مؤتمر المعارضة السورية في دمشق.. و«أفخاخ» النظام

السلطات حاولت إفشاله رغم السماح بعقده والبيان الختامي فاجأ من عارضه قبل انعقاده

شبان وشابات في اعتصام بدمشق اعتراضا على العنف في البلاد، أمس (رويترز)
TT

لم يكن من السهل انعقاد لقاء للمعارضة السورية في أحد الفنادق وسط العاصمة دمشق، وأن يصدر عنه بيان يسمي الحراك الجاري في سوريا بـ«انتفاضة شعبية»، ويعلن المجتمعون دعمهم لها وأنهم جزء منها، بحسب ما قال عدد من المشاركين في اللقاء.

فالتجارب السابقة للمعارضة السورية في الداخل مع النظام لا توحي بالثقة. إذ ما من لقاء للمعارضة جرى إلا وتم الانقلاب عليه واعتقل المشاركون فيه، وهو ما أشار إليه الشاعر السوري شوقي بغدادي في مداخلته خلال المؤتمر الذي انعقد يوم الاثنين الماضي.

فقد سبق واجتمع المثقفون المعارضون والمستقلون في عهد الرئيس السابق حافظ الأسد، وطلب منهم قول رأيهم بصراحة. وبعد اللقاء تم اعتقال عدد من المشاركين. وفي بداية عهد الرئيس بشار الأسد استخدم ما عرف بـ«ربيع دمشق» للترويج للمشروع الإصلاحي للرئيس القادم حديثا إلى الحكم عن طريق التوريث، وسرعان ما تم الانقلاب على الربيع وتحولت كل فصول حياة المعارضين إلى خريف من الملاحقات وشتاء في الزنازين.

ومؤخرا، وفي خضم الحديث عن دعوات الحوار مع السلطة، جرت تجربة صغيرة في إحدى المدن الساحلية بين مثقفين من السلطة ومثقفين من المعارضة. وبعد انتهاء اللقاء، اعتقل المعارضون. إذن، كيف سيصدق السوريون أن اللقاء التشاوري للمعارضة لم يعقد تحت عباءة النظام، ولا يصب في مصلحته، ولا يمنحه بعضا من شرعية فقدها؟

أسئلة كثيرة مشككة تجد مبرراتها في فقدان الثقة بنظام أدمن الانقلاب على وعوده. فاستبق المؤتمر بحملة تشكيك وتشويش من قبل بعض الأطراف المعارضة في الخارج، وبعض أطيافها في الداخل، وحتى من المؤيدين للنظام. جميع هؤلاء رفضوا اللقاء قبل انعقاده واعتبروه إما «خيانة لدم الشهداء»، إذ رأوا فيها خطوة تمهد للحوار مع السلطة في وقت تمعن فيه آلة القمع الدموية على الأرض في قتل المحتجين، وإما «خيانة لسوريا الأسد إذ يسمح لأصوات (معارضة) تدعو للتغيير بالارتفاع جهارا نهارا وسط دمشق». ولذلك تسبب اللقاء بمعركة ضروس دارت رحاها على صفحات موقع «فيس بوك»، وفي وسائل الإعلام. إلا أن اللقاء انعقد، وتحت ظروف قاهرة لم تترك فيها وسيلة لإفشاله إلا واستخدمت. فعدا زوابع التشكيك التي أثارها احتمال أن يكون قد تم اللقاء بموافقة السلطة، وأنها ستستخدم اللقاء لمصالحها، والتي أدت إلى إحجام الكثيرين عن المشاركة، هناك عدد غير قليل من الأشخاص شاركوا دون أن تتم دعوتهم، بحسب ما أكد مشاركون في اللقاء.

وقال عدد من المشاركين إن هؤلاء «الدخلاء» سارعوا فور دخولهم ردهة الفندق، وقبل بدء اللقاء، إلى الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام المحلية، تتماشى مع المزاعم الرسمية حول وجود تنظيمات مسلحة بين صفوف المحتجين، والإيحاء بأن اللقاء التشاوري هو حوار مع السلطة، مع أن اللقاء لم يأت على ذكر كلمة حوار ولا كلمة سلطة في بيانه.

ويتحدث المشاركون عن عدد من «الأفخاخ» الأخرى التي نصبت للمعارضين المنظمين للقاء، حيث حاولت قنوات الإعلام المحلية توجيه أسئلة استفزازية ضاغطة، واضطرار المعارضين إلى إعلان موقفهم الرافض للحديث مع وسائل إعلام محلية يرون أنها كاذبة ولا تنقل حقيقة ما يجري على الأرض. وقد استخدم هذا الأمر في تلك الوسائل للتدليل على عدم تمتع المعارضين المطالبين بالديمقراطية بحد أدنى من قبول الآخر. ووصل الأمر إلى حد قيام شابة قالت إنها صحافية، باستفزاز متعمد للمعارض لؤي حسين، فما كان منه إلا أن طلب منها الخروج من اللقاء، فراحت تصرخ وتطلب الأمن وادعت أنه ضربها. وقد جرى ذلك أمام عدد من مراسلي وسائل الإعلام تحدثوا عن الأمر فيما بعد. ورغم أن أحد الواقفين طلب منها الصمت، والكف عن الكذب، لأن لؤي حسين لم يضربها، راحت تبكي وتزيد في الصراخ.

