حملة بارزاني للإصلاحات ومحاربة الفساد تطول رؤوسا كبارا

صادر عقارا من نجله وخصصه للنفع العام.. ورئيس ديوان الرئاسة يعد بـ«تطورات هائلة»

فؤاد حسين
TT

مع انزلاق كردستان إلى مستنقع الفساد في السنوات الأخيرة، لمس المراقب السياسي لأوضاع كردستان أوجها متعددة من الاحتجاجات؛ «خافتة» حينا، و«مكبوتة» أحيانا، وظلت تلك الاحتجاجات الخافتة تعتمل في نفوس المواطن الكردي إلى أن تفجرت المظاهرات الشعبية في السليمانية منتصف فبراير (شباط) الماضي، وعمت مناطق أخرى، للتنفيس عن الغضب الشعبي، والتعبير عن رفض حالة الفساد المستشري التي وصلت إلى مدياتها القصوى، مما حدا بالقيادة الكردية إلى مراجعة نفسها، ومحاولة امتصاص هذا الغضب الشعبي العارم، خوفا من انتقال عدوى الثورات الشعبية المندلعة في المنطقة العربية.

وكانت حكمة رئيس الإقليم، مسعود بارزاني، في التعامل مع تلك الاحتجاجات عاملا مهما لتهدئة الشارع الكردي، الذي أرادت المعارضة الكردية استغلال أوضاعه لطرح مشاريعها للوصول إلى السلطة، كما أكد ذلك الكثير من القيادات الكردية، بل طرح بارزاني برنامجا إصلاحيا مطلقا مسيرة إصلاحية قال عنها رئيس ديوان الرئاسة، الدكتور فؤاد حسين، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إنها «انطلقت، ولن تتوقف تحت أي ظرف كان».

وبسؤاله عن الفساد، ووجود ما يشبه عصابات المافيا تتحكم بالأمور وتمارس الفساد المالي، جهارا نهارا، وما إذا كانت قيادة الإقليم قادرة على محاربتهم، خاصة أنهم يحتلون مواقع متقدمة في الحكومة والأحزاب الحاكمة، أجاب رئيس ديوان الرئاسة: «لا بد أولا أن تشخص المرض، ولكي تشخص المرض لا بد أن تشخص موقعه، وفي الواقع نحن مع بداية الحملة بدأنا بموضوع الأراضي وضوابط توزيعها، وكذلك بالمشاريع الاستثمارية والأراضي الزراعية وكل ما يتعلق بإطفائها وتخصيصها للمشاريع، واللجنة المشكلة لهذا الغرض ماضية في واجباتها لتحديد مكامن الخلل، وهناك عدد آخر من اللجان الفنية والقانونية بمشاركة وزارات الحكومة تعمل في المرحلة اللاحقة لمراجعة ودراسة أوضاع جميع مرافق الحكومة، لكي نتخذ تجاهها الإجراءات القانونية اللازمة، فالمسيرة انطلقت ولن تتوقف تحت أي ظرف كان».

وفي الفترة الأخيرة، تواردت أحاديث حول وجود قائمة معروضة على رئيس الإقليم تضم أسماء المئات من كبار مسؤولي الحكومة والحزب متهمين بالفساد، وقيل إن بعضهم مُنع من السفر إلى الخارج لحين التحقيق معه، وهناك من فُرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله، وبمصارحة رئيس الديوان بأسماء عدد من هؤلاء، قال: «دعنا من ذكر الأسماء، لأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ولكن أستطيع أن أؤكد لك أن البرنامج الذي طرحه الرئيس بارزاني هدفه الإصلاح ومكافحة الفساد أينما كان.. وكما هو واضح من اسمه، فهو برنامج إصلاح وليس عقابا، ولن ينفذ بوتيرة ثورية، كما يتصور البعض، حيث سبق للرئيس بارزاني أن حذر مرارا من اللجوء إلى العنف الثوري للتعبير عن حاجة الجماهير للإصلاحات، لأن ذلك سوف يعقد الأوضاع ولن يأتي بنتيجة مرجوة، ولكن ذلك لا يعني التغاضي عن بعض الأمور، فنحن في هذا البرنامج نحتاج إلى إجراء بعض العمليات الجراحية لاستئصال أورام خبيثة داخل المؤسسة الإدارية.. وفي كل الأحوال فإن الإجراءات التي تتخذ ضمن إطار هذا البرنامج الإصلاحي ستكون في سياقها القانوني، بمعنى أن القضاء هو الذي سيتولى الجانب القانوني وما سيُتخذ من الإجراءات القانونية ضمن هذا البرنامج، هناك فعلا المئات من الملفات المعروضة على السيد رئيس الإقليم، وهذه الملفات ستدرس من قبل لجان الرئاسة، وستحول بعد دراستها إلى الرئيس للاطلاع عليه، ثم تحول إلى القضاء والمحاكم، عندها فإن الإجراءات القانونية للتحقيق مع المسؤولين أو إلقاء القبض عليهم أو أي إجراءات قانونية أخرى سيتولاه القضاء، ونحن لا دخل لنا فيها، سوى اتخاذ بعض الإجراءات الإدارية التي تندرج ضمن صلاحيات الرئيس».

ويعطي الحديث المتداول حاليا حول محاسبة رموز ورؤوس كبار بالحكومة مصداقية أكبر لحملة بارزاني الإصلاحية، خاصة أن هذا الإجراء لم يرد ضمن مطالب المعارضة الكردية التي تقدمت بدورها بمشروعها الإصلاحي، ولكن بارزاني، شعورا منه بالحاجة إلى بدء الإصلاحات، بدأ بحزبه أولا، بل من الدائرة القريبة جدا منه، خاصة مع ورود أخبار من مصادر موثوقة بقيامه بمصادرة أحد العقارات من أحد أبنائه، وتخصيصه للنفع العام، مؤكدا بذلك جديته في إجراء إصلاحات حازمة على صعيد الإقليم ككل. وبسؤال حسين عما إذا كانت كردستان مقبلة فعلا على تطورات مهمة في مجال مكافحة الفساد، الذي أعاق تقدم الإقليم لسنوات طويلة، وزاد من هوة المسافة بين المواطن وقيادته، أجاب: «نعم، كردستان مقبلة على تطور هائل، هذه الحملة ستدشن لمرحلة جديدة في بناء كياننا، نحن والرئيس أيضا نحتاج إلى دعم الجماهير، هذا البرنامج يحتاج إلى أدوات للتنفيذ، وبما أن الجميع يعانون من سلبيات وآثار الفساد، ولكي يشعر الجميع بنتائج هذا البرنامج الإصلاحي، ينبغي على الجميع المشاركة فيه، من خلال إبداء الدعم لتوجهات الرئيس بارزاني، والالتفاف حول برنامجه الإصلاحي».