مبادرة لتوثيق جرائم التعذيب في عهد مبارك.. وحقوقيون يطالبون بالتحقيق فيها

قالوا إن من ضحاياها ابن شقيقة الرئيس السابق بسبب انتمائه للتيار الإسلامي

TT

طالب حقوقيون مصريون بإنشاء نيابة مستقلة للتحقيق في جرائم التعذيب التي ارتكبت في عهد الرئيس السابق، وذلك خلال احتفالية اليوم العالمي لمناهضة التعذيب مساء أول من أمس. كما دشنوا مبادرة وطنية لتوثيق جرائم التعذيب في مصر.

وأكدوا أن ذلك يأتي في إطار سعيهم لعرض تجارب 30 ألف معتقل كانوا داخل السجون المصرية في عهد مبارك، والحصول على شهادات من تعرضوا للتعذيب وتوثيقها بالصوت والصورة، ليصل عدد من أدلوا بشهادتهم حتى الآن لمائة معتقل، وذلك لتأسيس ثقافة تناهض التعذيب.

وأوضح عمرو عبد المنعم المنسق العام للمبادرة أنها تهدف لترويج هذه الشهادات لخلق رأي عام رافض للتعذيب، وتوثيق أسماء من قاموا بالتعذيب لملاحقتهم قضائيا ونشر قوائم سوداء بأسمائهم. كما تهدف إلى تدعيم ثقافة الإدلاء بالشهادة من قبل الذين تعرضوا للتعذيب أو الذين شاهدوه، والمطالبة بتأمين وحماية من يقوم بالإدلاء بشهادته من الناحية القانونية.

ودعا مشاركون في احتفالية اليوم العالمي لمناهضة التعذيب بنقابة الصحافيين المصريين إلى إلغاء تعيين النائب العام وجعله بالانتخاب من المجلس الأعلى للقضاء، واستقلال النيابة العامة. وعرضت الاحتفالية فيلما تسجيليا عن قصة محمد شمس الطالب بكلية الصيدلة بالإسكندرية الذي فقد عينه اليسرى على يد أحد ضباط الشرطة بحجة الاشتباه فيه، وفيلما آخر روى قصة تعذيب الشاب محمد عصام من محافظة السويس.

وأكد عبد المنعم أن المبادرة الوطنية لتوثيق جرائم التعذيب جاءت فكرتها بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) التي أسقطت نظام مبارك لتوثيق كم الإجرام الذي مارسه النظام على قوى سياسية مختلفة من ضمنها إسلاميون ومسيحيون ونساء، لافتا إلى أننا نقوم بتوثيق الروايات الشفوية وهي أحد أهم أفرع التاريخ المنسية في تاريخ الوطن العربي.

وعن كيفية التوصل للمعتقلين، قال المنسق العام لـ«الشرق الأوسط»: «أنا أحد قدامى المعتقلين، وقريب من التيار الإسلامي الذي تعرض للظلم بشدة في النظام السابق». وعن أشهر من أدلوا برواياتهم الشفوية، قال عبد المنعم: «بدأناها بنبيل المغربي ثم محمد الأسواني (أقدم سجين مصري) وشقيقته عبير الأسواني، وزوجة المغربي (شقيقة حسين عباس أحد المتهمين بقتل الرئيس الأسبق أنور السادات)، ومحمد وديع، وعبد الناصر أبو الفتوح، ومجدي سالم، والشيخ عبد الرحيم عبد الغفار (ابن شقيقة مبارك)»، موضحا أن الشيخ عبد الغفار اعتقله (خاله مبارك) لمدة 17 عاما، ومارس ضده التعذيب البدني يوميا لمجرد انتمائه للتيار الإسلامي.

وأردف عبد المنعم أنه عندما ذهبت والدة عبد الغفار (شقيقة مبارك) إلى شقيقها الرئيس السابق، وطلبت منه الإفراج عن ابنها، وذكرته بأنه كان يمنحه مصروف الجيب يوميا قبل أن يصبح رئيسا لمصر، فسألها مبارك سؤالا واحد فقط وهو «لديك كم ولد؟» ردت عليه لدي ثلاثة؛ فقال لها: «اعتبريهم اثنين».

