مصر: اعتصام المهمشين أمام ماسبيرو يطالب بإنهاء «الغربة في الوطن»

رفضوا معركة الدستور ورفعوا شعار «رغيف الخبز والمسكن أولا»

TT

حمل الشاب العشريني أحمد عبد السلام لافتة مصنوعة من الورق المقوى أمام مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون بماسبيرو، في الساعات الأولى من صباح الجمعة الماضي.. ووسط مئات المعتصمين برزت كلمات اللافتة: «الفقر في الوطن غربة»، موجها رسالته للسلطات والنخب المصرية على السواء.

بلحية لم يطلقها ورعا، إنما نمت بعد أن أمضى أكثر من ثلاثة أسابيع معتصما، يقول عبد السلام حزينا إنه يريد «رغيف العيش و4 حيطان (جدران) أولا» ليحمي أولاده الثلاثة وزوجته، وليشعر بـ«طعم الوطن»، ولا يهمه - هو أو أي من المعتصمين - على الإطلاق ما يردده بعض السياسيين حول فكرة الدستور أو الانتخابات أولا.

وفي المساحة الضيقة المحصورة بين مبنى التلفزيون وكورنيش النيل، ينحشر مئات المعتصمين من أبناء أحياء مدينة السلام والدويقة بالقاهرة منذ مطلع الشهر الجاري.. تارة يقطعون الطريق وتارة أخرى ينزوون على الأرصفة، مطالبين الحكومة المصرية بتوفير مساكن بديلة لهم بعد طردهم من منازلهم، التي قال لهم المسؤولون إنها «عشوائية»، دون أن يوضحوا لهم كيف تكون الحياة بطريقة أخرى.

وانضم مئات آخرون من الناشطين والحقوقيين المساندين لمطالب المعتصمين بعد صلاة الجمعة، في محاولة للضغط على السلطات لحل أزمتهم وأزمة أكثر من 3 ملايين مواطن يعيشون في عشوائيات العاصمة وحدها، في ظروف وصفتها منظمات إنسانية بـ«غير الآدمية».. وكثير من هؤلاء المساندين للقضية دفعتهم مدونة «الفقراء أولا» المأساوية للناشط محمد أبو الغيط، التي طالب فيها بحقوق المهمشين، وانتشرت كالنار في الهشيم في الأوساط المصرية منذ 17 يونيو الجاري.

وعلى الأرصفة تراصت عشرات من الخيام دبروها على عجل من ملاءات وبطاطين وسجاجيد مهترئة، لينتقلوا إلى «عشوائية» أخرى ربما تزعج «لا آدميتها» المسؤولين الذين تجاهلوهم لسنوات.. بينما انتشرت عشرات من قطع الملابس تركت لتجف على أحبال ممتدة، منها ملابس داخلية، لم يشعر أصحابها بالخزي من نشرها على الملأ.. وعلق عبد السلام على ذلك قائلا: «مش مفروض إحنا اللي نتكسف.. اللي خلونا كدا هما اللي المفروض يتكسفوا ويسترونا».

وفي براءة سأل عبد السلام رجلا بدا له من مظهره أنه رجل دين، قائلا: «هو يا مولانا اللي يموت مننا هنا، أو يغرق وهو بيقضي حاجته في النيل، يبقى شهيد؟»، متذكرا حادثة زميله في الاعتصام تامر الذي غرق في 11 من يونيو (حزيران) الجاري بعد اضطراره للنزول إلى النيل لقضاء حاجته، إثر إغلاق المسؤولين دورات المياه حول ماسبيرو في محاولة لإجبارهم على الرحيل.

ورغم قيام محافظة القاهرة بإرسال 3 أتوبيسات لإخلاء المعتصمين قبل أيام وتوجيههم إلى مخيمات إيواء بأحد مراكز الشباب، فإن المعتصمين رفضوا ذلك بشدة، مؤكدين أنهم لو رحلوا لرحلت قضيتهم إلى غير رجعة. وهو ما عبر عنه عبد السلام بأنه أصبح لا يهاب الموت أو الاعتقال، منوها إلى محاولات الشرطة والجيش المتكررة، لصرف المعتصمين.

ويؤكد عبد السلام أن «نظيف وشفيق وشرف (رؤساء حكومات مصر الأخيرة) زي بعض.. الكل وعدنا، والكل خلي بينا، سواء في توفير مساكن أو توفير وظيفة ناكل من وراها لقمة عيش ونجيب سكن محترم. ولما بنحاول نعترض بالأدب ما حدش بيسأل فينا.. ما حدش بعد كدا ييجي يقول علينا إننا بلطجية لما نيجي ناخد حقنا! احنا ما بقيناش حاسين بإن مصر بلدنا».

وكانت آخر تصريحات الدكتور أحمد نظيف (رئيس الوزراء الأسبق المحبوس حاليا على ذمة قضايا تتعلق بالتربح وإهدار المال العام) قبل ثورة 25 يناير بيوم واحد، قد أكدت أن «مشكلة البطالة تعد الشغل الشاغل للحكومة»، وكذلك وعد الفريق أحمد شفيق بحل المشكلات الفئوية والاقتصادية وتوفير المساكن للمحتاجين.. بينما قررت حكومة تصريف الأعمال المصرية، برئاسة الدكتور عصام شرف، منذ أسبوعين تفعيل قانون تجريم الاعتصامات والإضراب عن العمل، وتلا ذلك مباشرة فض عدد من الاعتصامات بالقوة من قبل جهاز الشرطة.. وهو ما يمثل تهديدا دائما لمعتصمي ماسبيرو.

وبينما تلقم زوجة عبد السلام ثديها لطفله الرضيع، قال عبد السلام بنبرة عبثية: «أكبر بسرعة يا واد عشان تبقى تقف مكاني.. شكلنا مش حنروح قريب»، وأضاف ضاحكا رغم قسوة الموقف: «أنا أصلا نسيت مين أول وزير في مصر وعدنا بحل مشكلتنا.. أصلي كنت صغير قوي ساعتها».. ورفع مجددا لافتته بعد استراحة قصيرة.