أزمة بحارة تقرب بين الهند وباكستان

هنود ناقمون على حكومة بلدهم يشيدون بناشط باكستاني حرر أبناءهم

الناشط الباكستاني الحقوقي أنصار بيرني
TT

نجحت فدية دفعها باكستانيون لقراصنة صوماليين في إنقاذ حياة بحارة هنود كانوا ضمن طاقم مؤلف من 23 فردا على متن السفينة «إم في سويس» المصرية التي اختطفت في أغسطس (آب) 2010 في خليج عدن.

وجاء إطلاق سراح البحارة في أعقاب جمع الناشط الباكستاني المعني بالدفاع عن حقوق الإنسان، أنصار بيرني، المال اللازم للفدية، بعد نجاحه في التفاوض لإطلاق سراح البحارة. وكجزء من الـ2.5 مليون دولار التي طلبها القراصنة فدية لإطلاق سراح البحارة، دفعت الشركة المالكة للسفينة مليون دولار، بينما دفع «صندوق أنصار بيرني» المبلغ المتبقي. وتألف الرهائن من 11 مصريا و5 باكستانيين و6 هنود وسريلانكي واحد. وفي الهند، أشادت أسر البحارة بالناشط الباكستاني باعتباره منقذ البحارة، في الوقت الذي نددوا فيه باللامبالاة التي أبدتها الحكومة الهندية. وأثنى أقارب البحارة بشدة على باكستان حكومة وشعبا، بينما صبوا جام غضبهم على الحكومة الهندية لعدم تحركها نحو إنقاذ ذويهم.

من ناحيتها، قالت ماهو شارما، التي يعد موطنها، جامو وكشمير، معقلا لمشاعر العداء تجاه باكستان، وكان زوجها إن كيه شارما من بين البحارة الهنود المختطفين «بغض النظر عما يقوله الهنود عنهم (الباكستانيين)، أنا أؤيدهم بشدة. إن بداخلي تقديرا هائلا تجاه السيد بيرني». وكان الغضب إزاء أسلوب إدارة الحكومة الهندية للأزمة واضحا. وحمل نجل شارما لافتة تحمل عبارة «شكرا عمي أنصار بيرني»، في إشارة للناشط الحقوقي الذي جمعت منظمته تبرعات من الشعب الباكستاني لسداد أموال الفدية التي طلبها القراصنة الصوماليون.

والأدهى من ذلك أن الحكومة الهندية أخفقت في محاولة إنقاذ ماء الوجه عبر تنظيم استقبال لائق للبحارة لدى عودتهم، فعلى خلاف الحال مع باكستان، حيث استقبل حاكم إقليم السند إشراتول عباد جميع البحارة المفرج عنهم، بمن فيهم البحارة الهنود الستة، لم يحضر ممثل عن الحكومة الهندية استقبال البحارة لدى وصولهم إلى مطار نيودلهي.

وقد تعرض البحارة خلال فترة اختطافهم للتعذيب على أيدي قراصنة سكارى وحرموا من الطعام لأيام، وعندما لاحت في الأفق بشائر الحرية لم يصدقوا أن كابوسهم أوشك على الزوال، وأنهم سيرون أقاربهم وأحباءهم من جديد. وقال إن كيه شارما «كانوا يضربوننا عندما يسكرون، ويستخدمون أي شيء تقع عليه أيديهم ليضربونا به. كنا متأكدين من أنهم سيقتلوننا. مرت علي لحظات تمنيت خلالها لو أنهم يقتلوننا لنستريح من العذاب».

ونقل أفراد طاقم «إم في سويس» إلى كراتشي، يوم الخميس الماضي، على متن سفينة حربية باكستانية، «بي إن إس ذو الفقار»، والتي التقطت البحارة من خارج سواحل عمان. يذكر أن «إم في سويس» كانت قد غرقت خارج السواحل العمانية لنفاد وقودها.

