مثلت شبكة الإنترنت ثورة في عالمنا، دخلت حياتنا وبيوتنا، نشاركها وتشاركنا كل ما يهمنا، أكلنا وشربنا، نومنا وذوقنا.. ولم نعد نقوى على احتمال العيش بدونها ولو ليوم واحد.
في العالم العربي والإسلامي كثر الجدل حول إمكانية تأثير الإنترنت في حياتنا سلبا، حيث تفتح مجالات من خلال المواقع الاجتماعية لربط علاقات مع أناس يختلفون عنا أخلاقيا واجتماعيا، وانحصرت مخاوفنا في هذه الدائرة.
في الغرب، وحيث تأخذ الأمور أشكالا مختلفة عن تلك التي تهمنا، تتوسع دائرة المخاوف من نفوذ الإنترنت لتتعدى الجانب الأخلاقي والقانوني، وتتحول إلى قضايا أمنية واسعة قد تشمل أبعادا سياسية. من أهم القضايا وأحدثها والتي أحدثت بلبلة في الأوساط الإعلامية البريطانية قضية الشاب المراهق ريان كليري البالغ من العمر 19 عاما، والذي يتم التحقيق معه، وقد يتم ترحيله للمحاكمة في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك بتهمة هجومه على مواقع لوكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه).
وقد تم إيقاف كليري في بيت عائلته في منطقة ويكفورد بايسيكس ببريطانيا، بعد عملية تحقيق مشتركة لمكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية واسكوتلانديارد البريطانية. وتعتقد الشرطة البريطانية أن لريان دورا أساسيا في سلسلة من الهجمات على المواقع قامت بها مجموعة قرصنة تسمى «لولز سكيورتي» (لولزسيك) حسبما جاء في صحيفة «الغارديان» البريطانية. وتم كشف المراهق البريطاني وهو بصدد الهجوم على موقع الوكالة البريطانية لمكافحة الجرائم الجدية والمنظمة (سوكا) مستعملا جهاز حاسوب من غرفة نومه. ويسأل المحققون المختصون في جرائم الإنترنت حول مجموعة «لولزسيك» والتي تستهدف في هجماتها مواقع لمؤسسات ومنظمات أميركية. وإسهام مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي) في الكشف عن تورط ريان كليري في عمليات القرصنة قد يدعم إمكانية ترحيله للنظر في قضيته في الولايات المتحدة الأميركية إذا ما ثبتت إدانته. وفي مقال نشرته صحيفة «الغارديان»، ذكرت أنها تلقت رسائل إلكترونية من أشخاص مجهولين حول كليري وتورطه في القضية، مؤكدين أنه ليس «العقل المدبر» للعمليات الهجومية، بل هو فقط يمتلك البرنامج الذي تستعمله مجموعة «لولزسيك» للتواصل في ما بينها. ويؤكد المجهولون في رسالتهم للصحيفة «يبدو بوضوح أن ريان كليري ليس الرأس المدبر للقرصنة، فهو لا يستطيع حتى ضمانة سلامة معلوماته الشخصية، هو ببساطة وفر وسائل التواصل، إنه بالضبط كما يراسل شخصين بعضهما مستعملين شركة بريد مثل «فيديكس» أو «دي إتش إل» أو البريد الملكي (رويال ميل). وفي رسالة على «تويتر» عرضتها «ديلي ميل»، نفت المجموعة انتماء كليري إليها كليا.
وحسب «الغارديان»، تستعمل «لولزسيك» نوعان من الهجوم، واحد هو القرصنة على المواقع، والثاني يقومون من خلاله بتعطيل المواقع ويسمونه إنهاء الخدمة. وقد أعلنت «لولزسيك» أمس حسبما جاء في صحيفة «ديلي ميل» البريطانية أنها عطلت موقع الحكومة البرازيلية ومكتب الرئيس. وتبين أن الموقعين لم يكونا في نطاق الخدمة صباح أمس الأربعاء. كما ذكرت الصحيفة أن ريان وصف بأنه محب للوحدة وشديد الانغلاق على نفسه ويقضي الكثير من الوقت مع الإنترنت، وأنه في حال ثبوت التهمة عليه وترحيله للولايات المتحدة للمحاكمة قد يصدر ضده حكم بالسجن قد يصل إلى ستين عاما، وهي عقوبة القرصنة على مواقع وكالة الاستخبارات الأميركية.
ويعرض فريق القرصنة رسائله على موقع «تويتر» كلما قام بهجوم على موقع ما، حيث يتبادل أفراده التهاني. وقد أعلنت «لولزسيك» بداية الشهر الحالي أنها تعتزم الهجوم على مواقع حكومية وبنوك وتسريب ملفات خاصة. وحسب الخبراء فإن هذه المجموعة صغيرة لا يفوق عددها الثمانية أشخاص، ومترابطة جدا، ومن المرجح أنها لا تعمل في دولة واحدة ولا في إطار توقيت مختلف، وهم لا يقبلون بانضمام أعضاء جدد لهم، لكنهم يأخذون بعين الاعتبار الاقتراحات حول المواقع التي سيهاجمونها.