وقد عبر الإعلامي إياد شربجي عن استيائه من قيام قناة «الإخبارية» السورية وقناة «الدنيا» باختلاق «مسرحيات» للتشويش على المؤتمر. وكتب على صفحته في موقع «فيس بوك» أن «معظم الحضور رفضوا التحدث لتلك القناتين، إلا أنهما قامتا باستقدام أناس غير مدعوين للمؤتمر للحديث باسمه كنبيل صالح رئيس تحرير موقع (الجمل) الإلكتروني، والفنان عباس النوري الذي استغربوا حضوره». وأشار إلى «محاولات استثمار بعض التفاصيل في المؤتمر لشق صفوف المعارضين واستعدائهم على بعضهم البعض، وخصوصا عدم مشاركة بعض المعارضين السوريين للمؤتمر».

وكل ذلك بينما المشاركون داخل القاعة يتناقشون في 3 أوراق قدمت أمام المؤتمر، الأولى للمعارض ميشال كيلو والثانية للمحامي منذر خدام الذي ترأس المؤتمر والثالثة للناقد والمعارض حسان عباس. والأوراق الثلاث عرضت رؤية حول الواقع الراهن والدولة الديمقراطية المدنية، ودور المثقفين والناشطين في المرحلة الراهنة. ولم يأت المشاركون في اللقاء على مناقشة الحوار مع السلطة، وإنما تم التركيز على ما يجب على السلطة الإسراع في تنفيذه لتحقيق تغيير سلمي نحو دولة ديمقراطية.

وخرج المجتمعون ـ شخصيات ثقافية واجتماعية تمثل طيفا من المجتمع السوري ـ بـ«عهد من أجل بلادنا التي نحب»، وبيان تضمن إقرار ما تم الاتفاق عليه بعد نقاش طويل لموضوعات طرحها المشاركون تتصل بالأزمة العميقة التي تعيشها سوريا اليوم. وأعلن البيان «دعم الانتفاضة الشعبية السلمية من أجل تحقيق أهدافها في الانتقال إلى دولة ديمقراطية مدنية تعددية، تضمن حقوق وحريات جميع المواطنين السوريين السياسية والثقافية والاجتماعية». كما تضمن «العدالة والمساواة بين جميع المواطنين والمواطنات بغض النظر عن العرق والدين والجنس». ودعا كذلك إلى «إنهاء الخيار الأمني، وسحب القوى الأمنية من المدن والبلدات والقرى، وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة ذات مصداقية للتحقيق في جرائم القتل التي تعرض لها المتظاهرون وعناصر الجيش السوري».

ومن بين ما طالب به البيان السلطات «ضمان حرية التظاهر السلمي من دون إذن مسبق، وضمان سلامة المتظاهرين» و«إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومعتقلي الرأي، والمعتقلين على خلفية الأحداث الأخيرة دون استثناء». إلا أن المؤتمر الصحافي لم يمر بسلام، خصوصا أن عددا من المؤيدين للنظام الذين كانوا يعتصمون أمام الفندق طيلة ساعات انعقاد اللقاء، مطالبين بطرد المعارضين، تمكنوا من التسلل إلى المؤتمر الصحافي. وراحت إحدى السيدات توجه الشتائم للمعارضين وتصفهم بالخونة والجبناء الذين يريدون جر البلاد إلى الفوضى. كما راحت تهتف، ومن معها من مرافقين «الله سوريا بشار وبس»، ليكون هذا ختاما ليوم شاق وصفه البعض بأنه يوم تاريخي، لأنه شهد أول مؤتمر علني للمعارضة في مكان عام منذ عقود طويلة، جمع «معارضين سوريين من عدد من القوميات والأديان والطوائف والمذاهب والأطياف والأعمار ومن الجنسين وقفوا دقيقة صمت على أرواح شهداء الحرية من المدنيين والعسكريين»، أمر اعتبره لؤي حسين «فتحا جديدا للحياة العامة والحياة السياسية المغلقة والمدمرة من عقود».

بينما رأى فيه الدكتور برهان غليون «صفعة للنظام»، وقال: «البيان الذي صدر كان صفعة للنظام». وأوضح أن «مؤتمر معارضة الداخل كان إضافة للمعارضة السورية وليس انتقاصا منها» وذلك بعد قوله إن الحكومة السورية «غضت النظر عن المؤتمر لخلق البلبلة في صفوف المعارضة». اللقاء التشاوري وإن ربحت منه السلطة شيئا من السمعة الحسنة، لكنه من جانب آخر كشف عن أن المعارضين للنظام ليسوا فقط إسلاميين، بل هم من كل الأطياف السورية، وشجع الخائفين والصامتين للخوض في نقاش كان حتى الأمس القريب أمرا محرما، بحسب ما أجمع عليه الكثير من الناشطين السوريين. وهذا ما أشار إليه هادي، أحد الناشطين الشباب، الذي عارض المؤتمر بداية، وبعد قراءته البيان اعتذر وشجع على عقد المزيد من هذه اللقاءات لتنظيم صفوف المعارضين ولتجنيب البلاد الانزلاق إلى الفوضى، وإضافة لذلك فإن المؤتمر أكد استمرار النظام في تخبطه وانقسامه إلى اتجاهات كثيرة متناقضة، فهناك من يوجه بغض النظر عن انعقاد المؤتمر وفي الوقت نفسه هناك من يدفع جماعات المؤيدين ووسائل الإعلام لإفشال المؤتمر، إنه السيناريو ذاته المتكرر بأن هناك أوامر واضحة بعدم إطلاق النار ومع ذلك تفرق المظاهرات بالرصاص الحي. ورغم مرور يومين على انتهاء اللقاء، فإن تفاعلاته لا تزال مستمرة، والمشاركين فيه، كما أكد عدد منهم، بدأوا يواجهون ضغوطا واعتداءات مختلفة، لم يكن أولها ولا آخرها قيام نحو 150 مؤيدا للنظام بالتظاهر أمام منزل رئيس المؤتمر منذر خدام في حي الزراعة في مدينة اللاذقية وتهديده وشتمه بأقذع الأوصاف.