بدء محاكمة 4 من قادة نظام الخمير الحمر في كمبوديا

وجهت إليهم تهمة الإبادة بعد أكثر من 30 عاما من الوقائع

زعماء الخمير الحمر السابقون أثناء محاكمتهم في الدوائر الاستثنائية بمحاكم كمبوديا في ضواحي بنوم بنه أمس (رويترز)
TT

افتتحت رسميا في بنوم بنه، أمام محكمة تشرف عليها الأمم المتحدة، المحاكمة المرتقبة منذ فترة طويلة لأبرز أربعة قادة لا يزالون أحياء من نظام الخمير الحمر وجهت إليهم خصوصا تهمة الإبادة وذلك بعد أكثر من 30 عاما من الوقائع.

واتهم كل من منظر نظام بول بوت أو «الأخ رقم اثنان» نون تشيا، ووزير الخارجية يانغ ساري، ورئيس «كمبوديا الديمقراطية» خيو سمفان، ووزيرة الشؤون الاجتماعية يانغ ثيريث، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

وجلس المتهمون الذين تتراوح أعمارهم بين 79 و85 سنة وقد بدا عليهم التعب، في قفص الاتهام. لكن لم يظل حاضرا في الجلسة بعد الظهر سوى خيو سمفان، بعد أن رفض القضاة إعفاءه، بينما غادر الآخرون المحكمة لأسباب صحية أو بسبب الاحتجاج كما كان الحال بالنسبة لنون تشيا.

وقال نون تشيا الذي يضع نظارات سوداء وقبعة من الصوف الأبيض والأزرق على رأسه: «لست مرتاحا لهذه الجلسة»، ثم انسحب من الجلسة.

وقال محاميه ميشيل بستمان إن «التحقيق القضائي كان ظالما إلى حد أنه يجب وقف مجمل الملف». وهو ما كان يخشاه المراقبون، أي أن يرفض المتهمون التهم والتعاون مع المحكمة.

كما تخشى الأطراف المدنية البالغ عددها أربعة آلاف، أن لا يطول عمر المتهمين حتى يصدر الحكم بحقهم. وسيتعين على قادة النظام أن يشرحوا كيف ولماذا طبقوا بطريقة منهجية ومحسوبة، بين 1975 و1979 نظرية ماركسية مجنونة قضت بفعل الإرهاق والجوع والمرض والتعذيب والإعدامات على مليوني شخص، أي ما يعادل ربع سكان كمبوديا حينها. وتستخدم كلمة الإبادة عادة للإشارة إلى تلك الفترة، لكن الأمم المتحدة لا تصف الفظاعات المرتكبة بحق شعب الخمير بالإبادة. ويقتصر الاتهام على مجازر بحق الفيتناميين والأقلية الإثنية «شمس» المسلمة.

وقال لارس أولسن الناطق باسم المحكمة المختلطة التي تشكلت سنة 2006 بعد سنوات من التردد: «أخيرا يخضع هؤلاء الأربعة المتهمون بأنهم العقل المدبر (في النظام) للمحاكمة والكمبوديون ينتظرون أجوبة وعدالة».

وقد حضر مئات الكمبوديين لمشاهدة سفاحيهم السابقين في قفص الاتهام بينما نقل التلفزيون الجلسة. وقال فان ناث الناجي من الإبادة: «نأمل إحقاق العدالة»، بينما أكد خيم ناريث، 56 سنة: «أريد أن تحكم المحكمة على الأربعة بالسجن المؤبد».

وتختلف هذه المحاكمة عن بقية الهيئات القضائية الدولية الاستثنائية في العالم لا سيما لأنها تجرى في المكان الذي ارتكبت فيه الفظاعات، خلافا لمحكمة الجزاء الدولية ليوغوسلافيا سابقا في لاهاي ومحكمة الجزاء الدولية لرواندا (في أروشا في تنزانيا).

وتتناول الجلسات التمهيدية من الاثنين حتى الخميس قضايا إجرائية لا سيما قائمة الشهود، على أن تعلق المحاكمة لبضعة أسابيع. ويتوقع أن تستمر سنوات.

ولا يرتقب الإدلاء بالشهادات الأولى للمسؤولين الأربعة المعتقلين في مبنى مجاور للمحكمة منذ اعتقالهم عام 2007 حتى بداية أغسطس (آب).

