مظاهرات حاشدة في المحافظات تطالب بـ«الحسم الثوري».. ومقتل نجل قيادي في الحراك الجنوبي

اليمن: قتلى وجرحى بعدن في جمعة «الإرادة الثورية»

معارضون يمنيون ضد الحكومة اليمنية يحملون نعش أحد ضحايا قوات الأمن خلال مظاهرة سيرت أمس في صنعاء تطالب بإنهاء حكم الرئيس علي عبد الله صالح (أ.ف.ب)
TT

خرجت في اليمن، أمس، حشود مليونية في مظاهرات عمت معظم المحافظات اليمنية لتأكيد سلمية الثورة ومطلب تشكيل مجلس انتقالي لإدارة شؤون البلاد، في وقت قتل فيه نجل قيادي بارز في الحراك الجنوبي بعدن برصاص قوات الأمن أثناء تشييع جثمان أحد قتلى الاحتجاجات المطالبة بـ«فك الارتباط» بين شطري البلاد، الشمالي والجنوبي.

وتظاهر مئات الآلاف في المحافظات اليمنية تأييدا للمطالب الداعية لتنحي الرئيس علي عبد الله صالح عن الحكم والمطالبة بعدم عودته إلى البلاد من المملكة العربية السعودية، حيث يتلقى العلاج هناك من إصابات تعرض لها في تفجير غامض استهدف مسجد القصر الرئاسي، أو عودته ومحاكمته جراء سقوط قتلى وجرحى خلال الاحتجاجات على يد قوات الأمن والجيش وكذا على نتائج سنوات حكمه التي دامت أكثر من 3 عقود.

كما طالب المتظاهرون اليمنيون برحيل رموز النظام، وفي مقدمتهم نجل الرئيس وبقية أقربائه ومقربيه، الذين يمسكون بمفاصل الأمور في البلاد، في وقت تظاهر فيه الآلاف من مؤيدي صالح في صنعاء، وقالت المصادر الرسمية: إن الملايين من اليمنيين خرجوا في مظاهرات بصنعاء وباقي المحافظات في جمعة «حماة الوطن» لتأكيد وقوفهم إلى جانب ضباط وأفراد القوات المسلحة.

وعاشت مدينة عدن، كبرى مدن جنوب اليمن، أمس، يوما داميا؛ حيث سقط قتلى وجرحى في عدة حوادث متفرقة، وسقط قتيل وجرح ما لا يقل عن 12 شخصا آخرين في قمع قوات الأمن لمواطنين كانوا يشيعون جثمان القتيل أحمد الدرويش، الذي قتل قبل نحو سنة من الآن في أحد أحياء عدن، وقالت مصادر محلية في عدن: إن القتيل هو الدكتور جياب السعدي، وهو نجل العميد علي محمد السعدي، أحد أبرز قيادات الحراك الجنوبي في اليمن.

وفي عدن أيضا، قتل 4 أشخاص في انفجار سيارة مفخخة بحي المنصورة، ويشتبه في أن عناصر متشددة تقف وراء الهجوم الذي استهدف دورية أمنية، وفي رواية أخرى، قالت مصادر محلية في عدن لـ«الشرق الأوسط»: إن الهجوم بالسيارة المفخخة استهدف دبابة للجيش ترابط في مدخل اللسان البحري بمنطقة تعرف بـ«كالتكس».

على الصعيد الميداني، قصف الطيران الحربي منزل الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي اليمني، المناضل البارز علي صالح عباد، المعروف بـ«مقبل»، في مدينة زنجبار، عاصمة محافظة أبين الواقعة إلى الشرق من عدن.

كان اللواء مهدي مقولة، قائد المنطقة العسكرية الجنوبية، وهي المنطقة الوحيدة التي ما زالت تؤيد الرئيس صالح، قد تعرض، في وقت متأخر من مساء أول من أمس، لمحاولة اغتيال؛ حيث أطلق مسلحون مجهولون قذيفة «آر بي جي» على موكبه في ضواحي عدن، وجرت محاولة الاغتيال في ظل عمليات تمرد تشهدها بعض الألوية العسكرية في جنوب البلاد، وخروج ضباطها وجنودها على الأوامر العسكرية وإعلانهم تأييد الثورة الشبابية المطالبة بالإطاحة بالنظام ورفضهم الأوامر بالتوجه إلى مدينة زنجبار للمشاركة في المواجهات مع عناصر مفترضة من تنظيم القاعدة.

