القضاء المصري يحل المجالس المحلية المنتخبة في عهد مبارك .. ومخاوف من تعرض ملفاتها للحرق

يبلغ عددها 1750 مجلسا وتضم 54 ألف عضو.. والمحكمة اعتبرتها من أدوات النظام السابق

طفلة مصرية أمام خيمة تعيش فيها عائلتها من سكان منطقة الدويقة الذين تهدمت منازلهم أمام مقر الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو) أمس (أ.ب)
TT

قضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في مصر، أمس، بحل المجالس المحلية في جميع محافظات الجمهورية، التي يبلغ عددها 1750 مجلسا، وتضم 54 ألف عضو، غالبيتهم العظمي من الحزب الوطني (تم حله) الذي كان يرأسه الرئيس المصري السابق حسني مبارك. وقالت الحكومة إن الحكم يلبي أحد مطالب ثورة «25 يناير» للقضاء على الفساد السياسي.

جاء الحكم بعد دعوى قضائية رفعها بعض المحامين، طالبوا فيها بحل تلك المجالس. يأتي ذلك بعد حل مجلسي الشعب والشورى (البرلمان) وجهاز مباحث أمن الدولة منذ نحو 3 أشهر، على يد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي قرر أيضا تعطيل الدستور.

وفور صدور الحكم بحل المجالس المحلية، أمس، توجه آلاف المواطنين بعدة محافظات إلى مقار تلك المجالس خوفا من حرق المستندات التي قد تكون بداخلها على غرار الحرائق التي نشبت في الكثير من مقار مباحث أمن الدولة فور الإعلان عن حلها.

وبررت المحكمة في جلستها، أمس، برئاسة المستشار كمال اللمعي، نائب رئيس مجلس الدولة، الحكم بحل المجالس المحلية بقولها: «إن هذه المجالس من بين أدوات النظام السابق، وتعمل على تحقيق أهدافه ورغباته، ومن غير المقبول أن يسقط هذا النظام وتظل المجالس المحلية قائمة حتى الآن بعد فقدانها أصل شرعيتها».

وقالت محكمة القضاء الإداري في حيثيات الحكم، الذي وصفه الناشطون السياسيين بـ«التاريخي»: «إن المجالس المحلية كانت تستمد شرعية وجودها من نظام الحكم السابق ودستور 1971، وصار واقعا ملموسا اعترف به الجميع أن ثورة الشعب المصري في 25 يناير (كانون الثاني) قد نجحت نجاحا باهرا، وأجبرت الرئيس السابق حسني مبارك على التخلي عن منصبه للمجلس العسكري، الذي أصدر إعلانا دستوريا بحل مجلسي الشعب والشورى وتعطيل العمل بهذا الدستور».

وأشارت المحكمة إلى أنه لما كانت هذه المجالس من بين أدوات هذا النظام وتعمل على تحقيق أهدافه ورغباته، فمن غير المقبول أن يسقط هذا النظام وتظل المجالس المحلية قائمة حتى الآن بعد فقدانها أصل شرعيتها، وبالتالي يكون حلها وإبعادها عن أي دور كانت تقوم به أمرا واجبا وحتميا.

وأوضحت المحكمة أنه فضلا عما تقدم، فقد ثبت لديها أن هذه المجالس أخلت إخلالا جسيما بمصلحة هذا الوطن، وتقاعست عن الاختصاصات التي حددها لها المشرع في القانون على مستوى كل وحدات الإدارة المحلية، مشيرة إلى أن موقف عدم تدخل مجلس الوزراء، حتى الآن، لحل المجالس المحلية، يشكل قرارا سلبيا غير مشروع، ويتنافى مع المشروعية التي تخضع لها جميع سلطات الدولة.

وقالت الحكومة المصرية إن هذا الحكم يلبي أحد مطالب ثورة «25 يناير» للقضاء على الفساد السياسي بعد حل البرلمان والحزب الوطني، وإنها تتعهد بتنفيذ القرار فورا مع البحث في اتخاذ بدائل سريعة تحل محل هذه المجالس منتهية الصلاحية بحكم القانون.