وفي حديثه لـ«الغارديان»، بين ميتشل شقيق ريان أن أخاه ليس من النوع المستهتر، أو العنيف، وبين أنه يقضي أغلب الوقت في غرفته، ومن النادر أن يفتح حتى الستائر، وقال إنه منغلق على نفسه. كما بين أخو ريان أن شقيقه كان قد تورط في السابق في «ويكيليكس»، وأزعج أشخاصا بهذا، وقد ردوا بإنشاء صفحة على الموقع الاجتماعي «فيس بوك» ردا عليه. واعتبر أحد جيران كليري أنك يمكن أن تفطن لذكائه من خلال تقديمه لنفسه وطريقة تحدثه. ووصف العائلة بأنهم جيران جيدون، وأن ما يعرفه عن ريان أنه طالب جامعي عاد في هذه الفترة لقضاء عطلته مع العائلة بعد انتهاء الامتحانات. وكشفت «بلومبرغ نيوز» أن الشرطة تدرس ما إذا كان كليري مرتبطا بمجموعتي «لولز سكيورتي» التي تطلق على نفسها اسم «لولزسيك» أو «أنونيموس». وكانت «لولزسيك» قد زعمت في السابق المسؤولية عن اقتحام مواقع إلكترونية خاصة بشركة «سوني» ومجلس الشيوخ الأميركي، فيما قالت «أنونيموس» في أبريل (نيسان) إنها ستشن حربا إلكترونية ضد شركة «سوني»، ومقرها طوكيو، بسبب السعي لمنع الناس من التلاعب بلوحة مفاتيح ألعاب «بلاي ستيشن 3». ورفض دايتشي يامافوجي، وهو متحدث باسم «سوني»، التعليق على الأمر. وزعمت مجموعة «لولزسيك» التي تسمي نفسها «زعماء العالم في الترفيه عالي المستوى على حسابك»، أنها المسؤولة عن الهجوم في رسالتها على موقع «تويتر». ويقول ستيوارت هادلي، المتحدث باسم وكالة مكافحة الجرائم المنظمة الخطيرة، إن الوكالة اضطرت إلى وقف العمل عبر موقعها الإلكتروني بصورة مؤقتة بعد استهدافها. وأشار إلى أنه لم يتم الاطلاع على أي من البيانات العملياتية.
وكان الموقع العام لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قد تعطل في 15 يونيو (حزيران). وزعمت مجموعة «لولزسيك» المسؤولية عن تعطيله، وقالت على موقعها «لا نحب الحكومة الأميركية كثيرا». وقال متحدث باسم وكالة الاستخبارات المركزية في ذلك الوقت إن الوكالة تنظر في الأمر. وأنكرت (لولزسيك) تقارير يوم الثلاثاء اتهمتها بالحصول على سجلات إحصاء سكانية بريطانية للعام الحالي. وقالت المجموعة عبر موقع «تويتر»: «لم نكن نحن.. لا تصدقوا نشرات زائفة عن (لولزسيك) حتى نضعها على موقع (تويتر) أولا».
وأكد مكتب الإحصاءات الوطنية أنه «ليس لديه دليل يشير إلى أن أي انتهاكات قد حدثت». وقال إنه يعمل «للتثبت مما إذا كان هناك شيء حقيقي مرتبط بذلك، أم لا»، بحسب ما ذكره في بيان على موقعه الإلكتروني.
كما قامت الشرطة الإسبانية بإلقاء القبض على ثلاثة أشخاص مشتبه في عضويتهم بمجموعة «أنونيموس» في 10 يونيو. وقامت المجموعة بالقرصنة على مواقع «بانكو بيلباو فيزكايا أرجنتاريا إس إيه»، وهو ثاني أكبر مصرف داخل إسبانيا، و«إنل سبا»، المالك الإيطالي لشركة الكهرباء الإسبانية «إندسا»، وذلك بحسب ما أوردته الشرطة الإسبانية. وحظيت مجموعة «أنونيموس»، التي تضم المئات من القراصنة والنشطاء بالكثير من الدول، بالاهتمام في ديسمبر (كانون الأول) عندما استهدفت وحدة «باي بال» التابعة لـ«آي باي» و«فيزا» وغيرهما من الشركات التي بدت معادية لـ«ويكيليكس»، الموقع الذي نشر وثائق عسكرية أميركية واتصالات دبلوماسية.
وألقت شرطة لندن في يناير (كانون الثاني) القبض على خمسة رجال، من بينهم ثلاثة أشخاص بالغين، في إطار تحقيق بشأن هجمات إلكترونية متعلقة بـ«ويكيليكس». وبعد ساعات داخل الولايات المتحدة، نفذ عملاء تابعون لمكتب التحقيقات الفيدرالي 40 إخطارا بالتفتيش في إطار تحقيق مماثل.