد بعض الأفغان رفع عقوبات الأمم المتحدة ولكنهم ما زالوا متشككين بشأن دوافع المسؤولين السابقين في حركة طالبان. وقال أحد أعضاء مجلس السلام، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إنه وجد صعوبة في تصديق أن رجل الدين المتشدد قلم الدين سيصدق الآن على إدارة كرزاي المدعومة من الغرب. وأضاف: «هناك الكثير من الانتهازية هنا».

ومع ذلك يلعب المنفذ الإسلامي السابق دوره الجديد بشكل جيد، فخلال عمله كوزير خلال حكم حركة طالبان كان يمنع تصوير الأشخاص ويصفه بالوثنية، وكان لا يسمح بتصوير نفسه. وخلال هذا الأسبوع، وبعد الاعتراض في البداية، قام قلم الدين بضبط عمامته وجلس لكي يتم التقاط صورة له.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»