وعمت حالة من الفرح أوساط مقيمي الدعوى والمؤيدين لهم، عقب صدور الحكم، وسط وجود أمني مكثف. وذكر المحامي حمدي الفخراني، عن المركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، والدكتور أحمد الفضالي، رئيس حزب السلام الديمقراطي، في الدعوى التي أقاماها لحل هذه المجالس، واختصما فيها كلا من رئيس الوزراء ووزيري الداخلية والتنمية المحلية: «إن المجالس المحلية على مستوى الجمهورية لا يزال يسيطر على 98% منها فلول الحزب الوطني (المنحل)، إضافة إلى أنها تعمل في إطار من الفساد الإداري يجعلها لا تعبر بشفافية عن مطالب المواطنين، وإنما تمثل وجهة نظر هذا الحزب المنحل وتعمل فقط على تلبية رغباته وتحقيق مصالحه».

وأضافت الدعوى أن «المجالس المحلية القائمة الآن وُلدت بطرق غير شرعية من رحم السلطة الفاسدة، وجاءت بعملية انتخابية باطلة ومزورة بجميع مراحلها لصالح الحزب الوطني الفاقد للشرعية والمنحل بحكم الإدارية العليا، وأنها تمثل امتدادا جذريا للفاسدين، وأرست الفساد في العمل المحلى فانتشرت المحسوبيات والهبات وتعطلت مصالح الشرفاء، مما يستلزم حلها كأحد المطالب الأساسية لثورة (25 يناير)».

ويحق للمجلس الأعلى للقوات المسلحة (الحاكم في مصر) والحكومة، ممثلة في وزير التنمية المحلية اللواء محسن النعماني، الحق في الطعن على القرار أمام المحكمة الإدارية العليا، إلا أن الدكتور أحمد السمان، المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، قال لـ«الشرق الأوسط»: إن الحكم سينفذ فورا لأنه أحد مطالب ثورة «25 يناير»، موضحا أن «الحكومة ستصدر قرارا تنفيذيا بعد وصول مسودة الحكم إليها، بما لها من صلاحيات بحل المجالس المحلية، وذلك خلال أيام».

وأكد السمان أن هناك عدة بدائل تدرسها الحكومة لتعويض حل المجالس المحلية وكلها مطروحة، منها: إصدار قانون جديد، أو عمل انتخابات جديدة فورا، أو تعيين مجالس مؤقتة... إلخ وذلك عن طريق لجان مختصة.

ونفى السمان أن يكون لقرار حل المجالس المحلية أي تأثيرات سلبية على المواطنين ومستوى تقديم الخدمات، وقال «إطلاقا، هذا لن يحدث، ولن يحدث أي ضرر بمصالح المواطنين؛ لأن هذه المجالس بحكم القانون في إجازة إجبارية خلال شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب)، وبالتالي لم يتأثر شيء»، مضيفا: خلال هذه المدة سيتم ترتيب كل هذه المجالس من جديد.

وشهدت انتخابات المجالس المحلية الماضية، التي انتهت بهيمنة حزب مبارك عليها، الكثير من عمليات التزوير، وأصدر القضاء الإداري الكثير من الأحكام ببطلانها، لكن الجهة الإدارية امتنعت عن التنفيذ.

وفي أول رد فعل على قرار المحكمة بحل المجالس المحلية، حاصر الآلاف من ائتلاف شباب الثورة والحركات الثورية مقار المجالس المحلية في عدة مدن بالمحافظات المصرية خوفا من تعرض ما يعتقد أنها وثائق مهمة للسرقة أو للحرق، وخلال فترة الحصار لمقار عدد من المجالس المحلية انضم عدد كبير من الأهالي للمتظاهرين.

وفي محافظة قنا، حاصر مقر المجلس المحلي للمحافظة عشرات الشبان، بعد تسرب أنباء بأن عددا من أعضاء المجلس المحلي توجهوا إلى المجلس لحرق الأوراق والمستندات التي بها. وقرروا اقتحام مبنى المجلس والتحفظ على الأوراق بمعرفتهم، إلا أن قوات الجيش والشرطة تدخلت لمنع المتظاهرين من اقتحام المبنى، ووعدت ماهر الخطيب، أمين المجلس، بالتحفظ على جميع الأوراق والمستندات وعرضها في وقت لاحق على الأجهزة المختصة بحضور عدد من أعضاء الائتلاف.