وقال أحد البحارة «لقد فعلت الحكومة الباكستانية الكثير من أجلنا، فقد جاءت سفينتها (بابر) لنجدتنا، بينما استغثنا بالسفينة الهندية (غودافاري) عدة مرات من دون أن تعبأ بنا».

وهناك اتهامات بأن الحكومة الهندية لم تحرك ساكنا لمحاولة إنقاذ البحارة الهنود المحتجزين لدى القراصنة الصوماليين على مدار أكثر من عشرة أشهر. ولم تقدم الهند، التي كان مقررا مشاركتها في مبلغ الفدية بـ500.000 دولار، المال الذي وعدت به قط. واضطلعت الحكومة والشعب الباكستانيان بكامل مهمة تحرير الرهائن ونقلهم بسلام، علاوة على مراسم الاستقبال الرائع للبحارة بعد تحريرهم بغض النظر عن جنسيتهم. وفي محاولة لإنقاذ ماء الوجه، وجّه وزير الخارجية الهندي إس إم كريشنا الشكر لباكستان لإنقاذها البحارة الهنود، رافضا التعليق على سبب فشل الهند في فعل ذلك. وفي المقابل، واجه بيرني معارضة من بعض القطاعات داخل باكستان لسداده فدية لتحرير هنود. وعلق الناشط الحقوقي والوزير الفيدرالي السابق (54 عاما) على تلك الانتقادات بقوله «هذا أمر لا يتعلق بالجنسيات، وإنما هي قضية إنسانية. إننا لم ندفع فدية، وإنما قدمنا مساعدة إنسانية لشركة شحن مصرية لمساعدتها في إنقاذ أرواح عامليها».

والملاحظ أن أعمال قرصنة تصاعدت خلال السنوات الأخيرة خارج سواحل الصومال، وانتشرت عبر المحيط الهندي صوب الهند، في إطار مساعي القراصنة لتجنب السقوط في أيدي الدورات البحرية الدولية بالمنطقة.

في تلك الأثناء، وفي خطوة تقليدية في إطار التشاحن الدبلوماسي المستمر بين البلدين، تقدمت الهند باعتراض رسمي لدى إسلام آباد بسبب انتهاك السفينة الحربية الباكستانية «بابر» التنظيمات المعمول بها للسلامة الملاحية بسبب «مناوراتها الخطرة، وتعريضها حياة أفراد طاقم سفينة (غودافاري) الهندية للخطر».

وكانت كل من «بابر» و«غودافاري» توفر غطاء للسفينة «إم في سويس». ويأتي الاعتراض بينما يستعد دبلوماسيون باكستانيون وهنود رفيعو المستوى للالتقاء في إسلام آباد هذا الأسبوع لمناقشة النزاع على كشمير، بجانب قضايا أخرى تتعلق بالسلام والأمن بين الجانبين، وذلك للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات. وتعرضت البحرية الهندية لضغوط محلية هائلة لعدم إرسالها مساعدة للبحارة في الوقت المناسب، وتفوق باكستان عليها في إطلاق سراح الرهائن وإعادتهم لأوطانهم سالمين. وفي الوقت ذاته، يعود إلى باكستان أيضا خمسة بحارة باكستانيين بعد إنقاذهم من قبل الأسطول الهندي، بعد أن اختطفهم قراصنة صوماليون، وذلك بعد جهود من جانب «صندوق أنصار بيرني». وكان قارب الصيد الذي يقل البحارة وعددهم 18، قد تعرض للاختطاف في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وبعد ذلك، عبر القارب بحر العرب حيث اعترضته البحرية الهندية على بعد نحو 300 ميل بحري من جزيرة لكشديب في أبريل (نيسان). وتعرض اثنان من البحارة - باكستاني وإيراني - للقتل في تبادل لإطلاق النار بين البحرية الهندية والقراصنة خلال عملية الإنقاذ. وبينما عاد الرهائن المحررون من إيران وتايلاند وبنغلاديش والفلبين وتركيا لأوطانهم، بقي الباكستانيون في انتظار صدور أوراقهم القنصلية.