نتنياهو ينفذ تهديده الانتقامي ويأمر بتشديد ظروف الأسرى الفلسطينيين

مخاوف من تمرد فلسطيني في السجون يعقبه انتفاضة ثالثة

نتنياهو يلقي كلمة في مؤتمر شيمعون بيريس العالمي في القدس الغربية الليلة قبل الماضية (إ.ب.أ)
TT

كشف النقاب في تل أبيب أمس عن أن الإجراءات الانتقامية التي أعلنها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الرامية لتشديد ظروف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، بدأ تنفيذها منذ عدة أسابيع بصمت ومن دون ضجيج خوفا من تمرد جماعي للأسرى. ووفق هذه التشديدات تقلص إدارات السجون فترة الخروج من الزنازين وتقلل من زيارات الأهل ومن المحادثات الهاتفية وغير ذلك من الحقوق التي كان الأسرى قد حصلوها من خلال نضالات مريرة وعبر سنين طويلة.

وكان نتنياهو قد انتهز خطابه في «مؤتمر الرئيس شيمعون بيريس العالمي» في القدس الغربية، الليلة قبل الماضية، ليعلن أنه قرر وقف ما وصفها بـ«الامتيازات» للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. ولم يخف رئيس الوزراء الإسرائيلي هدفه الانتقامي في هذه الإجراءات فعزاها إلى «رفض حركة حماس السماح للصليب الأحمر بزيارة الجندي الإسرائيلي الأسير لديها، جلعاد شاليط». وقال نتنياهو إن «عهد الامتيازات التي يحصل عليها الإرهابيون في السجون الإسرائيلية انتهى. وإن هذه الامتيازات ستتوقف». وأضاف «جاء الوقت الذي يجب علينا فيه أن نوقف كل ما يتمتع به الأسير الفلسطيني من حقوق في سجوننا، وسنفرض الشروط المناسبة جدا لهؤلاء الأسرى، وسنوقف تعليمهم الأكاديمي. لن يكون هناك بعد اليوم طلبة دكتوراه للإرهاب ولا طلبة ماجستير للقتل. لقد قررت تغيير سياسة إسرائيل تجاه الإرهابيين داخل السجن الإسرائيلي. نحن ملزمون بالقانون الإسرائيلي والقانون الدولي والمعاهدات الدولية لكننا لسنا ملزمين بأكثر من ذلك».

وتبين أن نتنياهو كان قد أقام لجنة خاصة من الخبراء في القانون وقادة المخابرات للبحث في تقليص حقوق الأسرى الفلسطينيين منذ عدة أسابيع. وادعى أنه يقيم هذه اللجنة بناء على طلب عائلة الجندي الأسير جلعاد شاليط، بأن يحقق المساواة في ظروف أسر السجناء الفلسطينيين مع ظروف أسر شاليط. وخلال مناقشات اللجنة، نشر أحد الأسرى الفلسطينيين على صفحته في الـ«فيس بوك» صورا له ولعدد من الأسرى المحكومين لسنوات طويلة وهم يتناولون الطعام من مائدة كبيرة ويشاهدون التلفزيون ويمارسون الرياضة. وكشفت عناصر أمنية إسرائيلية هذه الصور وعممتها على وسائل الإعلام، فتلقفها اليمين الإسرائيلي ليطلق حملة تطالب الحكومة بحسب الامتيازات و«شروط الـ5 نجوم» التي يتمتع بها الأسرى.

والتقى المسؤولون في اللجنة الإسرائيلية المذكورة مع مندوبي الصليب الأحمر وطلبوا منهم أن يطلعوهم على حقوق السجناء الفلسطينيين، علما بأن الصليب الأحمر لا يتعامل مع الأسير الفلسطيني على أنه أسير حرب، ويستخدم التعريف الإسرائيلي للأسير، وهو تعريف المعتقل، وبالتالي فإن قوانين جنيف والمعاهدات الدولية لا تنطبق على الأسرى الفلسطينيين بسبب هذا التعريف المتحيز. وبناء عليه قرر نتنياهو سحب كل الحقوق الأخرى، التي لا ترد في أنظمة الصليب الأحمر، ومنها: التعليم الجامعي (المقلص أصلا منذ عدة شهور)، واستخدام الإنترنت والمكالمات الهاتفية وتقليص زيارات الأهل إلى الحد الأدنى ومنع الأقارب من الدرجة الثانية والأصدقاء من الزيارة وتقليص المصروف الشهري (كانتين) الذي توفره منظمة التحرير الفلسطينية ووزارة الأسرى في الحكومة الفلسطينية وغيرها.

وترمي الحكومة الإسرائيلية من وراء هذه الإجراءات العقابية، تفعيل ضغوط من الأسرى على قيادة حماس حتى تخفف من شروطها لتنفيذ صفقة تبادل الأسرى مع شاليط، وهي الصفقة العالقة منذ سنوات، مع العلم بأن الطرفين اتفقا على غالبية مبادئها، مثل: إطلاق سراح 1100 أسير فلسطيني، بينهم غالبية النساء والأطفال الأسرى.

وكانت أوساط إسرائيلية قد سربت معلومات تفيد بأن حماس رفضت الاقتراح الإسرائيلي حول الصفقة، الذي ينص على ترحيل أسرى الضفة الغربية إلى قطاع غزة أو إلى الخارج. وبدأت في سلسلة أبحاث لتغيير بنود القوانين إسرائيلية حول الأسرى الأمنيين لكي تقيد صلاحيات الحكومة فلا تستطيع تنفيذ صفقة تبادل أسرى أخرى بعد صفقة شاليط.

وتخوفت أوساط أمنية إسرائيلية، أمس، من خطر رد فعل غاضب في السجون الإسرائيلية على هذه الإجراءات، علما بأن الأسرى كانوا قد أعلنوا عدة إضرابات عن الطعام في الماضي واشتبكوا مع السجانين الإسرائيليين وأحرقوا الزنازين عدة مرات في الماضي. كما تخشى تلك الأوساط، من أن يمتد تمرد الأسرى في المستقبل إلى انفجار انتفاضة ثالثة، حيث إن الفلسطينيين يحتفظون بتعاطف شديد مع أسراهم. ولا يتوقع أن يردوا بصمت على الإجراءات الانتقامية الإسرائيلية.

كما تخشى الحكومة الإسرائيلية من احتمال أن يتوجه الفلسطينيون والمنظمات الحقوقية الإسرائيلية والفلسطينية وقوى اليسار الإسرائيلي إلى محكمة العدل العليا لاستصدار قرار بتجميد هذه الإجراءات والانتهاء بقرار قضائي يمنع الحكومة من تنفيذها.

أما عائلة شاليط فقد شككت في أن تكون إجراءات نتنياهو مجدية. وأعلنت أنها «قليلة جدا ومتأخرة جدا». وقررت تصعيد المعركة ضد الحكومة ابتداء من يوم غد، بمظاهرة أمام مقر الحكومة خلال جلستها الاعتيادية، لحثها على التوصل إلى صفقة. وقال رئيس طاقم الدفاع عن شاليط، شموشون ليبمان، إن أمام الحكومة خيارين لا ثالث لهما: فإما أن تقرر أن يطلق سراح شاليط أو تقرر أنها ستقود إلى موته في الأسر. ووجه ليبمان الدعوة إلى نتنياهو، «الذي عرف في الماضي كيف يطلق سراح الشيخ أحمد ياسين وينقذ بذلك حياة خالد مشعل، أن ينفذ الصفقة وينقذ حياة شاليط». وأضاف: «نحن نعرف أن المسألة بين يديه».