اعتبر الصحراوي المنشق، مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، المفتش العام السابق لشرطة جبهة البوليساريو، أن تبني الثقافة الحسانية، واعتماد الجهوية المتقدمة في مشروع الدستور المغربي الجديد، يشكلان تقدما مهما في اتجاه الحل النهائي لنزاع الصحراء باعتبارهما يضمنان ويحميان الخصوصية الصحراوية.
وقال ولد سيدي مولود، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، إن اعتراف المغرب بالثقافة الحسانية في دستوره يفند خطاب جبهة البوليساريو الداعية لانفصال الصحراء عن المغرب، والتي تركز في أطروحتها على أن المغرب يريد الصحراء أرضا بلا شعب، وأنه يسعى لإلغاء الوجود الصحراوي فيها، وإلى إبعاد وإقصاء الصحراويين. وأضاف أن مشروع الدستور المغربي، الذي سيعرض على الاستفتاء بعد عشرة أيام، سيكون أول دستور يعترف بالثقافة الحسانية والهوية الصحراوية، ويوفر لها العناية والحماية، من بين كل دساتير دول المنطقة المغاربية، بما في ذلك دستور «الجمهورية الصحراوية» التي شكلتها جبهة البوليساريو بالمنفى من جانب واحد عام 1976 بدعم من الجزائر.
وقال إن نظام الجهوية الموسعة المعتمد في مشروع الدستور سيمكن الصحراويين من اختيار ممثليهم وإدارة شؤونهم بأنفسهم مثلهم مثل باقي مناطق المغرب. وأشار إلى أن اعتماد هذا النظام في الدستور المغربي يشكل خطوة مهمة في اتجاه الحل النهائي للنزاع المستمر مند جلاء الاستعمار الإسباني عن الصحراء منتصف عقد السبعينات من القرن الماضي، وذلك عبر توفير أرضية دستورية لمقترح الحكم الذاتي، الذي عرضه المغرب في إطار المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة.
وأضاف ولد سيدي مولود أن المغرب أظهر قدرة كبيرة على تخطي الأزمات من خلال التجاوب بين القمة والقاعدة. وقال: «الملك محمد السادس تجاوب مع مطالب الشارع، وسارع إلى إطلاق الإصلاحات التي يطالب بها الشعب، بخلاف قادة آخرين في المنطقة العربية اختاروا حمل العصا ووصفوا احتجاجات الشارع بالفتنة والعمالة للخارج».
وأضاف: «لم تعد تفصلنا الآن سوى عشرة أيام عن موعد الاستفتاء والخروج النهائي للمغرب من هذه الأزمة التي لم تستطع دول أخرى في المنطقة أن تتجاوزها. وتنمنى له النجاح الكامل لأننا نريد له الاستقرار والازدهار».
وأشار ولد سيدي مولود إلى أن العديد من المطالب التي عبر عنها الشارع، كالعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد ومحاسبة الحكومة، هي من اختصاص مؤسسات موجودة في مشروع الدستور، مثل مجلس الحسابات والبرلمان وغيرها من الهيئات، غير أن تحقيق هذه المطالب على أرض الواقع يضع الشارع المغربي الذي رفعها أمام تحد كبير، والمتمثل في قدرته على تغيير العقليات وسد الطريق خلال الانتخابات المقبلة أمام الانتهازيين الذين يسعون إلى الاستحواذ على مراكز القرار عبر الرشوة والتزوير. وقال «الانتخابات المقبلة ستكون امتحانا للشارع المغربي الذي طالب بالتغيير. سيكون عليه أن يكون في مستوى الإصلاحات، وأن يختار الممثلين المناسبين لتحقيق تطلعاته وطموحاته. وعلى الشارع أن يأتي في الانتخابات المقبلة بحكومة قوية قادرة على تحقيق طموحاته، وببرلمان قوي قادر على محاسبة الحكومة».
وأضاف ولد سيدي مولود أن القدرات التي أظهرها المغرب خلال هذه الأزمة خيبت أمل جبهة البوليساريو التي كانت تراهن على انفجار الوضع في المغرب وانقسامه إلى دويلات. وقال «جبهة البوليساريو تصبر أتباعها بالمراهنة على انفجار المغرب. لكن الذي نراه أن الإصلاحات المعتمدة ستخرج المغرب من الأزمة قويا ومتماسكا. فما الذي سينتظره هؤلاء بعد ذلك».
ويخوض ولد سيدي مولود اعتصاما مفتوحا مند أول يونيو (حزيران) الحالي في العاصمة الموريتانية نواكشوط أمام مقر المفوضية السامية لغوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، مطالبا بحقه في العودة إلى أسرته في مخيمات تندوف في الجنوب الغربي من الجزائر، والتي أخرج منها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وكانت جبهة البوليساريو قد اعتقلت ولد سيدي مولود في سبتمبر (أيلول) الماضي على أثر عودته من زيارة عائلية للمغرب عبر خلالها عن دعمه للمقترح المغربي لحل نزاع الصحراء عبر منح حكم ذاتي للصحراويين في إطار اعتماد نظام الجهوية الموسعة في المغرب. وفي نوفمبر الماضي أطلقت جبهة البوليساريو سراحه وسلمته للمفوضية السامية لغوث اللاجئين في موريتانيا، التي اقترحت عليه اللجوء إلى فنلندا. غير أن ولد سيدي مولود تمسك بحقه في الالتحاق بأسرته، التي تضم زوجته وخمسة أطفال بينهم رضيع. ويقول ولد سيدي مولود: «أنا لا أبحث عن بلد حاضن. أنا صاحب قضية، وما أريده فعلا هو البقاء وسط أهلي في تندوف، وأن أناضل إلى جانبهم من أجل قضيتي. بل أفضل أن أسجن في المخيمات، على الأقل سأكون هناك قريبا من أسرتي، على أن أكون منفيا على بعد آلاف الكيلومترات عن أهلي وموطني».