كان ضباط وأفراد سرية كاملة من الأمن المركزي وعدد من الضباط والجنود المنتسبين للحرس الجمهوري قد أعلنوا، اليومين الماضيين، انضمامهم وتأييدهم للثورة الشبابية، ويقود العميد الركن أحمد علي عبد الله صالح الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، بينما يقود ابن عمه العميد الركن يحيى محمد عبد الله صالح قوات الأمن المركزي، ويسيطر عمار محمد عبد الله صالح على مفاصل الأمور في جهاز الأمن القومي (المخابرات) الذي يرأسه اللواء علي محمد الأنسي، مدير مكتب رئاسة الجمهورية.

وفي محافظة الضالع، استمرت اشتباكات عنيفة حتى فجر أمس، بين قوات حكومية ومسلحين مجهولين مناوئين للنظام، وحسب شهود عيان لـ«الشرق الأوسط»، فقد سمع دوي انفجارات عنيفة في الضالع بعد إطلاق قذائف مدفعية ثقيلة من المواقع العسكرية المحيطة بالمدينة.

وفي تطورات الأوضاع اليمنية أيضا، يصل، الاثنين المقبل، وفد أممي تابع للأمم المتحدة، وذلك من أجل تقصي الحقائق بشأن حقوق الإنسان في البلاد وأعمال القمع التي تعرض لها المحتجون في اليمن خلال الأشهر القليلة الماضية على الثورة الشبابية المطالبة برحيل نظام الرئيس علي عبد الله صالح. وقتل مئات المحتجين في صنعاء وتعز وعدن والحديدة وغيرها من المحافظات برصاص القوات الأمنية والمجاميع التي تسمى «البلطجية» منذ بدء الاحتجاجات المطالبة بتنحي الرئيس صالح عن السلطة، وعلى الرغم من أن الرئيس اليمني أعلن، أكثر من مرة، عن تشكيل لجان برلمانية ورئاسية للتحقيق في حوادث القتل التي تعرض لها المعتصمون في ساحات التغيير والحرية بعواصم المحافظات اليمنية، غير أن نتائج عمل تلك اللجان لم تعلن، حتى اللحظة. مما استدعى تشكيل بعثة أممية ستصل يوم الاثنين المقبل وستعمل في اليمن لمدة 10 أيام لتقصي الحقائق بشأن ما تعرض له المحتجون على يد قوات الأمن والحرس الجمهوري، وتتكون البعثة من 3 أشخاص من كبار موظفي المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.

إلى ذلك، لم يصل الرئيس علي عبد الله صالح إلى اليمن، كما كان أعلن مسؤولون يمنيون، وكانت الدوائر الرسمية اليمنية قد قالت إن صالح سيعود من المملكة العربية السعودية حيث يتلقى العلاج إثر الإصابات التي تعرض لها وكبار رجال دولته في حادث التفجير الغامض الذي وقع في جامع دار الرئاسة بصنعاء في 3 يونيو (حزيران) الحالي، ويشير المراقبون إلى أن عدم عودة صالح مؤشر حقيقي على أن حالته الصحية لا تسمح له بمغادرة المستشفى.

كان دبلوماسيون غربيون، لم يكشف عن هويتهم، قد استبقوا موعد عودة صالح بيوم واحد، بتصريحات تؤكد أنه لن يعود إلى بلاده في القريب العاجل بسبب وضعه الصحي، وقبل يوم واحد أيضا على الموعد، أعلن في صنعاء أن الدكتور عبد الكريم الإرياني، المستشار السياسي لرئيس الجمهورية، قام بزيارة الرئيس في المستشفى الذي يتلقى فيه العلاج، وهو أول مسؤول يمني يتمكن من القيام بهذه الزيارة.

كان لافتا أمس أن خطب الجمعة في معظم المساجد اليمنية ركزت وانتقدت، بشدة، انعدام المشتقات النفطية واتهمت نافذين في النظام بإخفاء هذه المواد وافتعال الأزمة القائمة وكذا قطع التيار الكهربائي عن المدن اليمنية من أجل «إلهاء» المواطنين، بالبحث عن هذه المواد، عن القضايا السياسية، كما وجهت اتهامات من قبل بعض الخطباء لمسؤولين حكوميين ببيع المكرمة السعودية من النفط الخام لليمن لحل أزمته الراهنة قبل أن تنزل إلى الأسواق وبيعها في «السوق السوداء».