متحف في واشنطن يلقي الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في الصين

أنشأه ناشط قضى 19 عاما في معسكرات العمل القسري الصينية ويتحدث عن وجود 3 ملايين سجين سياسي

الناشط الصيني هاري وو (أ.ف.ب)
TT

كان المعطف ذو اللون الشاحب المليء بالرقاع والسروال يخصان ليو زوانغوان، المتهم بمناهضة الثورة والذي قضى عقدا من عمره في معسكرات العمل القسري إبان «الثورة الثقافية» الوحشية في الصين. وقد تعرض نجله للاعتقال أيضا في المعسكر ذاته، لكن لم يسمح له أبدا برؤيته، إلا في حالة واحدة. فقد سمح للابن برؤية والده من أجل التعرف على جثته وجمع متعلقاته بعد انتحاره عام 1973.

ملابس زوانغوان الرثة - ومدى المعاناة الإنسانية التي تمثلها - هي الآن جزء من مجموعة من المقتنيات الفنية والصور ومقاطع الفيديو والكتب والوثائق الحكومية المعروضة في متحف لاوجاي في شمال شرقي واشنطن الذي افتتح مؤخرا. يهدف المتحف الواقع في منطقة ديوبونت سيركل، إلى عرض انتهاكات حقوق الإنسان في الصين وخاصة استخدام النظام الشيوعي السجون لمعاقبة المعارضين. وقد أنشأ المتحف هاري وو، الناشط الحقوقي الذي قضى 19 عاما في معسكرات العمل القسري في الصين. قصة وو عن المجاعة والتعذيب والمرض كانت حافزا له في حربه ضد النظام الذي زج في السجون، بحسب «مؤسسة لاوجاي للأبحاث»، ما يزيد على 40 مليون شخص منذ عام 1949، توفي منهم الملايين في معسكر لاوجاي، الذي يحاول الإصلاح من خلال العمل. يقول وو، الذي نال الجنسية الأميركية ويعيش في فيرجينيا: «شاهدت العديد من الأفراد يقضون نحبهم دون وجود طبيب إلى جوارهم. فقد أنشأت الصين نظاما لا يجبر الأفراد على العمل أو تحقيق ربح للحكومة وفقط بل لتغيير عقول الأفراد أيضا، أشبه ما يكون بغسيل مخ، حيث لا يوجد خيار للدين أو وجهة نظر سياسية». وأكد أن ثلاثة ملايين من بين خمسة ملايين شخص لا يزالون معتقلين لأسباب سياسية اليوم، وهو رقم يرفضه المسؤولون الصينيون الذين شككوا في دوافع وو. وقال وانغ بوادونغ، المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن: «أنا لست على اطلاع بالأرقام، لكن المتحف تقف وراءه دوافع سياسية معادية للحكومة الصينية والصين». كان وو طالبا في قسم الجيولوجيا بجامعة بكين ولم يشارك على الإطلاق في أي نشاطات سياسية عندما اعتقل في عام 1960 كيميني مناهض للثورة، حيث أجبر على توقيع أوراق دون قراءتها ثم أخذ إلى معسكر العمل القسري، الذي كان مصنعا للكيماويات في بكين. ويقول عن ذلك: «لم يكن لدي خيار، وقعت الأوراق. وحتى اليوم لا أعرف ماذا كان بداخلها. وقالوا لي إنني محكوم علي بالسجن مدى الحياة».

في كل يوم، كان وو يسأل ثلاثة أسئلة، هي الآن مكتوبة على جدران المتحف المطلية باللونين الأسود والأحمر «من أنت؟ وما هذا المكان؟ ولماذا أنت هنا؟». وكانت الإجابات التي يرغب حراسه في سماعها «أنا مجرم. وهذا هو لاوجاي، وأنا هنا للتقويم من خلال العمل». وأشار وو إلى أنه كان يعمل 12 ساعة يوميا في المزارع ومناجم الفحم ومصنع للصلب، وكان الطعام شحيحا وأحيانا ما كانوا يضطرون إلى أكل الجذور والثعابين والضفادع. هذه الأوضاع المزرية جعلته يقدم على الانتحار مرتين ورفض الأكل في الحبس الانفرادي، وتقلص وزنه إلى 36 كيلوغراما.

خلال فترة سجنه سمح له بكتابة خطاب من صفحة واحدة إلى منزله كل شهر. لكنه لم يكن يستطيع قول الكثير لوالديه وإخوته السبعة. فقد كانت الشرطة عادة ما تقرأ الرسائل وتفرض رقابة على أي محاولة لوصف الحياة في هذا المكان الرهيب. حتى إنه لم يعلم بوفاة والدته إلا بعد سبع سنوات من ذلك. وقال: «أخيرا، في عام 1979 حصلت على وثيقة تقول إنهم أعادوا تأهيلي وإن بإمكاني الخروج من المعتقل. لذا، عدت إلى الجامعة ولم أنبس ببنت شفة». في عام 1985، انتقل وو إلى الولايات المتحدة كأستاذ زائر في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، ونال الجنسية الأميركية وأنشأ «مؤسسة لاوجاي للأبحاث»، وهي مؤسسة غير ربحية تمولها مؤسسة «أي إف آل سي آي أو» لنشر الوعي بشأن معسكر العمل القسري في الصين. في عام 1995، عاد وو إلى الصين وقد أخفى كاميرا تصوير في حقيبته لتصوير معسكرات العمل القسري، حيث ألقي القبض عليه وتعرض للاعتقال لمدة شهرين وأدين بمحاولة سرقة أسرار الدولة، وحكم عليه بالسجن 15 عاما، لكنه بدلا من ذلك تم ترحيله إلى الولايات المتحدة. والآن، توجد الكاميرا والقاموس وجواز السفر الأميركي، التي حملها معه إلى الصين، ضمن المواد المعروضة في متحف لاوجاي. تم افتتاح المتحف للمرة الأولى في شارع إم في نيوجيرسي 2008. أما المتحف الجديد الذي افتتح في 20th Street ربيع العام الحالي، فقد تكلف مليون دولار لتطويره وتصميمه وإنشائه. وغالبية الأموال المخصصة للمتحف الذي تبلغ مساحته 2.100 قدم مربع، جاءت من «صندوق ياهو لحقوق الإنسان». في داخل المتحف، غطت الحوائط صور 48 شخصا من ضحايا لاوجاي، كما يضم قصة ليو شياوبو الحائز جائزة نوبل لعام 2010. وكانت جريمته التحريض على التخريب، وألقي القبض عليه ثلاث مرات وحكم عليه بالسجن 11 عاما. وروى أربعة ناجين من لاوجاي، بينهم وو، كيف قضوا سنوات السجن في هذه المعسكرات. ويمكن للزائرين أيضا الاطلاع على مجموعة من منتجات معسكرات الأعمال القسرية التي تتضمن الملابس والأحذية والشاي والألعاب والخمور والبضائع المنزلية، التي تباع في جميع أنحاء العالم. تقول لافتة قريبة من كيس متجر «وول مارت» وقبعة فريق شيكاغو بولز «هل تشتري منتجات صنعت في لاوجاي؟». ويأمل وو في أن يساعده المتحف في الوصول إلى الحكومة والشعب. وتساءل: «ألم تسمعوا الرئيس أوباما والرئيس بوش والرئيس كلينتون يصفون الصين بأنها نظام شيوعي؟ كل الأميركيين يهتمون بحقوق الإنسان، فلا يمكنك أن تهتم بحقوق الإنسان في أميركا وتنسى حقوق الإنسان في الصين. هذا ليس إنصافا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»