وفي محاكمتها الأولى، أصدرت المحكمة في يوليو (تموز) 2010 حكم السجن ثلاثين سنة على كاينغ غيك إياف المدعو «دوتش»، رئيس سجن توول سليغ حيث تعرض 15 ألف شخص للتعذيب قبل إعدامهم.

وقد طلب دوتش الذي اعترف بكل ما فعله والتمس الصفح من الضحايا! في النهاية الإفراج عنه في محكمة الاستئناف، مؤكدا أنه لم يكن قياديا كبيرا في النظام! ويتوقع أن يصدر الحكم خلال الأسابيع المقبلة.

* لائحة الاتهامات قالت المحكمة التي يمثل أمامها المتهمون الأربعة والمعروفة باسم «الدوائر الاستثنائية في المحاكم الكمبودية» إن ما بين 1.7 و2.2 مليون شخص قتلوا في ظل حكم الحركة. ويقدر عدد من ماتوا نتيجة للعنف بنحو 800 ألف شخص بينما يعزى موت البقية إلى العمل المفرط والجوع والمرض.

* الإبادة الجماعية: تشير تلك التهم على وجه التحديد إلى ما يتردد حول الإبادة الجماعية لاثنتين من الأقليات في كمبوديا: عرقية الـ«تشام» المسلمة، والعرقية الفيتنامية، ولا تشير إلى عمليات القتل الجماعية ضد العرقية الكمبودية. ومن أجل إثبات جريمة الإبادة الجماعية، يجب أن يكشف الادعاء النية المبيتة للقضاء على كل المنتمين لجماعة عرقية أو دينية أو جزء منهما. وتعد التهمة أصعب ما يمكن إثباته، حيث إن وجود دليل على قتل جماعي لا يكفي لإثبات التهمة.

* جرائم ضد الإنسانية: تندرج تحت هذه الفئة جرائم القتل والإبادة والاستعباد والترحيل والتعذيب والاغتصاب والأفعال غير الإنسانية الأخرى. الجرائم ضد الإنسانية هي الأفعال التي ترتكب في إطار تعدٍّ واسع الانتشار أو ممنهج ضد المدنيين على أساس قومي أو سياسي أو عرقي أو عنصري أو ديني.

* جرائم الحرب: من الناحية الفنية، تشير تلك التهمة إلى الانتهاكات الخطيرة لاتفاقيات جنيف لعام 1949. تلك الاتفاقيات موضوعة من أجل حماية الأشخاص والممتلكات خلال النزاعات الدولية المسلحة، وانتهاك تلك الاتفاقات يشار إليه على أنه جرائم حرب. والقتل العمدي والتعذيب والإصابة الخطرة وحرمان أسرى الحرب أو المدنيين من حق المحاكمة العادلة، أمور تشكل جرائم حرب إذا ما ثبتت.

وخلصت المحكمة في أولى محاكماتها إلى أنه كانت هناك حالة من النزاع المسلح بين كمبوديا وفيتنام خلال الفترة من 1975 إلى 1979 من أجل فتح الطريق أمام توجيه الاتهامات. ويتوقع أن يقوم فريق الدفاع في هذه القضية، وهي الثانية للمحكمة، بالطعن على ما خلصت إليه المحكمة في المحاكمة الأولى.

* جرائم يعاقب عليها القانون الجنائي الكمبودي لسنة 1956: تنص قواعد المحكمة على أنه يمكن محاكمة أي شخص ارتكب جريمة قتل أو تعذيب أو اضطهاد ديني خلال فترة حكم الخمير الحمر.

* الأحكام: المحكمة لا تصدر أحكاما بالإعدام؛ إذ إن أقصى عقوبة ممكنة هي السجن مدى الحياة.

* التوقيت والسياسة: الاعتبارات السياسية هنا تعني دور الولايات المتحدة في قصف كمبوديا أواخر ستينات القرن الماضي، الذي يرى بعض المؤرخين أنه عزز بشكل كبير دعم الخمير الحمر. ولم يتم التحقيق فيه لأنه حدث قبل تاريخ 17 أبريل (نيسان) 1975.

وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)