وتابع عبد المنعم: هناك حالات مسيحية مثل جورج حبيب، وهاني سمير اللذين رفضا التجسس على الكنيسة المصرية فتم اعتقالهما.

واستطرد عبد المنعم قائلا: «من أشهر الروايات رواية محمد الأسواني الذي لا يزال قيد الاعتقال داخل المعتقل رغم قرار المجلس العسكري (الذي يتولى إدارة شؤون البلاد) بالإفراج عنه، ويعد الأسواني من أقدم المسجونين السياسيين خلال الثلاثين عاما الماضية، ويقطن الأسواني في سجن العقرب أحد سجون منطقة طرة بضاحية المعادي، وهو (سجن أنشئ خصيصا لمواجهة محاولات الهروب وهو شديد الحراسة)».

وأوضح المنسق العام للمبادرة أنه تم اعتقال الأسواني في عام 1981 بعد اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات، وتعرض للتعذيب حتى يدلي باعترافات تفصيلية عن دوره في قضية تنظيم الجهاد الشهيرة عام 1981 ليحكم عليه بالسجن المؤبد 25 عاما، وتم إلقاء القبض على والده الكفيف ووالدته الكفيفة وشقيقة طارق وشقيقته عبير ويمارس ضدهم أشد أشكال التعذيب النفسي والبدني، وهو ما دفعه للهروب من السجن لتفادي التعذيب والإهانة وحكم عليه بالسجن 12 سنة إضافية، ثم حكم عليه مرة ثالثة بالسجن 10 سنوات، ليصل إجمالي أحكامه 47 عاما في سابقة قانونية فريدة لم تعرفها الحالة السياسية المصرية، قضى منها الأسواني ما يقرب من 31 عاما متصلة داخل المعتقل، وأصيب خلالها بشلل نصفي كامل نتيجة إصابته بجلطة دماغية بعد الاعتداء الوحشي الذي شهده في سجن العقرب إثر محاولة اغتيال مبارك خلال زيارته إلى إثيوبيا في يونيو (حزيران) عام 1995.

أضاف عبد المنعم، ومن ضمن الشهادات شهادة نبيل المغربي الذي قضى 30 عاما في المعتقل، ودخل السجن في حملة اعتقالات سبتمبر (أيلول) الشهيرة (حينما قرر الرئيس الأسبق السادات اعتقاله ضمن قائمة من سياسيين وكتاب ورجال دين بلغ عددهم 1536 معتقلا)، قائلا: إن المغربي سرد في شهادته معاناته داخل السجن، حيث قال: «عشت داخل دورة مياه ليس أكثر».

ولفت المغربي في شهادته التي ألقاها في نقابة الصحافيين إلى تزايد عدد الوفيات بين نزلاء سجناء الرأي في مستشفى سجن ليمان طرة نتيجة إصابتهم بمرض الدرن. لافتا إلى أن الزنزانة التي عاش فيها مع 5 سجناء كانت مساحتها 120 سنتيمترا، وعرضها 150 سنتيمترا، وأن السجناء كانوا ينامون بالشهور من دون أن يفردوا أرجلهم، ويتعذبون عند قضاء حاجتهم. وقال إن الطعام كان: «لا يتعدى 4 حبات فول، وفى الشتاء لا يسمح للسجناء بالنوم ونوافذ السجن مغلقة»، مطالبا بمثول مبارك في مستشفى طرة التي كان المساجين السياسيون في أشد حاجة إلى أن يروها فقط.

من جهته ناشد «المرصد الإسلامي» بلندن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يعيد الأمور إلى نصابها، وأن ينحاز للحق وأن يحق الحق ويصدر بصفة خاصة عفوا عن المواطن المصري السجين السياسي محمد الأسواني، ويصدر عفوا عاما عن جميع المعتقلين والسجناء السياسيين وسرعة إلغاء تقديم المدنيين إلى محاكم عسكرية.

وقال: «قام طبيب من مصلحة الطب الشرعي بتكليف من مكتب النائب العام المصري للكشف عن الحالة الصحية لمحمد الأسواني في سجن العقرب بطرة أول من أمس».